يحدث أحيانا أن ينجذب احدنا الى لوحة ما ويشعر بمتعة النظر اليها والتمعن في تفاصيلها مرة بعد اخرى دون ان يعرف على وجه التحديد ما الذي يشده اليها او يعجبه فيها هذا الكلام ينطبق الى حد كبير على هذه اللوحة اين يصور بوتيرو مشهدا في مقهى ليلي تحتشد اجواءه بالموسيقى والرقص وفيها تواجد مجموعة من الموسيقين ضخام الحجم بالاضافة الى راقصين اصغر قليلا يبدوا وكانهم يحتفلون بمناسبة ما إضافة الى بعض ثمار الفاكهة التي تناثرت على الارض. المشهد في ظاهره يوحي بالطريقة الخاصة التي يحتفي الرسام بها بالحياة لكن خلف روح الهزل والسخرية التي تطبع اللوحة ثمة فكرة اراد ايصالها بنزعة تفاؤلية نوعا ما فمشهد الموسيقى والرقص لايعبرعن البهجة والسرور بالضرورة ففي هذه اللوحة اعتمد بوتيرو اسلوب تشويه الواقع بغرض تجميله وهي ترجمة خاصة للوضع الاجتماعي الكولومبي ابان الحرب الاهلية اين انتشرت ظاهرة اجتماع الناس في المقاهي لتبادل اطراف الحديث كنوع من الترفيه عن النفس وتناسي مشاكل حياتهم اليومية. وفي ما يخص الالوان المستعملة فتتراوح في اغلبها بين الاحمر الاصفر والازرق وهي نفس الالوان التي تشكل العلم الكولومبي. تتميز اللوحة بالمبالغة في اعضاء الجسم على حساب اعضاء اخرى وكانما الرسام يلعب بالاشكال الى درجة يتحول معها الموضوع الى كاريكاتور وهذا ليس غريبا عن بوتير الذي تبنى رسم صورة الانسان في وضعيات مختلفة وبشكل ضخم حتى أصبحت ميزة في معظم لوحاته . وبأسلوب وتقنية مختلفتين، تمثل لوحة الوطن لجومانا الحسيني الاتجاه التعبيري الشاعري في الفن المعاصر حيث تبرز تمسك الفنانة بوطنها من خلال تركيزها على تصوير العمارة باسلوب يكشف عن عشقها للمنزل والحي والقرية ويكسبها طابعا قدسيا بدا مع تصويرها مسجد القدس والتي اختارت له مكان المقدمة في ايحاء للاهمية الكبيرة التي يكتسيها وامتدت لتشمل مختلف المباني والاحياء والازقة الشعبية كما انها لم تقف عند هذه الحدود بل عملت على ربطه بمختلف الموضوعات الفلسطينية فحين ارادت التعبير عن النكبة والحنين الى الوطن وحتمية العودة اختارت تطبيق التضاد بين البني والاصفر فوظفت الاول في المقدمة للتعبير عن العزلة والاغتراب ووظف الثاني في الخلفية للتعبير عن الاضاءة والاشراق او كطريقة للايحاء بانقشاع الحزن في الخلف وكتاكيد على ان هجرة الفلسطنين لن تدوم فلابد من العودة وبهذا تحولت عناصرها الى رموز تحمل رسائل جعلت المتلقي يعشق الوطن الذي صورته.