اعتبر وزير الثقافة و الاتصال الأسبق محي الدين عميمور، أمس، في حديث ل»صوت الأحرار« أن الموقف الرسمي على لسان وزير الخارجية رمطان لعمامرة من تهكم الرئيس الفرنسي على الجزائر لايكفي، وأضاف أن رد الفعل الجزائري ليس فرض كفاية، مرجعا تنديد الطبقة السياسة الفرنسية بتصرف حاكم قصر الإليزي إلى خشيتهم من المساس بمصالح بلدها تابعتم تصريحات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند التي تهكم فيها على الجزائر، كيف تقرأون هذا الموقف الفرنسي ؟ سأكون صريحا معك إذا أنا تهاونتُ في ردع مخلوق قام بضرب قطتي بدون سبب فإنه غدا سوف يضرب إبني، ولعله يضربني أنا شخصيا بعد غد ونحن تهاونا كثيرا في رعاية المواطن الجزائري في الخارج بل وفي الداخل، فوصل الأمر ببعض الأجانب إلى حد عدم احترام المسؤول الجزائري، وهو ما حدث مؤخرا مع أحد وزرائنا وتناقلته الصحف، ولم أسمع أن هناك رد فعل تم تجاه السلطات الفرنسية ولقد نشرتم أنتم بالأمس صورة الخاتم الذي تعتدي به القنصلية الفرنسية في الجزائر على وثيقة رسمية هي ملك للدولة الجزائرية وهي جواز السفر، في حين أنه ما من دولة في العالم تقبل عملا كهذا يسيئ إلى طالب التأشيرة، وأتحدى أن تقبل بوركينا فاصو أو جيبوتي أو جزر القمر أمرا كهذا بدون الرد العاجل بالمثل، بجانب فتح الباب أمام مواطنيها لتغيير جواز السفر الملوث فورا، ولا أتحدث عن بريطانيا أو أمريكا والأصدقاء في وزارة الخارجية عندنا أدانوا هذا التصرف شفويا، ولكن لم يتخذ إجراء حاسم، وكانت النتيجة أن وصل الأمر إلى الاعتداء على رئيس الدولة شخصيا في برنامج متلفز بكل بساطة، من يقبل مجرد نظرة متعالية ليس له أن يغضب عندما يتلقى صفعة على كفاه أو ركلة في مؤخرته وأنا شخصيا أرسلت للسفير الفرنسي معبرا عن استيائي، ولكنني مجرد فرد لا يملك وحده تغيير الأمور نحو الأحسن. ¯¯ كيف تفسرون التناقض الفرنسي بين التصريحات السياسية »المعسولة« والإشادة بالاستقرار من جهة والتهكم الفرنسي الأخير من جهة أخرى؟ ليس هناك تناقض. ببساطة شديدة، فالقوم يحسون بأن هناك هوة بين الشعب وبين مسؤوليه، وبأن المسؤول لا يهمه ما يصيب المواطن البسيط بل والإطار المتوسط من تعنت وتجبر، وهم لا يترددون في الإساءة للأمة كلها لأنهم يعرفون أن لا أحد سوف يتحرك، لأنهم يطيبون خاطر المسؤولين السامين بكلمات معسولة تمكنهم من إسكاتنا إذا بدا لنا أن نحتج والاحتجاج سهل جدا، وهو ليس في حاجة لأي عنف أو تجاوز، حيث أن المصالح الفرنسية في بلادنا هائلة، ويكفي كمقدمة أن تخرج كل صحفنا تحمل عنوانا رئيسيا باللون الأحمر: السيد هولاند ...ألا تخجل من نفسك ؟ (Monsieur Holandì.vous navez pas honte) وهذا دور الأحزاب ودور المجتمع المدني بقدر ما هو مهمة السلطة الحاكمة. هل تعتقدون أن هذه الخرجة الفرنسية غير المتوقعة سيكون لها أثر مباشر على العلاقات بين الجزائر وفرنسا؟ إذا ظلت الأمور كما هي، وبدون ردود فعل على كل المستويات، فسوف نلقى غدا إهانات أكثر خطورة وأشد استفزازا، وسنكون محل سخرية العالم كله. ولعل الحكم التافه ضد المتشرد المغربي الذي انتزع العلم الوطني من أعلى القنصلية الجزائرية يعطيك فرصة عن حجم الاحتقار الذي نواجه به، والمرتبط بحجم اللامبالاة التي واجه بها السياسيون في بلادنا تلك الإهانة المبرمجة، ممن تصوروا أن البلاغات الصحفية والصرخات المفتعلة تكفي لردع المعتدي. ما تعليقكم على الموقف الرسمي الجزائري على لسان وزير الخارجية رمطان لعمامرة، برأيكم هل هو كاف؟ الوزير قام ببعض الدور الذي يتلقى عليه مرتبا من أموال الشعب، لكن الكلام وحده لا يكفي، ورد الفعل ليس فرض كفاية يقوم به البعض فيستريح منه الكلّ، والمهم أن رد الفعل الحقيقي ليس مقصورا على القيادات في كل المستويات، وسواء في السلطة أو في المعارضة رد الفعل الكريم هو مهمة عموم الجمهور، وهو يكشف ثمن المبالاة التي تصرفنا بها، أكاد أقول جميعا، تجاه وضعيات مهينة ما رأيك لو انهال مواطنون عاديون سبا وإهانة، ولا أقول ضربا، ضد ذلك الأحمق الذي قبل يد الرئيس هولاند خلال زيارته للجزائر، وما هو شعور الرئيس الفرنسي نفسه تجاه لا مبالاة الناس عندنا أمام ذلك التصرف الحقير، خصوصا عندما راح البعض يفلسفه بمزيج من البلاهة والغباء وبتأكيد للاستلاب الذي نحياه منذ أن أصبحت الفرنسية سيدة الموقف في الجزائر. في وقت نددت الطبقة السياسية الفرنسية بتصريحات هولاند، اكتفت الفعاليات السياسية في الجزائر بردود محتشمة، خاصة وأن تهكم الرئيس الفرنسي ليس سابقة أولى، ماذا ترون؟ تنديد الطبقة السياسية الفرنسية جزء من اللعبة السياسية عندهم، وصورة لتناقض اليمين مع اليسار، وكلهم في نهاية المر فرنسيون تهمهم مصالح بلدهم، ويخشون من المساس بها، وهو المطلوب اليوم، وما حدث عندنا من ردود فعل محتشمة كما تقولين يؤكد أن الجزائر لم تعد فيها طبقة سياسية بالمعنى المقصود من التعبير، وليس فيها مجتمع مدني يعرف واجباته تجاه شعبه وأمته، بل ويعطينا جميعا وضعية من تجاوز حالة اليتيم المقهور إلى حالة اللطيم الذليل، واللطيم كما تعرفين هو من فقد الأبوين معا. هل ما تزال العلاقات الجزائرية الفرنسية محكومة بإرث التاريخ؟ سنفقد الجانب المضيئ والمشرف من التاريخ يوم بعد يوم، ونحن نسمع بعض الحمقى عندنا ينادون بأن ننظر للمستقبل ولا نظل أسرى الماضي، وسنظل محكومين بالجانب المذل من التاريخ إلى أن نتخلص من أناس ما زال الاستعمار يعيش في نفوسهم وينعكس على تصرفاتهم، وهم من جعلوا جل مواطنينا في وضعية أكثر مهانة من وضعية الأغلبية الساحقة خلال مرحلة الاستعمار هل تعرفين أنه في مرحلة الاستعمار كان مكتوبا على أوراق العملة الجزائرية : بسم الله الرحمن الرحيم، ثم آية : ويل للمطففين وتخيلي أي رد فعل نواجه به لو حاولنا كتابة البسملة على أوراق عملتنا، سترتفع الأصوات المنكرة منددة بالأصولية الإرهابية، وهي أصوات لم يزعجها اختفاء الصورة المائية للأمير عبد القادر من أوراق عملتنا، ووضع رسوم بارزة لأفيال وبغال وحمير على وجه عملتنا المعدنية، بدلا من رسوم المجاهد والمناسبات الوطنية.وعندما لم يتحرك أحد للتنديد بذلك أحس العالم بأننا قوم بصقوا على تاريخهم وأهانوا ماضيهم، وبالتالي فقدوا أي حق في مستقبل كريم. ومن هنا نفهم لماذا نجد مستلبين كثيرين يركبون فوق أكتافنا في حين يحنون الرؤوس أمام كل من يرطن بالفرنسية.وقصة بسيطة تصور ذلك، فقد روى لي صديق أنه كان يوما في حفل للسفارة الفرنسية فوجد هناك مسؤولا كبيرا بدون ربطة عنق، فوجه له اللوم على ذلك ولكن المسؤول أجابه بلا مبالاة غريبة: لماذا الكرافات ؟، إنني في بيتي (Je suis chez moi) وسنظل هكذا إلى أن نعرف من وصل إلى مراكز المسؤولية من أبناء وأحفاد من صوتوا ضد الاستقلال، وما هو دور الطلقاء الذين كنت حذرت من سمومهم في الثمانينيات ويكفي أن تنظري نظرة سريعة إلى أهم شوارع العاصمة وستكتشفين أن بعض أحياء مرسيليا أكثر اهتماما بالعربية من شوارع أهم العواصم العربية.