يجري التحضير للانتخابات الرئاسية في ظروف غير مطمئنة وغير مريحة بالنسبة للشعب الجزائري، ولدت تخوفات من حدوث ربيع عربي بإخراج جديد، يختلف على الطريقة المصرية والتونسية والليبية والسورية، لأن في مثل هذه الدول قام الشعب بالدعوة للتغيير، لكن في الجزائر ظل الشعب يحمد الله على عودة السلم والاستقرار وانطلاق التنمية. العهدة الرابعة وتوابلها ❍ أصبحت مسألة العهدة الرابعة من عدمها إشكالا سياسيا كبيرا، فهي من الناحية القانونية والدستورية لا تطرح إشكالا ما دام التعديل الدستوري لعام 2008 قرر فتح العهدات، لذلك ليس من حق أحد أن يعارض ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة لأن الترشح حقه السياسي والدستوري. لكن الإشكال المطروح حاليا هو إشكال سياسي، فالذين يعارضون ترشح بوتفليقة لعهدة جديدة، فإنهم مقتنعون تماما أنه سيفوز لو ترشح، ولو لم يكن ذلك لما كان هناك داع لمعارضة ترشحه، بدليل أن بعضهم أعلن بوضوح أنه إذا ترشح بوتفليقة فلن يترشح. والغريب أن كثيرا ممن يعارضون حاليا العهدة الرابعة هم ممن رفعوا أيديهم حتى ظهر ما تحت إبطهم خلال التصويت على التعديل الدستوري لعام ,2008 لذلك بات من الحكمة غلق العهدات الرئاسية تجنبا لمشاكل مماثلة مستقبلا. أما الشق الآخر فيتعلق بمؤيدي العهدة الرابعة وهم كثيرون، من الأحزاب الكبرى إلى الصغرى، ومن العتيقة إلى الحديثة النشأة، مرورا بالمنظمات والجمعيات وحتى أندية كرة القدم. لكن هؤلاء المؤيدين، يؤيدون ويواصلون التأييد ويصرون عليه رغم أن بوتفليقة لم يشر إلى احتمالات ترشحه باستثناء القراءات التي قدمت للتعديل الحكومي وللتغيير الحاصل على رأس المجلس الدستوري وعلى رأس بعض الأحزاب الكبيرة ولبعض الإجراءات الحاصلة في المؤسسة العسكرية، حيث قيل أنها تبعد الخصوم وتمهد لعهدة رابعة. وتشير بعض المعلومات إلى أن ترشح بوتفليقة لعهدة جديدة ليس هو الصراع الحقيقي في القمة، وبين مختلف السياسيين، بل إن الصراع هو حول نائب الرئيس، لأن دستور 2008 يعطي الحق لرئيس الجمهورية أن يعين نائبا أو نائبين له، وبالتالي فإنه في حالة تعيين نائب أو إثنين لا تصبح مسألة مرض الرئيس إشكالية مستعصية، لذلك فإن كل طرف يرغب في أن يكون نائب الرئيس من جانبه. وحتى لو كان الأمر هذا أو ذاك، فإن احتواء الأمر من قبل العقلاء أصبح أمرا ضروريا. الحاصل الآن أن هناك ثلاث شخصيات يمكن أن تكون لها بعض مواصفات الرئيس أعلنت ترشحها وسحبت استمارات الترشح، أما 100 شخصية الأخرى فهي ''توابل'' الرئاسيات وليس أكثر، وليست حتى أرانب سباق. لم يبق سوى 16 يوما لانتهاء عملية إيداع الملفات لدى المجلس الدستوري، لكي يفصل فيها في ظرف 10 أيام على الأكثر، وبوتفليقة لم يعلن ترشحه بعد. ورغم كل المؤشرات ومن تصريحات المؤيدين له، فإن ترشحه من عدمه لم يعد مؤكدا. الصراع في القمة لم يعد الإنقسام فقط بين المؤيدين والمعارضين، بل تشهد عشية الانتخابات احتقانات كبيرة تتمثل أساسا في الخروج للعلن ما وصف ب»الصراع بين جناح الرئيس والمخابرات«، صراع لأول مرة يصبح عموميا عبر وسائل الإعلام منذ استقلال الجزائر، وإن كان الصراع في قمة الحكم موجودا لكنه كان دائما يحتضن منذ الاستقلال. إلا أن التحامل على الجنرال توفيق أو الدفاع عنه، والتحامل على الرئيس بوتفليقة وأخيه أو الدفاع عنهما والتحامل على قائد الأركان أو الدفاع عنه، والتحامل على قيادات بعض الأحزاب أو الدفاع عنها، عشية الرئاسيات ولّد حالة من الخوف المشروع على استقرار الجزائر، ولد تخوفات من حدوث ربيع عربي بإخراج جديد، يختلف على الطريقة المصرية والتونسية والليبية والسورية، لأن في مثل هذه الدول قام الشعب بالدعوة للتغيير، لكن في الجزائر ظل الشعب يحمد الله على عودة السلم والاستقرار وانطلاق التنمية ، وعبر للعالم بأن ربيعه بدأ عام 1988 وتواصل عام بميلاد قانون الوئام المدني والمصالحة الوطنية. إذا كان يجب أن ينتقد توفيق على أدائه فليكن وكذلك القايد صالح وبوتفليقة، لكن النقد بدون تجريح بدون شتم وبدون تشويه صورة الرجال الذين منحوا زهرة عمرهم في خدمة الوطن ربما لم يتنعموا أصلا بالجلوس والتحدث مع أبنائهم. وإذا كان يجب أن يذهب بعض الإطارات إلى التقاعد فليذهبوا، إن المناصب لا تدوم لأحد، لكن لا ينبغي أن يحال أحد على التقاعد بطريقة مذلة ومهينة، بل يجب تكريم المحالين على التقاعد وإقامة حفلات لتقاعدهم تليقو بمقامهم. لا نريد تشويه الرجال الذين حكمونا، مهما كانت عيوبهم ونقائصهم، فالمهام لم تكن سهلة، والجزائر عادت من بعيد بفضل مجهودات هؤلاء الرجال. الرئيس القادم: الله يكون معاه في مثل هذه الظروف ستكون رئاسيات 2014 صعبة للغاية، وإذا استمر الاحتقان بهذه الكيفية، فإن الرئيس القادم، حتى لو كان بوتفليقة، سيولد بطريقة قيصرية، سيخرج من عنق الزجاجة، سيولد من رحم الصراع غير المرغوب فيه، لأن الصراع السياسي مطلوب وضروري في الرئاسيات وكل الانتخابات. والمطلوب اليوم التفكير بجدية، في كيفية التهدئة وإشاعة جو من الطمأنينة والثقة قبل انتهاء موعد تقديم الملفات للمجلس الدستوري، وإذا لم يكن ذلك، فإن الظروف المحيطة بالبلد والظروف التي تجري فيها الرئاسيات تحتاج إلى تهدئة وطمأنة. إن الرئيس القادم، في حالة ما إذا ورث، هذا الجو المشحون والمفعم بالاحتقان، سيجعل عهدته بدون تنمية، وكل التخوفات أن تعصف بالتنمية والمكتسبات الأمنية والسياسية.