¯ و في مثل هذه الحالة، يشبه الشركات المتعددة الجنسيات، أو العابرة للبلدان، فهذه تنهب وهذا يدمر.. وما حدث في الجزائر وتحديدا عين أميناس هو عدوان إرهابي متعدد الجنسيات.. عدوان خطير وكبير يتساوى أو يتعدى تفجير برجي التجارة العالمي في نيويورك عام .2001 تحليلات كثيرة ومضاربات عديدة إعلاميا وسياسيا صاحبت هذا العدوان، كما صاحبته، على الأقل في بدايته، مواقف غربية لم تكن تدرك حجم الخطر الإرهابي الذي استهدف موقعا حساسا من كل النواحي، اقتصاديا صناعيا وأمنيا وإنسانيا، ومع أن بريطانيا كما واشنطن وحتى اليابان أدركت التسرع في المواقف واستدركت الأمر بعد أن تبينت ليس فقط حقيقة ما حدث، إلا أن العامل الذي أعتقد أنه دفع بها للتدارك، هو الحزم الذي جابهت به الجزائر هذا العدوان، وهو أمر فاجأ الإرهابيين المهاجمين أنفسهم وأفشل كل الخطط التي أعدوها.. ما حدث ليس سببه الوحيد قرار الجزائر السماح للطائرات الفرنسية استخدام المجال الجوي الوطني لتدخلها العسكري في مالي، ومن السذاجة التوقف عند هذا العامل فقط، كما تصر على ذلك تحليلات ومواقف البعض من السياسيين عندنا وأيضا بعض المحللين وأشباه المحللين والإعلاميين وأشباه الإعلاميين على امتداد الساحة الوطنية والعربية وحتى العالمية. ما حدث يندرج ضمن مخطط جهنمي تدميري بدأ تنفيذه في تسعينات القرن الماضي، وكانت الجزائر الوحيدة في هذا العالم التي تصدت له بحزم وصرامة في الوقت الذي كان فيه الآخرون عربا وأوروبيين وأنجلو - ساكسون - ليس فقط يهادنون أصحابه، بل يمنحون لهم الدعم السياسي والمالي والمأوى والدعاية، ولاتزال لحد اليوم الأصوات النشاز والوجوه الكالحة، للبعض من هؤلاء الذين تسببوا في تلك المأساة الوطنية الكبرى، يطلون بين الحين والآخر في وسائل إعلام وطنية وعربية ودولية، يتحدثون عن »مآثرهم وخصالهم« دون حياء.. وكأن الصفح الذي تحصلوا عليه ينسينا ما قاموا به وما مارسوه وما تسببوا فيه..! وموقع عين أميناس بالذات باعتبار أن هذه العجالة تتعلق بما حدث فيه.. حاول الإرهابيون لعشرات المرات استهدافه منذ التسعينات، وبالتالي فإن الإدعاء أن ذلك حدث نتيجة الوضع في شمال مالي، ليس هو الصواب الكامل وليس هو السبب الوحيد ولا المبرر الأوحد، إنما كان التدخل العسكري في مالي فرصة لتنفيذ عملية لم تأت هكذا بين عشية وضحاها فعلا ارتجاليا عشوائيا، إنما خطط لها بدقة خارج حدود الجزائر مع تواطؤات في الداخل، وهذا موضوع أمني يستوجب بالتأكيد البحث عن الخلل وعن الثغرة، أو الثغرات التي ساعدت في تحقيقه في موقع استراتيجي وفي منطقة من المفروض أن تكون منيعة أو ليس من السهل اختراقها،،، وذلك موضوع آخر ليست لدي الصفة ولا القدرة ولا الإمكانية للبحث فيه..... في كل الأحوال، هذا يبرر ذاك، أعني الإرهاب ذريعة للتدخلات الخارجية، كما الإرهاب مبرر لنفس هذه التدخلات، وضمن هذا المنظور، فإن الجزائر التي كانت لوحدها وأكرر هذه الحقيقة لتترسخ في الأذهان، حذرت من هذا التكامل في الآفتين، الإرهاب والتدخلات الخارجية، ومن هنا كان موقفها من الأزمة في مالي، كما كان لها نفس الموقف من ليبيا، وإذا كانت تطورات الأحداث قد أكدت صواب ومصداقية التحليل الجزائري، وتوقعاتها، فإن هذه الفوضى قد فرضت علينا عبئا أمنيا كبيرا، والأمر هنا لا يتعلق بحراسة وحماية الحدود الوطنية فحسب، بل يمكن القول وبكل أسف،،، أن المسألة وصلت إلى أن نكون حارسين لحدود الآخرين بحكم الأمر الواقع، الحدود الشرقية كلها في شقيها الليبي والتونسي، والحدود الجنوبية كلها في شقيها المالي والنيجري وبنسبة ربما أقل حدودنا الغربية. ويبدو أن جيران الجزائر ليس فقط أنهم عاجزون عن حماية حدودهم كما تثبته هذه الواقعة ووقائع أخرى، إنما هم كذلك يمارسون سياسة التهرب من الإعتراف بهذه الحقيقة، وهو ما نستخلصه من تصريح الوزير الأول الليبي الذي أنكر تماما حدوث مثل هذا الأمر، رغم دلائل مؤكدة، ورغم إعلان فصائل ليبية مساعدتها لوجيستيكيا للإرهابيين بالأسلحة وأيضا بالسيارات المستخدمة وهي سيارات كانت قطر قد قدمتها لما يسمى '' الثوار الليبيبون''.... ''الربيع العربي'' الذي حدث في بعض البلدان الشقيقة مجاورة وغير مجاورة لم يدمر تلك البلدان فحسب، بل أمسى عدوى متنقلة عابرة للحدود، فالمقاتلون من تونس ومن ليبيا ومن مصر شاركوا في هذا العدوان، كما يشاركون في القتال المدمر الذي تتعرض له سوريا، وهكذا فإن هذه البلدان أمست المصدر الرئيسي للإرهابيين وهي تفتخر بذلك ضمنيا، رغم تهربها علنيا على الأقل تجاه اعتداء عين أميناس. أما في سوريا كمثال، فهي تفتخر بجهادييها... وعلى ذكر هذا الإفتخار فقد سبق لراشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الحاكمة في تونس أن قال لسلفيي هذا البلد، كما سربته تسجيلات من لقائه بهم، '' إنكم تذكرونني بشبابي''... وأسأل ماذا يعني هذا؟ هل هناك اي فرق بين الارهابيين، هل هناك إرهابيون سيئون وإهاربيون جيدون؟ وجدت نفسي أطرح هذا التساؤل، حين أرى النفاق الغربي الذي يتحالف ضد هذه الآفة في منطقة الساحل ويشجعها ويدعمها في منطقة الشام، فالقاعدة موجودة هنا، كما هي موجودة هناك، الفرق فقط أن الأهداف الاستراتيجية في سوريا تتلاقى مع المهمة التي تؤديها المجموعات المسلحة هناك بالنسبة لتدمير دولة وليس إسقاط نظام الزعم الذي يسترون به والأهداف في منطقة الساحل تستوجب تنظيفه، من هذه المجموعات التي خرجت عن المسار المسطر، وقد تهدد المصالح الكبرى، مستقبلا حين تبدو الاستثمارات الكبرى لاستغلال الثروات الهائلة لهذا الفضاء الواسع،،، مثل النفط واليورانيوم، والذهب.... المسألة هنا تتعلق بالهيمنة، ليس السياسية فحسب، بل الاقتصادية والتحكم في المواد الأولية من الطاقة وغيرها المخزنة في أراضي تلك الدول الفقيرة. وعلى ذكر الثروات وأساسا الطاقة، علينا أن نربط ما يحدث الآن في سوريا، بتلك المشاريع الضخمة للسيطرة على سوق الغاز عالميا وهي المشاريع التي ترعاها قطر بالنسبة لتلك المنطقة ذلك أن هذه الإمارة الصغيرة تسعى لأن تكون هي الأولى عالميا في سوق الغاز وأفضل ممر للأنابيب هي الأراضي السورية للوصول إلى البحر المتوسط ومن ثمة الأسواق الأوروبية لمزاحمة الروس والجزائر وهنا أود أن أختتم هذه المعالجة بهذا التساؤل، من المستفيد ولو بطريقة غير مباشرة من الهجوم الارهابي على المنشآت الغازية في عين أميناس؟... وبعد.. وجدت الجزائر نفسها في هذه الأزمة، وحيدة، والحقيقة أن كل الأزمات الإرهابية التي عانينا منها كنا وحيدين والصوت العربي غاب تماما، نبيل العربي عراب التدخل العسكري الخارجي في سوريا صمت مثله مثل حمد بن جاسم.. ولم يعلنوا عن مواقفهم إلا بعد أن لاحظوا أن الغرب كله رضخ للحسم الجزائري، أيد عموما إنهاء الأزمة بالطريقة الجزائرية التي يفهمها الإرهابيون جيدا. لقد خططوا لعدوانهم في مالي، ساحة التدخل العسكري الفرنسي ودخلوا من ليبيا أحد بلدان '' الربيع العربي'': والمجموعة فيها تونسيون وليبيون ومصريون وجنسيات أخرى من البلدان المجاورة، وغير المجاورة التي تفتخر ''بثوراتها'' في حين أن الحقيقة والواقع أنها مصدرة للإرهابيين كما كانت بعض الدول الغربية تصدر المرتزقة!.