قضي الأمر الذي كانت الجزائر تستفتي فيه، فقد انتصر خيار الحرب على خيار الحل السياسي. وقريبا ستبدأ العمليات العسكرية في شمالي مالي. من الرابح ومن الخاسر؟ هل مجموعة غرب إفريقيا لديها القدرة على خوض حرب »هلامية« أم هي تخوضها بالنيابة عن دول أجنبية؟ الحرب : من يقوم بها؟ وضد من؟ تقول مجموعة غرب إفريقيا أن الحرب لا مفر منها لاستعادة شمالي مالي من الجماعات المتمردة و»القاعدة«. ويقصد بالجماعات المتمردة »حركة تحرير الأزواد« التي أعلنت إنشاء دولة مستقلة عن باماكو، في شمالي مالي للتوارق، هذه الجماعة تنتمي أصلا إلى هذه المنطقة، أي أنها مرتبطة عاطفيا بهذه الأرض وهي مستعدة للمقاومة من أجلها. أما »القاعدة« فهي مجموعات إرهابية لا حدود لها، وهي لا تنتمي بالضرورة لمنطقة التوارق، قد تكون عبارة عن »تجميع لجماعات مسلحة« من كل الجنسيات، وقد تكون مخترقة من قبل المخابرات الأجنبية من كل الجنسيات، والحرب ضد القاعدة هي »حرب ضد الوهم« كما بينت التجارب المختلفة. وقد عملت الجزائر كل ما في وسعها لكي تميز المجموعة الدولية بين »الإرهابيين« والحركات »المطلبية«، أي تلك التي لها مطالب سياسية واجتماعية وثقافية مثل حركة تحرير الأزواد، والحركات الإرهابية مثل القاعدة. ويبدو أن الحرب القادمة في شمالي مالي لا تميّز بين هذين المعطيين، بل ستكون حربا ضد »الشمال كله«، بمعنى آخر لن تكون حربا لاستعادة الشمال كما يقولون وإعادة الوحدة الترابية لمالي، لأن ذلك كان ممكنا بدون حرب، عن طريق الحوار بين حركة تحرير الأزواد والحكومة الانتقالية في باماكو، وحتى حركة أنصار الدين. مع العلم أن كلا من حركة الأزواد وأنصار الدين أعلنتا رغبتهما في الحل السياسي عن طريق المفاوضات. لكن لم تُعط أي فرصة للحل السياسي، بل منذ البداية كان هنالك توجه واضح نحو الحرب. لذلك تم إجهاض رغبة الجزائر في الحل السياسي، ولم يتم إعطاء أي فرصة لمختلف أطراف الأزمة في مالي، وتم إقصاء الإتحاد الإفريقي من عملية إيجاد الحلول للأزمة، وتم وضع ملف الأزمة بين أيدي مجموعة دول غرب إفريقيا، وهي عبارة عن 15 دولة، منها 14 دولة تقع تحت النفوذ الفرنسي اقتصاديا وثقافيا وسياسيا. ودول غرب إفريقيا هي التي تحمست للحرب منذ البداية، ما يعني الحرب ستكون بالوكالة لصالح فرنسا. أي أن الوضع في شمالي مالي ليس سوى ذريعة من ذرائع التدخل لتحقيق مصالح وأجندات »استعمارية«. التدخل الأجنبي: الفشل الدائم من حيث ميزان القوة، فإن مجموعة غرب إفريقيا قررت إرسال 3300 جندي، يضاف إليهم نحو 1000 جندي مالي، يقوم بتدريبهم 200 خبير عسكري فرنسي وأوروبي، سوف يقابلون مسلحين بنفس التعداد تقريبيا بين حركة تحرير الأزواد وجماعات القاعدة. فهل يستطيع 4000 جندي السيطرة على رقعة جغرافية صعبة وكبيرة، وأمام مجموعة مسلحة تعتقد أنها صاحبة حق وهم الأزواد، لأنه بمجرد بداية الحرب، فإن عناصر »القاعدة« سيتنقلون ويتحركون ولا يبقون »مستهدفات ثابتة«، وخلال عملية التنقل قد يقومون بعمليات إرهابية في بعض الدول المشاركة في الحرب. ما يطرح جملة من التساؤلات، منها : هل تستطيع دول غرب إفريقيا بضعفها الاقتصادي والعسكري الصمود ومواجهة مضافات وتداعيات الحرب؟ دولة مالي مثلا لا يتعدى دخلها القومي السنوي 10 مليار دولار فقط، ويقل هذا المبلغ في النيجر. وعسكريا يقدر الخبراء العسكريون مجموع ما تنفقه بوركينافاسو ومالي وموريتانيا والنيجر على قواتها العسكرية وأجهزتها الأمنية 160 مليون دولار، ولا تخصص كل دول غرب إفريقيا ال 15 في ميزانياتها لكل جيوشها مجتمعة سوى مبلغ 1.5 مليار دولار سنويا، وتفتقر لقوات جوية قادرة ومتمكنة. فضلا عن ذلك فإن جيوش غرب إفريقيا ضعيفة من حيث التعداد والمعدات والتدريب، ولا تستطيع كل تعداد جيوش دول غرب إفريقيا تغطية المساحة الجغرافية لمالي ناهيك عن دول الساحل المقدرة بنحو 5 مليون كلم مربع. ضف إلى ذلك تدني مستوى المعيشة وانتشار الأمراض والبطالة ونقص واضح في التنمية والتعليم بما لا يسمح للمجتمع في دول غرب إفريقيا تحمل تداعيات الحرب القادمة. وهذا معناه أن الحرب القادمة سوف تطول ، وسوف تكون من حيث المدة الزمنية والنتائج المتوقعة شبيهة بالتدخل العسكري في أفغانستان الذي لم ينته منذ 2001، أو التدخل العسكري في العراق الذي لم ينته منذ 2003، أو التدخل العسكري في الصومال في التسعينيات. وكل الدول التي عرفت تدخلا عسكريا أجنبيا لم تحقق النتائج المرجوة من حيث الاستقرار والديمقراطية والرخاء الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية. وبذلك سوف تزداد دول المنطقة الضعيفة ضعفا، وفقرا ، واضطرابا، وسوف تكون هي الخاسر الأكبر والوحيد من الحرب. من يمول الحرب؟ إذا كانت دول غرب إفريقيا ضعيفة وفقيرة، وهي متحمسة لخوض حرب بالنيابة عن فرنسا تحديدا، فمن يمول الحرب؟ حيث يقدر الخبراء أن الحرب ستكلف في عامها الأول ما لا يقل عن مليار دولار ؟ وهو ما تعجز مالي عن توفيره، وتعجز النيجر وموريتانيا وبوركينافاسو.. والمجتمع المدني في الغرب لا يريد من حكوماته أن تمول حربا في خضم الأزمة المالية العالمية. لذلك تعمل الدول الكبرى المستحيل لإقحام الجزائر في الحرب بهدف التمويل أساسا. غير أن الموقف الجزائري الرافض للحرب، يعني بالضرورة رفض التمويل. لذلك سوف نشهد اجتماعات دولية مستقبلا من أجل تمويل الحرب، تحت تسمية »أصدقاء مالي« أو »أصدقاء دول الساحل« على شاكلة »أصدقاء سوريا« و»أفغانستان« وغيرها. والدول التي لا تريد تمويل الحرب سوف تقوم بمسح الديون أو التزويد بالأسلحة أو التدريب. الغريب أن مليار دولار المتوقع إنفاقه في العام الأول، يكفي لتنمية كل شمالي مالي، فلماذا استبعد خيار التنمية وخيار الحل السياسي؟ لأن الأجندة الغربية وخاصة الفرنسية ليست في حقيقتها »استرجاع سيادة مالي أو شمالي مالي أو محاربة القاعدة«، إنها »إعادة استعمار دول الساحل الضعيفة والفقيرة اقتصاديا واجتماعيا والغنية بالثروات الطبيعية«. ولهذا يجب أن نتخوف من هذه الحرب. مخاوف الحرب من خلال ما سبق يمكن القول أن الجزائر مستهدفة من الحرب، وذلك من خلال، إرغامها على التمويل أو المشاركة فيها عسكريا، خاصة إذا طالت الحرب، وإذا حدث ذلك سوف يتم جرها لمستنقع صعب الخروج منه، ويؤدي إلى استنزاف احتياطاتها المالية بشكل سريع، وسوف ينجم عن ذلك هزات اجتماعية خطيرة. لهذا يتعين على الحكومة تعبئة المجتمع ضد الحرب ، وعلى الرأي العام تعزيز موقف الدولة »ضد الاستسلام للضغوطات الخارجية«. كما أن عقيدة الجيش الجزائري هي عقيدة دفاعية، وإذا تدخل في مالي، يعني أنه غيّر عقيدته، وبالتالي سوف يصبح مستقبلا في قلب التجاذبات الدولية لإقحامه في أي عملية عسكرية في الخارج. ومن بين التخوفات أيضا أن يتم تفتيت المنطقة إلى دويلات، حيث تنشأ دولة تارقية، وربما دولة مسلمة شمال مالي وأخرى مسيحية في الجنوب، في استنساخ لتقسيم السودان. حينها يكون الجنوب الجزائري في قلب معركة حياة أو موت بالنسبة للجزائريين.