*المؤلِّف : هو عبد القادر صيد، مدير مدرسة تربوية في مدينة بسكرة، وعضو فاعل في الجمعية الخلدونية للأبحاث والدراسات التاريخية، أقام في قرية ليشانة مدة من الوقت، مما جعله يتفاعل أكثر مع فكرة إنجاز كتابٍ عن آخر شيوخ الإصلاح الراحلين، الشيخ أحمد سحنون، ابن هذه القرية الطيِّب أهلها، التي لمَّا تزل تصدر إلى الجزائر والعلم والدين الرجل تلو الرجل . يعترف الكاتب أن كتابه هذا ما هو إلا بداية في الطريق الصحيح، لبحوث أخرى أكثر عمقا وثراء حول الشيخ أحمد سحنون، إلا أنه يعتقد أن ما جمعه من معلومات تُعتبَر قيِّمة لأنه استقاها من المقرَّبين للفقيد، مما يجعل منها مرجعا لكل بحث قادم . تظهر في إهداء الأستاذ الشاب عبد القادر روح التضامن العائلي السامية، وهي التي تكاد تكون تلاشت في مجتمعٍ مازال يجنح نحو التفكك، فهو يهديبا باكورة أعماله إلى جميع أفراد الخلية الأسَرية، التي خرج منها وينتمي إليها، إلى روح والده أولا، ثم إلى أمه التي تعبت وعانت من أجل أداء الأمانة، فإلى زوجته التي تحمّلت معه وعثاء الحياة وآزرته في تذليل مصاعب الدنيا، فإلى إخوته الذين يخص منه أخته، وإلى أبنائه فيذكرهم بأسمائهم واحدا واحدا، ويُنهي إهداءه إلى أعضاء أسرته الثقافية في الجمعية . الناشر : منشورات الجمعية الخلدونية للأبحاث والدراسات التاريخية، التي لم يمضِ على ظهورها إلى الوجود إلا خمس عشرة سنة، وقد نشرت العديد من الإصدارات لبعض اعضائها، مع طبع محاضرات كل ملتقى من ملتقياتها السنوية في كتاب، رغم كل ما تعانيه من مصاعب مادية، تنتج عن الانسداد الذي كثيرا ما يطغى على سلوك أولي الأمر محليا أو وطنيا، تجاه كل ما هو ثقافي، ولا يُروِّج لفعلٍ سياسي ولو كان غير ذي بال. تاريخ النشر : 3102 *يقع الكتاب في ثلاثمائة صفحة، قدَّم له الأستاذ فوزي مصمودي مدير المتحف الجهوي للمجاهد ببسكرة ، وأحد مؤسِّسي الجمعية الخلدونية للأبحاث والدراسات التاريخية . *الكتاب أعطى صورة سياحية جميلة لقرية ليشانة، مسقط رأس الشيخ المصلح والفقيه والشاعر والصحافي، يجتمع في هذه الصورة التاريخ المجيد بالجغرافيا الساحرة، بالجهد الذي تشترك فيه المجموعة الوطنية في بناء دولة ما بعد استرجاع الاستقلال . *الكتاب مزدان بعديد الصور التي ثبَّتت الزمن الذي مر على مختلف معالم ليشانة ، وجسّدت لحظات عاشها الراحل عبر فترات عمره بالمدن الجزائرية التي زارها أو عاش فيها . يمكننا القول إن الكتاب مُقسَّم إلى عشرة فصول وعدد من الملاحق، ابتدأها بتحديد موقع ليشانة في التاريخ وعلاقتها بثورة الزعاطشة عام 1849 ، ووضعها الإداري الحالي وكيف ظهرت بعد التقسيم الإداري عام 1984 . ينتقل الكاتب بعد ذلك إلى حياة صاحبه، ابتداء من نشأته وعلى مَن تتلمذ، إلى زواجه ورحلته إلى مدينة الجزائر، ودخوله سجن الاحتلال ومعاناته فيه بالمرض ، إلى استعادة الاستقلال حيث راح يصدح بالحق سواء في إطار إمامته للناس بالمسجد الكبير أو ضمن عضوية المجلس الإسلامي الأعلى ، مرورا بزمن الجنون الجزائري ، حيث تعرّض الشيخ إلى محاولة اغتيال، حينما أطلق عليه أحد الضالين رصاصتين اخترقت إحداهما رأسه دون أن نتفجر ولكنها عطّلت فيه الحديث وجمّدت الذاكرة التي لم يستردها إلا بعد بضعة أشهر ، إلى أن لقي ربه في الثامن من شهر ديسمبر عام 2003 . ثم ينتقل المؤلف إلى أحمد سحنون الشاعر ، وهنا يتعرض أولا إلى العوامل التي ساعدت في تفتُّق موهبة الشعر لديه ، مقدِّمًا بعض قصائده سواء الفصيحة منها أو العامية ، ويذهب الأستاذ الصيد إلى القول إن أحمد سحنون شاعر قبل أن يكون مصلحا ، ويصنِّفه ضمن شعراء الطبع ، ويعتبر الجرأة لديه أهم ميزة من ميزات شعره العديدة . وعندما يُحوِّل الحديث إليس سحنون المصلحس يبدأ في تعداد مجموعة من المحطات التي جعلت من صاحبه مصلحا ، ولعل أهمها في نظره على الإطلاق لقاؤه الأول مع الشيخ عبد الحميد بن باديس في نادي الترقِّي بمدينة الجزائر ، ثم لقاؤه بالشيخ البشير الإبراهيمي والتي نقل المؤلف عنه قوله فيها : إنها أحسن وأكبر سنوات حياته ، وفي هذا الفصل يعدِّد صفات المصلح التي رآها في الشيخ ، وهي الاعتدال والتواضع والوطنية والابتعاد عن الهالة الإعلامية . ويُخصِّص الكاتب الفصل الخامس من كتابه إلى الحديث عن زسحنون والصحافةس ، ويصف مساهمته فيها بالنضال ، فيذكر نضاله في الشهاب والبصائر دون أن يغفل رأيه في بعض القضايا التي تهم الأمة والتي نشرها في الصحيفتين المذكورتين أو في غيرهما من الصحف . أما الفصل السادس فكتب فيه عن زسحنون والثورةس ويبدأه بحدس الشاعر وتنبئه بالثورة ، ثم يتحدّث عن الشاعر أثناء الثورة ، ليُركِّز على نضاله الثوري الذي أدخله السجن لثلاث سنوات خرج بعدها نتيجة شهادة قال إنها جاءت من جيرانه الفرنسيين الذين كان يقيم بينهم في حيّ سنت أوجين . ينتقل الأستاذ الصيد في الفصل السابع إلى زسحنون الإنسانس تحت عناوين فرعية هي الإنسان والموت ، وحنينه إلى أمه ، وفي البيت مع أبنائه ، وبينه وبين ابنته عائشة ، وتعلقه بابنه محمد رجاء ، وسعيه في قضاء حوائج الناس ، لينهيها بموافقات الشيخ . الفصل الثامن خصّصه لمن زقالوا عن الشيخس وقد ابتدأه بما قالته ابنته : لو لم يكن الشيخ سحنون والدي لتمنيت أن يكون والدي ، وابنه محمد رجاء : كان شهما رزينا لا يُخرِج الكلمة إلا بعد تروٍّ ، إذ كان يقول العظيم خطؤه عظيم ، وقال عنه الدكتور أبو القاسم سعد الله : شاعر وواعظ وكاتب ، شعره ديني إصلاحي ووطني ، وقال عنه رفيقه الشيخ محمد طاهر آيت علجت : سحنون امة وحده ، وكان حريصا على سلامة الجزائر ، أما الشيخ عبد الرحمن شيبان رحمه الله فقد قال عنه : كان يُركِّز على نُصْح أولي الأمرمتأسيا في ذلك بشيخيْه ابن باديس والإبراهيمي ، ولم تكن تأخذه في ذلك لومة لائم . الفصل التاسع هو زمن أقوال الشيخ أحمد سحنون النثريةس وهو فصل يحتوي على مجموعة من العناوين الصغيرة : إصلاح القلب ، توجيه الشباب ، قيمة الوقت ، غرور الحياة ، على مائدة القرآن ، الأمانة ،أداة السيادة ، واجب الأمة نحو التعليم ، المرأة المسلمة ، الكفاءة ن وتحت هذا العنوان يُشخِّص الوضع ، فكأنما هو بيننا اليوم ويتحدّث عن حالنا الراهن ، حيث يقول : كم متهافت على الزعامة ، متهالك عليها ، وهو ليس من أهلها ولا من طرازها ، ولكن الغرور وعدم الاعتراف بالقصور ، قاداه إلى ما لا تُحمَد عقباه ، فقاد أمّته إلى الحِمام وهو يقول إلى الأمام . وينتهي الأستاذ صيد إلى الفصل العاشر الذي عنونه بالتالي :سنماذج من شعرهس فيورد أربع قصائد للشيخ متبوعة بثلاث أمنيات : أمنيتان سحنونيتان أولاهما في توديع الشيخ الغزالي، حيث قال : أتمنى لو أن أمثال الشيخ محمد الغزالي بالمئات ، يجوبون العالم الإسلامي دعاة إلى الله، وثانيتهما أنه رحمه الله كان يتمنى لو استطاع بناء مدرسة قرآنية بمحاذاة مسجد أسامة ، أما الثالثة فهي أمنية المؤلِّف في أن يرى اسم شيخه المصلح الشاعر على إحدى المؤسسات التربوية . وأنهى عبد القادر صيد كتابه الذي أراه قيِّما بمجموعة من الملاحق في ثماني صفحات ، أدعو القارئ إلى اقتنائه وقراءته ، فقد كُتِب بلغة بسيطة وأسلوب سهل وطريقة مشوِّقة قد تعيد حب القراءة لمن هجرها .