اعتبر الفنان المسرحي القدير توفيق مزعاش صاحب رائعة »استراحة مجنون« أن الدولة الجزائرية منحت كل الإمكانيات لقطاع الثقافة، إلا أن المنظومة الحالية للحقل الثقافي لا تساير حجم هذه الإمكانيات ولا تنسجم مع طموحات الجمهور المتعطش والذواق للفن الراقي، معتبرا في ذات الوقت أن الدفاع عن الحياة الثقافية والفنان بشكل عام لا يحتاج إلى نقابة على غرار ما يطالب به البعض، بقدر ما يحتاج إلى العمل الجاد والإنتاج المتواصل على مدار السنة لفنانين حقيقيين سلاحهم العمل والإنتاج بدل الركض وراء أهداف شخصية ضيقة، داعيا في ذات الوقت إلى ترك ثقافة المناسبات التي أساءت كثيرا لسمعة الجزائر والفنان الجزائري بصفة خاصة.. ● أولا نريد أن نعرف من هو توفيق مزعاش؟ مجرد فنان مسرحي متواضع من مدينة سطيف وصاحب »استراحة مجنون« التي نالت كما تعلمون جائزة أحس مونودرام في المهرجان الثالث للوان مان شو سنة 2006 بقسنطينة. أمارس النشاط الثقافي منذ عشرين سنة، غيور كثيرا على وطني وأنا فنان يبحث عن مستقبل زاهر لأبناء بلده، كاتب ومخرج مسرحي متحصل على عدة جوائز وطنية ودولية وإطار بمديرية الثقافة بولاية سطيف. ● الجمهور يعرفك من خلال ممارستك لفن الوان مان شو، فهل لك أن تعود بنا إلى البداية؟ إن دخول هذا النوع من الفن إلى الشرق الجزائري بصفة عامة يعود الفضل فيه إلى الفنان القدير العمري كعوان، وهو نوع من أنواع المسرح نشأ في انجلترا، ويعرف على أنه فرجة العرض للرجل أو المرأة الواحة، وأساسه قائم على إسقاط الجدار الرابع الذي هو بين الفنان والجمهور الموجود في بقية الأنواع المسرحية الكلاسيكية كالمنوغرام الذي لديه قواعده الخاصة، والجمهور فيه يبقى مجرد متفرج يستحيل دخوله في العرض. أما في الوان مان شو يصبح الجمهور طرفا في العرض، لا يعترضه ذلك الجدار الكلاسيكي ومن خلاله يمكن للفنان تطوير عرضه، وقد تطور هذا الفن كثيرا على مستوى الإقامات الجامعية. ● كيف؟ إن غالبية الناس يجهلون أن الجامعة تعتبر منبرا حقيقيا للعمل الثقافي، فهي المجال الأمثل لاكتساب الفنان قوة شخصيته من خلال الطبقة التي يحتك بها ومن خلال كثرة العروض، فبالنسبة إلي تمثل الإقامات الجامعية هي من اكتشفت الفنان توفيق مزعاش في ذات يوم من سنة ,1990 حيث قدمت أول عرض مسرحي على ركح جامعي..الجامعة تلعب دورا كبيرا في تنمية المسرح وتطوير قدرات الفنان. ●كيف ترى واقع الثقافة والفنان الجزائري حاليا؟ إن الإجابة على هذا السؤال تستلزم مني أن أكون صريحا وصادقا مع القراء وبدون أي تجريح، حيث أعتبر أن الوضع متناقض بطريقة مثيرة للاشمئزاز، وذلك لعدة اعتبارات أولها أن الدولة لم تقصر في منح كل الدعم المادي للثقافة بطريقة تسد كل الاحتياجات ونعترف بذلك، كما نعترف بوجود قدرات شبانية خارقة، لكن سياسة الثقافة لا تزال بعيدة كل البعد من أن تحقق الأهداف التي ينتظرها الجميع من الحقل الثقافي والفاعلين فيه ما دامت متمسكة بثقافة المناسبات وحصر أهمية التظاهرات الثقافية من خلال حفل الافتتاح والاختتام بسبب إشراف المسؤولين عليها، فسياسة المناسبة لم تعد مجدية في وقتنا الحالي لأنها برأي أساءت كثيرا للفعل الثقافي في الجزائر، فما الذي يمنع مؤسسة ثقافية في أن ترسم مخطط نشاط على مدار السنة، كل شيء متوفر الأموال الفضاءات وحتى الطاقات البشرية. ● وما العمل تجاه هذا الوضع؟ لا بد وقبل كل شيء الاعتراف بأخطائنا ما دامت النوايا صادقة من الجميع ثم الشروع في إعادة النظر في كل المنظومة التي تنتهجها بلادنا في الثقافة وذلك من خلال تنظيم أيام دراسية أو ندوات فكرية مهمتها التفكير في حلول جدية باستشارة أهل الميدان ممن له باع ثقافي يستفاد من خبرته، وخاصة عن من يدافع على مصالحه. ● هل تقصد بذلك النقابة؟ الثقافة لا تحتاج إلى نقابة والفنان سيد مصيره لأن رسالته أسمى من أن تحصر في مطالب نقابية لأنه مرآة مجتمعه، فمن المفروض أن يكون كذلك في وضعه الاجتماعي والمادي، فدوره محصور في الإنتاج ثم تحضير برنامج يتم المصادقة عليه ثم يشرع في الآداء فأين هو دور النقابة إن احترم هذا النسق، لكن السؤال الذي يجب طرحه بل المشكل العويص يكمن في منظومة التوزيع الغائبة تماما في فكر المسؤولين فنادرا ما نسمع عن عرض مسرحي في بلديات نائية فمن يتحمل مسؤولية التوزيع، ولما لا إنشاء وكالة أو ديوان وطني يختص في التوزيع وتنظيم الدورات الفنية بمختلف أنواعها بطريقة مغايرة عما يقوم به ديوان الثقافة والاعلام حاليا، وبالعودة إلى موضوع النقابة فإن كانت لتكون فلابد أن يكون هدفها هو كشف التجاوزات التي تحدث هنا وهناك وأن تكون جرئية في كشف بعض المهازل مثل المهزلة التي وقعت مؤخرا بمناسبة الاحتفال بخمسينية الاستقلال . ● عن أي مهزلة ثقافية تتحدث؟ المهزلة آلمتني كثيرا وبطلها المسرح الجهوي بالعلمة، فهل يعقل أن تصرف الدولة أموال طائلة على عرض فني تاريخي أدرج ضمن برنامج احتفاليات ذكرى خمسينية الاستقلال، ويتم عرضه بدون ديكور فهي حقيقة مهزلة لا توصف.. الديكور في المسرح كالكرة في لعبة كرة القدم أو كالسيف في المبارزة فتصوروا مشهد مسرحية بدون هذا الديكور، والغريب في الأمر أن العرض تواصل في دورته عبر 24 بلدية دون رقيب ولا أحد حاول معرفة سبب هذه الجريمة المسرحية والاستهتار بالجمهور ووقفها، وما دمت أتكلم عن المسرح الجهوي بالعلمة، فاسمح لي بأن أوجه نداء للقائمين عليه، حيث أدعوهم لترك سياسة الإقصاء والتهميش التي تنتهجها أمام فناني الولاية، حيث تقوم بدعوة فنانين من كل ولايات الوطن وبالمقابل تهمش الفنان السطايفي، رغم أن الفعل المسرحي في مدينتنا يضرب بجذوره إلى أعماق الثورة من أمثال حسان بلكيرد الذي يعتبر أب المسرح فليس من حق أي كان أن يقزم مكانة المسرح بسطيف. ● برأيك هل الفنان حاليا يقوم بتمرير الفن إلى الأجيال؟ قبل أن أجيبك عن هذا السؤال، اسمح لي بأن أطرح سؤالا مغايرا:» نبحث من هو الفنان؟«، هل هو ذاك الذي يشتكي طوال اليوم ويطرق الأبواب باحثا عمن يمول عرضه مثل المتسول، أم هو ذاك الفنان الذي يقدر من خلال إنتاجه، وأقول أن الدولة قدمت كل الإمكانيات ليصبح الفنان مرفوع الهامة والرأس، فالفنان اليوم مطالب بتغيير ذهنيته قبل التفكير في أي أمر آخر، إلا أننا نمتعض عن عدم بلوغ هذا الهدف والسبب راجع في بعض الأحيان إلى الجهوية الممارسة من قبل أشباه المسؤولين بوزارة الثقافة، حيث تظل ملفات عديدة قدمها فنانون للاستفادة من تمويل لدورات فنية حبيسة أدراج الوزارة ولا ندري مصيرها، وليس من شرفنا أن نأتي كل يوم إلى عاصمة لنتوسل لهم من أجل تمويل عرض، وهو ما نأسف له كثيرا. أعود إلى سؤالك عن تواصل الأجيال لأحيي كل المجهودات المبذولة على مستوى دار الثقافة بسطيف، حيث تمكن مديرها المنصب مؤخرا من إعطاء نفس جديد وتقديم دفع قوي للنشاط الثقافي بهذا المسرح الخارق في الجمال، فهناك جو وفضاء وآليات تتيح للمبدع في سطيف الإحساس براحة تامة ودفعه إلى الإبداع والتأطير، حيث نقوم حاليا بالإشراف على مجموعة من الشباب الهاوي المنخرط ضمن ورشة المسرح التابع لدار الثقافة ويقدر عددهم بحوالي 20 شابا من الجنسين ومن كل الأعمار، وورشة ثانية لتعليم الكتابة المسرحية وهي مبادرة لصقل المواهب الموجودة والتي لا تبحث سوى عن الإطار الذي يقودها إلى تفجير طاقاتها، فهم متعطشون للإبداع وللإنتاج الثقافي، وفي المقابل وبوضع مغاير تماما فإن مديرية الثقافة متواجدة في وضع مزر للغاية، تصورا أننا كفنانين لم نلتق مع مسؤول هذه الجهة منذ تنصيبه أي منذ خمسة سنوات فلم يبادر يوما بطلب خدماتنا وطلب استشارة فنية خدمة للثقافة المحلية وليس له أي اطلاع عما يتم على مستوى دار الثقافة من ديناميكية في الإنتاج . ● ما هو جديد توفيق مزعاش ومتى سنشاهد عرضك المقبل؟ ¯ نحن بصدد إنهاء تحضير مونوغرام سيكون بمثابة نقلة نوعية في تاريخ المسرح بالولاية، حيث ستعتلى المرأة السطايفية ولأول مرة منذ 20 سنة ركح المسرح في عرض فني محترف، وهي فنانة أنهت دراستها وكانت تمارس الشعر والعمل سيتم عرضة بين 15 و 20 فيفري الجاري، وهذا العمل المسرحي يتكلم عن وضع المرأة الجزائرية بصفة خاصة والعربية بصفة عامة، ليس من منظور حقوقي بل مجرد نظرة محافظة ومدافعة على أنوثتها، فهي الأم والأخت والبنت، بهدف تغيير نظرة المجتمع نحوها خاصة ونحن في بلد مسلم، النص الأصلي للكاتب مراد عمرون وإعادة الكتابة والإخراج لتوفيق مزعاش. ● هل أنت متفائل لمستقبل الثقافة في الجزائر؟ ¯ تفاؤلي كبير جدا لأن النية والمواهب موجودة، الإمكانيات كذلك تبقى فقط قضية تنسيق العمل وتركيز الجهود بين الجميع هي الأمر الذي لا بد من تحقيقه على كل الأصعدة وأتمنى أن تسفر الانتخابات الرئاسية المقبلة على رئيس يضمن الاستمرارية ويعطى المزيد من الأهمية للثقافة والفنانين.