تتعدّد حالات الانتحار في المجتمع الجزائري بتعدّد طرقه ووسائله، التي جميعها في متناول اليائسين، على غرار تسلّق أعمدة كهربائية، خيوط الهاتف، تناول السمّ ومواد مميتة كمبيد الحشرات وسمّ الفئران وغيرها كثير، »صوت الأحرار« عدّدت طرق الانتحار بغوصها في قصص »إزهاق الأرواح« يندى لها الجبين. عديدة هي حالات الانتحار في الجزائر التي تداولتها الصحف الجزائرية، منها إقدام شابين على الانتحار بتسلق إحدى الأعمدة الكهربائية ومحاولة رمي نفسهما من ذات العلو، لكن الغريب يكمن في سبب تهديدهما بالانتحار، والمتمثّل في طلبهما منصب عمل، لكن فعلتهما لم تنجح بسبب تدخل رجال الأمن. شاب من ولاية سوق أهراس حاول الانتحار لسبب غريب أيضا، تمثل في تعرض شقيقته لتحرش ومضايقات ومعاكسات أمامه، من طرف مجموعة من الشبان، ولما حاول صدهم لم يتمكن من رد أذاهم فبدأ بالصراخ طلبا للنجدة من المارة الذين اكتفوا بالتفرج عوض التدخّل، قبل أن يقوم الشاب في لحظة غضب بصعود عمود كهربائي مهددا بإلقاء نفسه، قبل أن تتحرك ضمائر المارة الذين تدخلوا بمعية دركي ومنعوا وقوع كارثة. كما شهدت أيضا في الآونة الأخيرة إحدى الولايات الداخلية للوطن أسوأ حالات الانتحار، راحت ضحيتها فتاة تبلغ من العمر 18 سنة، رمت بنفسها من الطابق الرابع من شرفة منزلها وتوفيت في الحين، والسبب في ذلك يعود إلى اتهامها من طرف أخيها بأنها كانت تتحدث مع شخص غريب عبر هاتفها النقال، أين تأثرت بالقرار ووضعت حدا لحياتها. قصة فريدة من نوعها كانت بطلتها فتاة تبلغ من العمر 19 سنة أرادت أن تلفت نظر حبيبها إليها بعد أن قتلها الشوق وجنون الحب من خلال البقاء داخل البئر والاعتصام به حتى الموت ما لم تحضره لها السلطات المحلية بما فيها المدنية والعسكرية، وهو ما كان لها فعلا حيث قام إخراجها من البئر وإنقاذها من الموت وأخذها بين أحضانه وهو المشهد الذي يعيد للأذهان حكايات الحب والغرام في زمان قيس وليلى. ومن خلال كل ما سبق تبين لنا أن الوسائل التي يلجأ إليها المنتحر عديدة ومتعدّدة، فهناك من يميل إلى استعمال وسائل عنيفة خاصة إذا تعلّق الأمر بالذّكور وآخرون يستخدمون وسائل »لطيفة« بالنّسبة للفتيات، بينما تعدّ الأكثر استعمالا في عملية الانتحار، الحرق، القفز من الأماكن العالية، إلى جانب استعمال الأسلحة البيضاء وتناول المواد السامة كالأدوية ومواد التنظيف. يحي دوري مدير الشؤون الدينية والأوقاف بولاية المدية يؤكد: النفس البشرية ملك لله لا يجوز الاعتداء عليها أكد مدير الشؤون الدينية والأوقاف بولاية المدية، يحي دوري ل »صوت الأحرار« أن الشخص الذي اعتدى على نفسه كاعتدائه على نفس غيره، مشيرا إلى أنّه » لا أحد يعلم هل الشخص الذي أقدم على الانتحار كان يملك عقله وقت تنفيذه لفعلته أم لا، وبذلك نجهل هل سيحاسب عليها أم لا« مؤكدا أن انتحار الطفل يعود إلى مسؤولية الأسرة والمجتمع معا. وقال مدير الشؤون الدينية والأوقاف بولاية المدية، يحي دوري، أن النفس البشرية هي ملك لله سبحانه وتعالى، كذلك جسد الإنسان وروحه هبة من الله، ولكن ليس للإنسان أن يتصرف فيها، لذلك قال الله تعالى » قتل النفس البشرية واحدة مساويا لقتل النفوس جميعا« وقال الله تعالى،»من قتلها وكأنما قتل الناس جميعا واعتداء الإنسان على نفسه كاعتدائه على نفس غيره، وهو لا يملك لا نفس ولا نفس غيره ولذلك النفسيين ملكا الله تعالى«. وأضاف دوري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال » إنما من قتل نفسه فيعذب يوم القيامة بالأداة التي قتل به نفسه ويتكرر عليه ذلك العذاب«، مشيرا في ذات السياق الى أنه جاء ذلك في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا في غزوة قتل نفسه بعد أن جرح فذكر النبي أنه في النار لأنه اعتدى على نفسه وأزهتها دون حق ولذلك وإخلاف بين جميع علماء المسامين على حرمة الانتحارواعتباره اعتداء على كلية من كليات الدين الذي جاءت الشريعة لخفضها. وأكد مدير الشؤون الدينية بولاية المدية، أنه لا يمكن أن تعلم لحظة إقدامه الشخص على هذه الفعلة وهل كان يملك عقله الذي هو مناط الحساب والعقاب، وفي سؤالنا عن ما حكم انتحار الطفل قال أن مثل هذه الأفعال وبالنسبة للطفل فتعود إلى نقص وسوء التربية، و إقدامه على مثل هذا العمل والتصرف المحرم أو المضر بالصحة، مرجعا السبب في جعل الطفل يقوم بذلك إلى تحمل المسؤولية هذا التصرف هم الوالدين، والمجتمع ككل مما يجعله متوازنا، حيث لديها عدة أسباب خاصة عدم التوازن في تأديب الطفل وتخويفه من طرف الوالدين ووصل به الأمر إلى التفكير في الانتحار. المختص في علم النفس سليم زرقاوي ل »صوت الأحرار« »كلما كان التشخيص مبكرا كان الحد من إقدام المكتئب على الانتحار كبيرا« أكد المختص في علم النفس سليم زرقاوي، أن ظاهرة الانتحار استفحلت بشكل رهيب، مرجعا ذلك إلى تركيبة النفس الاجتماعية للجزائريين، مشددا على أهمية التحاور ومرافقة الطفل أو أي شخص يصاب بحالة اكتئاب لتجنب أي مضاعفات قد تؤدي إلى تطور الحالة النفسية، قائلا إنه »كلما كان التشخيص مبكرا كان الحد من إقدام الشخص المصاب بالاكتئاب على التفكير في الانتحار كبيرا«. قال سليم زرقاوي، أن الدوافع النفسية التي تجعل الشخص يفكر في الانتحار كثيرة كإحساسه بالظلم من طرف هيئة نظامية أو مؤسسة فتجده نتيجة للكآبة والإحباط يرشّ جسمه بكمية من البنزين، مضيفا أنّ الشخص المقدم على الانتحار يبدي تعنّتا يخفي شخصية هشة لا يمكنها أن تقاوم، مضيفا أنّ»الحقرة حسب اعتقادي هي السبب الرئيسي«. وفي ذات السياق، قال زرقاوي إن ظاهرة الانتحار أصبحت مستفحلة بشكل خطير، مشيرا إلى تركيبة النفس الاجتماعية للجزائري، حيث أصبح سريع الغضب ومتغير المزاج، موضحا أنه نتيجة المتغيرات التي طرأت على التركيبة الاجتماعية بالبلاد ومست بدرجة أكبر سلوكات ومزاج الجزائريين أصبح المواطن يعيش قلقا دائما ومستمرا، ناهيك عن تفشي ظاهرتي البيروقراطية والبطالة، بالإضافة إلى المشاكل الاجتماعية الأخرى كالطلاق والفقر عوامل تساعد في تفشي الظاهرة لا محالة. وأضاف ذات المتحدث، أن الطفل غير مسؤول عن فعلته، التي يتحمّلها نيابة عنه كلاّ من المدرسة والأسرة » وكم من طفل عانى من قهر والديه واحتقاره دون أن يشعرا بذلك«، مضيفا بقوله »كيف لأستاذ لا يجبد فن التواصل ولا دراية له بالبيداغوجيا وعلم النفس لأن يكون أسأن يتفهّم نفسية التلاميذ ويتعامل مع مشاكلهم«، مثل هؤلاء الأساتذة حسب زرقاوي »يحتاجون إلى رسكلة نفسية بيداغوجية وليس إيصال الدرس وفقط فهناك فروق فردية وهو في حد ذاته علم«.وبخصوص الحلول، شدّد زرقاوي على تظافر جهود كل القطاعات التي لها علاقة بالتلميذ »عليها أن تلتف وتدرس نفسية التلميذ« مضيفا أنه في حالة تعذر على الأستاذ معرفة نفسية الطفل هناك المختص النفسي في المؤسسة التعليمية »وكمختص في المجال النفسي أعتقد أن الحوار ومرافقة الطفل أو أي شخص يصاب بحالة اكتئاب باحتوائه فيالبداية من شأنه قطع أي مضاعفات لتطور الحالة« لأنه كلما كان التشخيص مبكرا أدى ذلك إلي العلاج الأوفر، يقول محدّثنا. شبكة »ندى« تسجّل عشرات محاولات انتحار للقصّر ¯ أكّد عبد الرحمان عرعار، رئيس شبكة ندى ل»صوت الأحرار« تسجيل عشرات المكالمات عبر الخطّ الأخضر »أسمعك« لأطفال في وضعية حرجة، من ضمنهم 35 ألف طفل نجوا بأعجوبة من الانتحار. عرعار كشف أنّ أسباب اقدام صغار السنّ على وضع حدّ لحياتهم تختلف من حالة لأخرى، تتصدّرها المشاكل الاجتماعية على غرار الطّلاق والحاجة، تليها أسباب تربوية متعلّقة بخوف التّلميذ من ردّة فعل والديه القاسية نتيجة فشله في الدّراسة أو حصوله على نقاط متدنية خلال الموسم الدّراسي، بدليل ارتفاع حالات الانتحار في أوساط المتمدرسين عقب منحهم النّقاط الفصلية أو النّهائية. »أضحى التّلميذ، اليوم، يقبل الموت على العقاب في أبشع صوره الذي يطاله على أيدي أولياء لا يقبلون بغير حصده لنتائج مرضية« وبذلك، يضيف عرعار، عوض تكثيف اهتمامهم به أو دعمه بدروس إضافية يعاملونه بسياسة »النّجاح أو الفلقة«. وفي هذا الصدد أكّد محدّثنا أنّ مسؤولية إقدام الصّغار على وضع حدّ لحياتهم سواء شنقا أو بتناول مواد خطيرة أو رميا من فوق جسر أو أمام مركبة أو حتى تقليدا ل»بوعزيزي تونس« بإضرام النّار في أجسادهم، مسؤولية هؤلاء جميعا تقع على عاتق »منظومة اجتماعية لم تنجح في انتشال الأطفال من عالمهم الافتراضي وهم يتصفّحون مواقع الانترنت دون رقابة، ساعدهم في ذلك غياب تامّ لميكانيزمات المرافقة«. الوضع جدّ خطير، يقول عرعار، موجّها أصابع الاتّهام أيضا إلى المدرسة بتقصيرها في التكفّل بانشغالات التّلميذ واهتماماته، مضيفا أنّ شبكته عاينت عشرات حالات الانتحارلأطفال استغلّتهم أسرهم كوسيلة ضغط أثناء رفعها انشغالاتها للسلطات، على غرار إقدام ربّ أسرة على إضرام النّار في أجساد أطفاله وهو يعتصم بالشّارع، ودعا عرعار إلى ضرورة تحمّل المجتمع ومؤسسات الدولية بالدرجة الأولى المسؤولية الجزائية والقانونية.