يتأرجحون بين «أيوب» مرة و «شمشون» مرة و «نيرون» مرات. ينامون على أمل بأن يحلموا بظهوره، ويستيقظون من أجل العمل على عودته. إذا فقدوا الأمل سارعوا إلى تدوينات من تبقى من قادتهم، وتغريدات من استمر على نهجهم، فينهلون بعضاً من ثقة ويتجرعون قدراً من رجاء ويرشفون رشفة جنون تدفعهم نحو الميدان. فاليوم يتجلى حلم «الإخوان» في إعلان الحرب على مصر، والانتصار على جيشها، ودحض شعبها، والتخلص من شرطتها، وكتابة أسمائهم بحروف من نور في التاريخ. فغاية حلمهم أن يحل اسمهم في خانة «المنتصر» وجل أملهم بأن يخرج الشعب والجيش والشرطة المصنفون في عرفهم ب «يد وسخة» وهم يجرون أذيال الخيبة، فيعود الرئيس المعزول محمد مرسي إلى القصر، وترجع مصر إلى القسر. حلم «الإخوان» باحتلال الميدان، وهو الحلم الآخذ في التبعثر يميناً ويساراً لم يتبق له من حبال يتعلقون بها سوى الغد، حيث يوم الفرقان بين الشعب و «الإخوان»، والمعنون «إخوانياً» ب «يوم الفرقان بين الحق والباطل». تمرينات الإحماء لغزو الميدان شهدت حماسة أمس في الساعات القليلة المتبقية على احتفال المصريين بذكرى «نصر أكتوبر» المعنون «إخوانياً» بيوم «كسر الانقلاب». «انزل. اثبت. احشد»، تنادي النائب السابقة عن حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية ل «الإخوان»، عزة الجرف عبر صفحتها على «فايسبوك»، مطالبة الشعب المصري ب «زلزلة أركان الانقلابيين» بدءاً من الجمعة إلى تحقيق النصر اليوم الأحد. «دماء الشهداء، حرق الموتى والمصابين، دموع الأيتام، حقوق المعتقلين والمطاردين، أنات المصابين، مصر المنهوبة، حريتنا المسلوبة، شرعيتنا المخطوفة، إغلاق المساجد، الإعتداء على حرمات الله، ومحاربة الدين سراً وعلانية. انزل رجع حقك وحقهم وحق البلد والدين». «حق البلد والدين» الذي يأمل «الإخوان» بالبحث عنه في جنبات ميدان التحرير المتنازع على امتلاكه بينهم وبين المصريين غداً يجري العمل على تحقيقه طبقاً لخطة «إخوانية» من ست نقاط: «بدء الحشد صباح الجمعة. وتباعاً اليوم السبت بمسيرات ليلية حاشدة مع توقع قيام الأمن بإغلاق مداخل القاهرة صباح الأحد وفي هذه الحال يتوجب عدم الاقتراب إلا في حال وجود حشود غفيرة تجبر الأمن على السماح لها بالمرور. انضم إلى أقرب مسيرة لك وتوجه إلى أي من المناطق التالية: التحرير أو رابعة أو النهضة أو طلعت حرب أو الاتحادية أو الألف مسكن مع التأكد من سد الكباري وإغلاق الطرق وشل المرور تماماً. تظاهرات واعتصامات مفتوحة في محطات المترو وشل حركته تماماً. عدم مغادرة الميادين إلى حين سقوط الانقلاب تماماً». معايير «الإخوان» ل «سقوط الانقلاب تماماً» تحتم عليهم أن يسلكوا واحداً من ثلاثة مسالك لا رابع لها، فأمامهم مسلك «أيوب» الذي نعم بالرخاء 80 عاماً فاستحى من الله أنه لم يمكث في بلائه المدة التي مكثها في رخائه، وإن كانت المعطيات ترجح أن رخاءهم بلاء على الآخرين. وهناك مسلك «شمشون» الذي تميز بفرديته واتبع هواه وحين انفضح أمره وصار مثاراً للسخرية دفع عمودي المعبد فسقط على رأسه ورؤوس من حوله، وإن كانت المعطيات ترجح أن من في المعبد سيدكون رأس «شمشون» قبل أن يهدم المعبد هذه المرة. المسلك الثالث والأخير هو مسلك «نيرون» الذي أراد أن يعيد بناء روما فأحرقها بالكامل وجلس يتسلى بمنظر الحريق الذي خلب لبه، لكن المعطيات تؤكد أن سكان «روما» هذه المرة سينقذون مدينتهم قبل أن يحرقها «نيرون» وينفذ مشروعه فيها. وسواء اختار أنصار «الشرعية والشريعة» أن ينتهجوا نهج «أيوب» أو «شمشون» أو «نيرون»، فإن جوانب القاهرة تنضح بأغانٍ وطنية تعيد ذكريات حرب مصر مع إسرائيل قبل 40 عاماً، وسكانها يستعدون لاحتفال مصري وطني شعبي أججته هذا العام رغبة عارمة في كسر شوكة «الإخوان» ورفع علم مصر بنسره الذهبي لكسر الأصابع الأردوغانية السوداء، وأصحاب محلات الميدان ومحتلو أرصفته الجوالون مسلحون بصور وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي وأوبريت «تسلم الأيادي» لطرد الأرواح الشريرة. في الوقت نفسه، تنشغل قواعد «الإخوان» من القاعدين في البيوت وقتها بعمل التشكيل الوزاري بعد «كسر الانقلاب» وعودة مرسي إلى القصر. وبحسب «أبطال رابعة» فإن رئيس الوزراء هو هشام قنديل، ووزير الدفاع إما محمد البلتاجي (القيادي «الإخواني» الذي ربط توقف العمليات الإرهابية في سيناء بعودة مرسي إلى الحكم) أو حازم أبو إسماعيل، والمال والاقتصاد والتجارة إما «الاقتصادي العالمي» خيرت الشاطر (نائب مرشد «الإخوان») أو «الاقتصادي العالمي» حسن مالك (رجل الأعمال «الإخواني») والأوقاف إما محمد عبد المقصود (نائب رئيس «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» التي تضم قيادات «إخوانية» وسلفية) أو طارق الزمر (القيادي في «الجماعة الإسلامية» المدان في قتل الرئيس أنور السادات)، والثقافة إما للمطرب حمزة نمرة (المحب للجماعة) أو محمد الجوادي (المتحول من الطب إلى التأريخ والتبرير ل «الإخوان»)، والإعلام لصفوت حجازي (صاحب فكرة الولاياتالمتحدة العربية بقيادة مرسي ومبتدع هتاف «على القدس رايحين شهداء بالملايين») أو عاصم عبدالماجد (القيادي في «الجماعة الإسلامية» صاحب وعد السحق لمعارضي مرسي في فعالية الإخوان «لا للعنف»). وإلى أن ينتهي «أبطال رابعة» من التشكيل الوزاري، وينهي المصريون استعدادات الاحتفال بذكرى النصر، تستعد الجماعة وأنصارها ل «ثورة أكتوبر» بتكرار هتاف «نصر أكتوبر»: «الله أكبر»، ولكن هذه المرة ليس أملاً في كسر الإسرائيليين، ولكن لكسر المصريين.