آخر الإحصائيات المتعلقة بالعالم العربي تقول إن نسبة الاستفادة من شبكة الإنترنت لا تتعدى 7 في المائة من مجموع سكانه، وإن نسبة ما يطبع من عناوين جديدة فيه هي في المستويات الدنيا بالقياس إلى ما يتم إنجازه في البلدان الأخرى. فلم، يا ترى، نحب أن نكون في آخر القائمة على الدوام؟ الجواب، في اعتقادي، سياسي، ولن يكون إلا سياسيا. ليس هناك أناس مستنيرون حقا يحكمون هذا العالم العربي حتى وإن ظلوا في مناصبهم عقودا طويلة من الزمن. وما دام نفس الناس يحكمون هذا العالم العربي، ويصرون على البقاء في كراسيهم، وجب علينا أن نكبر أربعا على وفاتنا ووفاة الأرض التي نتحرك في مساحتها. شبكة الإنترنت صارت مخيفة في أعين أولئك الحكام جميعا، ولست في حاجة إلى التركيز على أهميتها وضرورتها في زمننا هذا. في العالم المتقدم يتلقون معلومات طازجة عن السماوات وما يدور فيها من أفلاك بفضل مسبار (هابل) الذي يرتحل خارج المجموعة الشمسية منذ حوالي عشرين عاما. وشبكة الإنترنت في عالمنا العربي مقطرة تقطيرا حتى لا يعمل مستخدموها على زعزعة الوضع الاجتماعي السياسي بفعل ما يتلقونه من معلومات، وبفعل اتصالاتهم مع العالم الخارجي، أي العالم المتحضر. ألا يكفينا أن أرباب الإنترنت يراقبون خلجاتنا في كل لحظة؟ ألا يكفينا أن الأمريكيين يدخلون بيوتنا جهارا عيانا لكي يكمموا أفواهنا، ويحسبوا حساب الأوكسجين الذي نتنفسه في الساحة العربية كلها؟ أليس من حقنا أن نرفع أصواتنا حتى تكون شبكة الإنترنت تحت تصرف جميع سكان العالم العربي، وليس لصالح مجموعة من أهل السياسة والحكم ومن يدور في فلكهم؟ ينبغي أن تكون هذه الشبكة مجانية، أجل، مجانية، حتى يقوى الطالب والباحث والإنسان العادي في هذا العالم العربي على التواصل مع زمنه. أما أن يذهب الظن بأهل الحكم إلى أن استخدام الإنترنت قد يدحرجهم من العلياء التي يتربعون عليها دون حق، فذلك هو الشر عينه. الأطباق المقعرة ممنوعة في بعض بلدان العالم العربي، أو هي مقننة، والكتب، سواء أكانت باللغة العربية أم باللغات العالمية الأخرى، لا تكاد تعبر الحدود، أما الصحف، فحدث ولا حرج. وتبقى العولمة الفاضحة المفضوحة هي التي تصول وتجول في ديارنا بلا رقيب، لكن بشرط ألا تقلق أهل الحكم. فأين هذا التواصل الذي يتحدث عنه السياسيون مشرقا ومغربا؟ كيف يعجز المواطن العربي عن التواصل مع أخيه عبر الإنترنت، ولا يقوى على إرسال برقية تهنئة عن طريق البريد الإلكتروني؟ وكيف ألف كيف. وأين نحن من ساعي البريد في العهد العربي الزاهر، ذلك الذي كان يمتطي حصانه في بغداد وينطلق على متنه صوب الجناح الغربي من العالم العربي دون أن يعترض سبيله معترض؟