سبعينات القرن الماضي مباشرة بعد حرب أكتوبر ,1973 قبل الشرق الأوسط الجديد مشروع بوش والمحافظون الجدد، وقبل الفوضى الخلاقة، كانت هناك طروحات العراب هنري كيسنجر، وأعتقد أن ما يحدث الآن وما قد يحدث لاحقا بالنسبة للمشرق العربي هو التطبيق العملي لأفكار كيسنجر الرجل طرح حينئذ أفكارا خطيرة بالنسبة للعراق وبالنسبة لمنطقة الشام وما تنبأ به لبلد الرافدين تحقق عمليا أما ما اقترحه لبلاد الشام فهو يتحقق الآن وبمباركة أعراب الخليج. وليس جزافا أن يقترح كيسنجر تقسيم منطقة ''الهلال الخصيب'' إلى كيانات ودولات على أسس ثلاث طائفي عرقي ومذهبي. فالعراق عمليا مقسم، بل هناك الآن عراقان بغداد وأربيل وهناك صراعات بين السنة والشيعة اتسعت خلال الأسابيع الأخيرة وهناك صراعات كردية، عربية، أما مسيحيو هذه المنطقة، العراق وسوريا بمختلف طوائفهم أيضا وهم أقدم مسيحيو العالم قبل أن تتمسح أوروبا بقرون فهم يعانون ويدفعون دفعا إما للتهجير أو للتطرف. وكما اقترح ذلك العراب تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، شيعية وسنية وكردية، اقترح أيضا تقسيم الشام إلى مجموعات من الكيانات، سنية، درزية، شيعية، مسيحية وعلوية، وضمن هذه الفسيفساء يدرج لبنان باعتبار أن الخريطة سيعاد تشكيلها من جديد وعن الفلسطينيين فإن أطروحة كيسنجر أن يلتحقوا بالأردن لتشكيل كونفدرالية وهي نفس فكرة الاسرائيلي إيغال ألون بعد حرب 1967 . وإذا كان العراق وقد تم غزوه عام 2003 فإن الشام شرع في تدمير سوريا الطرف المحوري فيه منذ أكثر من سنتين. وفي هذه المنطقة تم مزج الفوضى الخلاقة للمحافظين الجدد بخطة كيسنجر مع الطعم ''الاسلاموي''! إن الولاياتالمتحدة كقوة كونية تبني استراتيجيتها على خطط مستقبلية بعيدة المدى، وهي لا تهملها أو تلقيها أو تتخلى عنها إنما تنتظر الوقت المناسب والظرف المتاح لتنفيذها. كل هذا المسار إذن لصالح اسرائيل وبالنتيجة تخدم أهداف أمريكا التي كانت مقارباتها دوما فيما يتعلق بقضايا الصراع العربي الفلسطيني تتقاطع مع أهداف تل أبيب وضمان ليس أمنها فقط، بل ضمان أن تكون هي الطرف المحوري في المنطقة. ... لماذا يكرهنا الاسلاميون؟ عودة إلى السؤال الذي كلفت إدارة واشنطن فريقا من الخبراء والباحثين بحث أسابيع وإيجاد الاجابة له التي كانت باختصار ان إدارة واشنطن تعارض وصولهم إلى السلطة وحسب الدراسة، فإن المسألة لا صلة لها بالدعم الأمريكي لاسرائيل مثلا، أو لغزوها العراق وأفغانستان أو لتدخلها في اليمن أو تقسيمها للسودان. وفهمت واشنطن الرسالة، وباعتبارها السياسة الأمريكية التي كانت دوما براجماتية فإن المهم في هذه المنطقة المصالح ولا يهم شكل الحارس أو دينه أو طائفته أو عرقه، ولا يهم إن يرتدي البذلة أو العباءة أو الجلباب وهكذا تغير التعامل مع الاسلاميين لمائة وتسعين درجة، من العداء المطلق إلى الدعم المطلق وفي أضعف الأحيان التفهم وغض الطرف إنه زواج المتعة المشتركة! وسقط مبارك كما سقط بن علي وقتل القذافي غير أن كامب ديفيد بقيت وأكثر من ذلك دجنت المقاومة الاسلامية لحماس في غزة وغادر رمزها مشعل دمشق إلى الدوحة ومنها أعلن عداءه لسوريا وتأييده المعارضة المسلحة. ومصر التي يحكمها الاخوان المسلمون الآن هي التي دمرت أنفاق رفح نهائيا، الخطوة التي لم يقدم عليها حتى نظام مبارك، والأنفاق كانت المنفذ الوحيد ليس للسلاح فقط كما تزعم تل أبيب إنما لمواجهة حصار غزة الذي وعد أردوغان منذ أكثر من سنتين أنه سيخرقه وسيرسل أسطوله لكسره!! وحسب ما يجري في الكواليس الآن، فإن حماس غزة التي أصبحت تحت عباءة الاخوان في القاهرة وبالكفالة المالية لقطر سيتم تدجينها للتخلي عن كل مبادئها المعادية لواشنطن وتل أبيب ولا بأس أن تحتفظ بالشعارات وستسير في مسار جعل غزةدبي المتوسط ومن تم فإن ''الرفاهية'' التي تعد بها قطر القطاع ستؤدي إلى تحويل هذا الشريط إلى ''لاس فيغاس'' المنطقة. وفي هذه الحالة، فإن الضفة الغربية حيث ''السلطة الفلسطينية'' لن يبقى أمامها سوى الانضمام إلى الأردن. إنه توجه أو تخطيط يناقش أو على الأقل لا يزال مطروحا في دوائر غربية وخليجية، وحتى مصر لا تعارض هذا التوجه وعندئذ فإن الدوائر الثلاثة الأمريكية والاسرائيلية ،الاسلاموية ستحكم الخناق على شعوب المنطقة وعلى بلدانها التي سيعاد صياغة كل شيء فيها بدء من الجغرافيا التي ستحدد ملامح المنطقة على أسس طائفية وعرقية ومذهبية. نحن أمام ملامح ستار حديد، جديد، ليس كما وصفه تشرشل بعد الحرب العالمية الثانية، وهذه المرة ليس شيوعيا، بل إسلامويا - أمريكيا.