قرأت مقالا على أعمدة جريدة »الديار اللبنانية« يزعم صاحبه، الذي بدا حاقدا وبشكل مفرط على كل ما يمت بأي صلة للجزائر وشعبها، أن »الجزائر خططت بعد إسقاط الرئيس زين العابدين بن علي وسفره إلى السعودية بإقامة علاقات مع المخابرات التونسية لإسقاط الحكومة الحالية والتحالف بين الجزائروتونس ضد المغرب كي تدعم تونسالجزائر في الصراع على الصحراء الغربية مقابل أن تعطي الجزائر غاز مجاني إلى تونس، والمخابرات الفرنسية غير راضية عن هذا الأمر لكن الشارع التونسي انفجر ضد الحكومة«. وبدا منذ الوهلة الأولى أن المسالة تتعلق بعمل قذر لا علاقة له من الناحية المهنية ومن الجانب الواقع والحقيقة بالرسالة الإعلامية، وكل ما في الأمر أن بعض الصحف العربية أصبحت تتكلف بأداء مهمات اقل ما يقال عنها أنها منحطة خدمة لجهات أمنية وسياسية يزعجها أمن الجزائر واستقرارها، وما يقلق صاحب المقال المذكور، أو بالأحرى من يقف وراءه، هو أن الجزائر لم تلحق بركب ما يسمى ب »دول الربيع العربي«، فكل المحاولات التي قامت بها أطراف مختلفة في الداخل وفي الخارج لم تثمر ولم تؤد إلى »ثورة« الجزائريين على طريقة المصريين أو التوانسة أو على طريقة الليبيين واليمنيين والسوريين. لماذا تتهم الجزائر بالتأمر على الحكومة الإسلامية النهضوية في تونس، وهل من مصلحة الجزائر فعلا أن يتزعزع استقرار هذا البلد؟ وقبل الرد على هذه الأسئلة تجدر الإشارة إلى أن تونس لم تمثل بالنسبة للجزائر على مر العقود الماضية أي مشكل أو تهديد لاستقرارها، ولا داعي لأن نذكر أيضا بأن تونس كانت حاضنة الثورة الجزائرية خارجيا وقاعدتها الخلفية، ولما كان بعض الجيران وبعض العرب وبعض الدول الغربية تتلذذ بالفتنة الدامية في الجزائر منذ مطلع التسعينيات، لم تشكل تونس أي مصدر خطر بالنسبة للجزائر وهذه حقيقية يعلمها الجميع وحتى ولو خسرت الجزائر جميع جيرانها فستظل تونس هي الوفية لها ولن تتأثر العلاقات بين البلدين مهما حدث. كان على هؤلاء الذين حولوا مهنة الصحافة إلى معول لهدم العلاقات بين الأشقاء أن يتذكروا أيضا بأن زعيم حركة النهضة وجد في الجزائر في زمن التضييق وبطش نظام الرئيس التونسي الهارب، هواء نقيا يتنفسه هروبا من الهواء المسموم الذي كان يسيطر على فضاء تونس آنذاك. وبطبيعة الحال فإن الإشارة إلى مسألة النزاع في الصحراء الغربية وربطه بتلك الأكاذيب التي سوق لها صاحب المقال يوحي بأن صاحبنا يخدم سياسة جلالته، فطريقة الافتراء والتحامل ليست غريبة على أي متتبع للصحافة المغربية وكل ما ينشر فيها من أراجيف واتهامات للجزائر، ويجب أن نشير هنا إلى أن نظام المخزن كان يتوقع أن يتآمر النظام التونسي بعد وصول الإسلاميين إلى الحكم في تونس على الجزائر وكان يحلم بان يمد إسلاميون النهضة جسرا إلى المملكة المغربية ويساهموا بذلك في تحقيق أوهام دبلوماسية جلالته التي تهدف كما هو معروف إلى استغلال ما يسمى بمد »ثورات الربيع العربي« لعزل الجزائر عن محيطها المغاربي والعربي، بالتوازي مع استغلال القاعدة في منطقة الساحل جنوب الصحراء لعزل الجزائر عن امتداداتها الإفريقية، وما يقلق نظام المخزن وكل من يسير على نفس طريقته هو أن تونس لم تقبل بلعب هذه اللعبة القذرة التي حاول بعض قادة »الثورة الليبية« لعبها كما كان الحال بالنسبة للعقيد أحمد باني الناطق باسم المجلس الانتقالي الليبي إبان الفتنة في ليبيا. الذين يتهمون الجزائر بالتأمر على امن تونس بعد أيام قليلة فقط من الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة التونسية للجزائر والتي ساهمت في توطيد عرى الأخوة بين البلدين والشعبين وفي تمتين للعلاقات ودفع عجلة التعاون في جميع المجالات بما في ذلك الأمنية منها، عليهم فقط أن يسالوا أنفسهم من يحرك الشارع في مصر وفي اليمن، أم أن هؤلاء يحاولون فقط تبرير المآسي التي أنتجتها »ثورات الربيع العربي« المفبركة على بعض الشعوب العربية التواقة إلى الحرية والانعتاق من الاستبداد.