"رواد الأعمال الشباب, رهان الجزائر المنتصرة" محور يوم دراسي بالعاصمة    القرض الشعبي الجزائري يفتتح وكالة جديدة له بوادي تليلات (وهران)    مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: بوليفيا تدعو إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية        ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 44211 والإصابات إلى 104567 منذ بدء العدوان    الجزائر العاصمة: دخول نفقين حيز الخدمة ببئر مراد رايس    فترة التسجيلات لامتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق يوم الثلاثاء المقبل    العدوان الصهيوني على غزة: فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    الكاياك/الكانوي والباركانوي - البطولة العربية: الجزائر تحصد 23 ميدالية منها 9 ذهبيات    أشغال عمومية: إمضاء خمس مذكرات تفاهم في مجال التكوين والبناء    الألعاب الإفريقية العسكرية: الجزائرتتوج بالذهبية على حساب الكاميرون 1-0    "كوب 29": التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغير المناخ    مولودية وهران تسقط في فخ التعادل    مولوجي ترافق الفرق المختصة    الغديوي: الجزائر ما تزال معقلا للثوار    قرعة استثنائية للحج    الجزائر تحتضن الدورة الأولى ليوم الريف : جمهورية الريف تحوز الشرعية والمشروعية لاستعادة ما سلب منها    تلمسان: تتويج فنانين من الجزائر وباكستان في المسابقة الدولية للمنمنمات وفن الزخرفة    المخزن يمعن في "تجريم" مناهضي التطبيع    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي عائلة الفقيد    الجزائر محطة مهمة في كفاح ياسر عرفات من أجل فلسطين    الجزائر مستهدفة نتيجة مواقفها الثابتة    التعبئة الوطنية لمواجهة أبواق التاريخ الأليم لفرنسا    حجز 4 كلغ من الكيف المعالج بزرالدة    45 مليار لتجسيد 35 مشروعا تنمويا خلال 2025    47 قتيلا و246 جريح خلال أسبوع    دورة للتأهيل الجامعي بداية من 3 ديسمبر المقبل    مخطط التسيير المندمج للمناطق الساحلية بسكيكدة    دخول وحدة إنتاج الأنابيب ببطيوة حيز الخدمة قبل نهاية 2024    السباعي الجزائري في المنعرج الأخير من التدريبات    سيدات الجزائر ضمن مجموعة صعبة رفقة تونس    البطولة العربية للكانوي كاياك والباراكانوي: ابراهيم قندوز يمنح الجزائر الميدالية الذهبية التاسعة    4 أفلام جزائرية في الدورة 35    "السريالي المعتوه".. محاولة لتقفي العالم من منظور خرق    ملتقى "سردية الشعر الجزائري المعاصر من الحس الجمالي إلى الحس الصوفي"    الشروع في أشغال الحفر ومخطط مروري لتحويل السير    نيوكاستل الإنجليزي يصر على ضم إبراهيم مازة    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    مشاريع تنموية لفائدة دائرتي الشهبونية وعين بوسيف    الخضر مُطالبون بالفوز على تونس    السلطات تتحرّك لزيادة الصّادرات    اللواء فضيل قائداً للناحية الثالثة    المحكمة الدستورية تقول كلمتها..    دعوى قضائية ضد كمال داود    تيسمسيلت..اختتام فعاليات الطبعة الثالثة للمنتدى الوطني للريشة الذهبي    الأمين العام لوزارة الفلاحة : التمور الجزائرية تصدر نحو أزيد من 90 بلدا عبر القارات    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    مجلس حقوق الإنسان يُثمّن التزام الجزائر    وزيرة التضامن ترافق الفرق المختصة في البحث والتكفل بالأشخاص دون مأوى    النعامة: ملتقى حول "دور المؤسسات ذات الاختصاص في النهوض باللغة العربية"    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معاقون يرفعون تحدّي حفظ القرآن خلال شهر رمضان
رغم عناء الصيام وصعوبة صلاة التراويح في المساجد
نشر في صوت الأحرار يوم 07 - 07 - 2014

بعيدا عن المناسباتية ويومي ال14 مارس و 3 ديسمبر، حيث دأبنا على تلبية دعوات لتغطية احتفالات تنظّم هنا وهناك احتفاء باليومين الوطني والعالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، حيث نشارك هؤلاء فرحتهم عن قرب لنطلق العنان لأقلامنا لتكتب وتكتب عن فرحتهم بيوم يغنون فيه طويلا ويرقصون على وقع مختلف الأغاني والإيقاعات رغم تأكيد هؤلاء بل قناعتهم التامة بأن اليوم جعله الكثير مناسبة للتصفيق والتطبيل بدل الحديث عن حقيقة ما يعايشه ويكابده هؤلاء الأشخاص بمجتمع لا يعترف حقيقة سوى بالأسوياء، إلا من رحم ربي،.. ارتأينا في ملف اليوم من ملحق »روضة الصّائم« أن نتطرّق لموضوع معاناة ذوي الاحتياجات الخاصّة خلال الشّهر الفضيل، كيف تمنعهم السّلالم من النّزول لتأدية صلاة التراويح بالمسجد، وكيف حوّلوا الابتلاء إلى نعمة يرجون من ورائها دخول الجنّة أيّ الأبواب شاءوا، كما جلسنا إلى أصحّاء نذروا أوقات فراغهم لخدمة هذه الشريحة لا لشيء سوى لتحصيل الحسنات وكسب رضى الله عزّ وجلّ...تابعوا
الشيخ برحالي نعيم، إمام مسجد زين العابدين بوهران ل»روضة الصّائم: الاعاقة ابتلاء وليست حاجزا
اعتبر الشّيخ نعيم برحالي، إمام مسجد زين العابدين بوهران، أنّ الاعاقة ليست »النهاية كما يظنّ البعض بل تعدّ البداية«، لكون مفهوم المعاق يخصّ الشخص الجاهل الذي يرفض التعلّم أو تحقيق هدفه في الحياة، بينما الذي أصيب بإعاقة ذهنية أو على مستوى أعضائه »فقد ابتلاه الله في ذلك ومنحه بالمقابل محاسن أخرى منها امتلاكه فكرا مستنيرا وإرادة تقهر الصّعاب«.
الشيخ برحالي استدلّ بكون العديد من أعلام المسلمين من تركوا بصماتهم خالدة عبر التّاريخ، كانوا يشكون من إعاقة حركية أو بصرية وغيرها، ومنهم أبو العلاء المعرّي، وهو من كبار الشّعراء وبشّار بن برد، ومن الصحابة كان »الأحنف بن قيس« الذي كان أعرجا وذميم الخلقة ولكنّه كان سيّد قومه في العلم..
في ذات السياق لخّص الامام نعيم مفهوم الاعاقة في »الجهل والبخل عن العلم« ليستدلّ بقوله تعالى »..والسّماء رفعها ووضع الميزان« في تبيان قسمة الله تعالى العادلة وأنّه ما نزع من عبد شيئا إلاّ عوّضه بأشياء أخرى، ليؤكّد الشيخ أنّ الاعاقة بمفهومها العام هي »وسيلة من وسائل الايضاح لكلّ النّاس« التي وضعها الله تعالى ليبصّر النّاس، مشيرا إلى أنّ الصحابة رضي الله عنهم شاهدوا شخصا مجنونا، فقالوا مسكين مجنون، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لا تقولوا مجنون، فهذا شخص مبتلى..
الاعاقة ليست أبدا حاجزا يحول دون حفظ كتاب الله كاملا أو بعض أجزائه، يضيف الامام نعيم برحالي، مؤكّدا أنّ العشرات من ذوي الاحتياجات الخاصة حفظوا كتاب الله وتدبّروا في آياته بفضل من الله عزّ وجلّ، مصداقا لقوله تعالى »كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته« وقوله: »أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها«، كما أنّ الله تعالى قد وصف في كتابه أمماً سابقة بأنهم »أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني« ويقصد بها أمية عقل وفهم، وأمية تدبر وعمل، لا أمية قراءة وكتابة، و»الأماني« هي التلاوة كما قال المفسرون، بمعنى أنهم يرددون كتابهم من غير فقه ولا عمل.
خلال حديثه نصح الشيخ القرّاء باغتنام أيّام رمضان في فعل الخير والإكثار من الدّعاء وتلاوة القران الكريم وتدبّر معانيه والتمعّن فيها، فعن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيركم من تعلم القرأن وعلمه، وعن أبي أمامة رضي اللَّه عنه قال سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: »اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه« رواه مسلم، فعليهم، يضيف الشّيخ، أن يتمسكوا بكتاب الله والاقتداء به، والتدبر في آياته البينات، والتأمل في كلماته.
معاقون يصومون رغم رخصة الافطار وقلوبهم مشدودة إلى المساجد
ونحن في شهر رمضان الفضيل، ارتأينا التقرّب من فئة ذوي الاحتياجات الخاصّة، فوقفنا على معوقات جمّة تحدّثوا عنها حالت لدى البعض منهم دون الذّهاب إلى المسجد وآداء صلاة التّراويح، غير أنّ إصرارهم على رفع التحدّي، جعلهم يثبتون أنّ الاعاقة ليست أبدا حاجزا في تحقيق المعجزات، فاكتشفنا أنّهم يحفظون أجزاء من القرآن الكريم ما بين ربعه ونصفه ويأملون في حفظه كاملا..
جلوسنا إلى بعض ذوي الاحتياجات الخاصّة، جعلنا نخجل من أنفسنا حقّا، وقد وجدنا فيهم الإرادة التي تعدّ سلاحهم الوحيد في قهر الصّعاب، وهم يحملون كتاب الله بين أيديهم على كراسي متحرّكة، أو يحفظون أجزاء منه بالاستماع إلى أصوات المقرئين عبر التّلفاز، فأثبتوا أن الاعاقة لم تكن يوما حاجزا يحول دون تحقيق المعجزات، وهي لم تزدهم إلاّ إصرارا على رفع التحدّي، وأيّ تحدّي أكبر من أن تحفظ كتاب الله في صدرك؟
هم مصابون بمختلف الاعاقات الجسدية والذّهنية، جعلوا للقرآن الكريم مكانة في قلوبهم، ليس إلاّ لشكر الله تعالى على ما أعطى وحمده على الابتلاء بقلب ذاكر ورضا ينمّ عن ايمان بأنّ الله لا يبتلي عبده إلاّ ليمتحنه، هو القائل » ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور«، وجدناهم راضين حامدين الله تعالى على سلامتهم من الإصابة بعاهة النفس على النحو الذي ذكره تعالى في قوله ».. فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور«، فانكبّوا على حفظ آيات من كتاب الله، هو الذي يحفظه في عقول أضعف خلقه من ذوو الاعاقة الذهنية، وهو القائل » إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون«.
خلال تجاذبنا الحديث مع ذوي الاحتياجات الخاصّة، وجدنا أنّ العديد منهم لا يقوى على القيام بشؤونه الخاصّة داخل البيت أو خارجه دون مساعدة أو مرشد، سواء كان الوالدين أو الاخوة أو الجيران أو حتّى المحسنين، وبالمقابل لاحظنا إصرارهم على الصّوم رغم رخصة الإفطار، وامتلاكهم عقلا مستنيرا وفكرا راشدا فاق في حالات عديدة سنّهم بكثير، جعلهم يفكّرون في نيل الآخرة عوضا عن دنيا فانية تزول، كيف لا والعديد منهم اختار حفظ القرآن الكريم ولو عن طريق السّمع، ومنهم من تمنّى لو ترفع عنه الاعاقة يوما لينزل ويصلّي في المسجد..
وهنا نتساءل عن من المعاق؟ هل هم أشخاص نطلق عليهم تجاوزا الأسوياء، بل مجتمع عجز عن استيعابهم وعن تقبّلهم والاستفادة منهم، فأطلق عليهم تسمية معاقين، في وقت حثّنا الاسلام فيه على اختيار الأسماء الجميلة لمناداة العبد بأحبّ الأسماء اليه، بل برعاية ونصرة الضّعيف؟ أم هم فئة ذوو الاحتياجات الخاصة الذين يتكيّفون مع المجتمع رغم عاهاتهم وبفضل ارادتهم الفولاذية جعلوا المجتمع يسير نحو منحهم حقوقهم كاملة؟ الجواب لكم إخوتي القرّاء.
إنّ المتمعّن في تفسير الآيات القرآنية، ليجد أمثلة ايجابية عديدة عن رعاية والاهتمام بعباد الله الضّعفاء، ومن ذلك عتاب الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في قصّة عبد الله بن أم مكتوم، ذلك الأعمى الذي حضر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجلس معه كما تعوّد فأعرض عنه الرسول لعدم فراغه وانشغاله بدعوة كفّار مكّة وسادتها ومحاولة جذبهم إلى توحيد الله، وأدار وجهه عنه والتفت إليهم، وبالطّبع لم ير ابن أم مكتوم ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه أعمى، فجاء عتاب الله لنبيه:»عبس وتولى، أن جاءه الأعمى ....« الآيات.
أصحّاء في خدمة ذوي الاحتياجات الخاصّة
عملا بقوله صلى الله عليه وسلّم » مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى«، وقوله »من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة«، نذر شباب أصحّاء حياتهم في خدمة ذوي الاحتياجات الخاصّة، لا لشيء سوى لنيل رضا الله عزّ وجلّ والفوز بجنّة عرضها السّموات والأرض، في مجتمع عجز عن استيعابهم وعجز عن تقبّلهم وعجز عن الاستفادة منهم، مما ضاعف هوة عدم التعرف على مميزات أو مواهب أو صفات أو قدرات لديهم يمكن تنميتها وتدريبها.
لعماري أحمد رياض : رضا الله ثمّ رضا الله«
حركة سريعة قام بها الشّاب لعماري أحمد رياض، 36 سنة، جمع من خلالها قدمي معاق حركيا برجليه وعدّل بها جلوسه ماسكا كتفيه بيديه، بعد أن كاد يسقط من على كرسيه، كانت وراء كتابتنا في موضوع أصحّاء في خدمة المعاقين، ويعدّ أحمد رياض واحدا من بين آلاف الأصحّاء ممّن نذروا حياتهم لخدمة فئة لا حول لها ولا قوّة، هو الذي يضطلع بعمله الخيري المحض منذ 09 سنوات خلت، وعنه يخبرنا أنّه » لا يمكن وصف إحساسي عند تقديمي يد العون لشخص معاق«.
شعور بالغبطة والسّرور، يختلج صدر الشاب لعماري أحمد رياض، كما أخبرنا، بل راح يفسّر لنا نجاحاته المتتالية في حياته ب»دعاوي الخير التي أنالها كلّما ساعدت معاقا هي من جعلتني أتزوّج وأبني أسرة وأعمل بشركة وغيرها«، ليضيف بأنّ جمعية الأمل للمعاقين حركيا أضحت عائلته الثانية، التي »أخدمها بكلّ ما أوتيت لوجه الله عزّ وجلّ«.
»أريد مرضاة الله ولا شيء غير ذلك« يقول محدّثنا، في وقت »قليل من يحسّ بشخص معاق، عندما لا يستطيع صعود السّلالم والنّزول منها، ركوب وسائل النّقل وغيرها من المعوقات« وبخصوص النّظرة إلى ذوي الاحتياجات الخاصّة، لأناس لا تتجاوز نظراتهم أطراف أنوفهم ردّ أحمد رياض قائلا » من الأصحّاء من هم المعاقون وليس ذوي الاحتياجات الخاصّة«.
أحمد رياض يحضر بصفة يومية إلى جمعية الأمل للمعاقين حركيا لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصّة، ودون كلل أو ملل يقضي حاجياتهم بعد انقضاء مدّة عمله بالشركة، » لأعود إلى البيت بمنطقة الكاليتوس مطمئنّا راجيا مرضاة الله عزّ وجلّ دون سواه«، ليختم حديثه معنا بنصيحة يقدّمها للأصحّاء منّا قائلا » رفقا بذوي الاحتياجات الخاصّة، يجب معاملته ليس كمعاقين بل ذوي إرادة قويّة، فأرجوكم ما تحقروهمش«، لأنّ ما أصابهم ابتلاء لا ينقص البتّة من قدرهم ولا ينال من قيمتهم في المجتمع، فعباد الله جميعاً سواء لا تفاضل بينهم إلا بالتقوى فقد يكون صاحب العاهة أفضل وأكرم عند الله من ألف صحيح معافى، هو القائل:»إن أكرمكم عند الله أتقاكم«.

تواتي توفيق : لا شيء يضاهي لذّة العمل لوجه الله
دأب الشاب »تواتي توفيق«، 31 سنة، على التطوّع في جمعيات ذوي الاحتياجات الخاصّة بباب الزوّار وباب الوادي، ورغم صغر سنّه إلاّ أنّه ترك ملذّات الدّنيا وهرب بذاته نحو العمل الخيري لنيل رضا الله، وكسب حسنات يرجوا من خلالها دخول الجنّة »أيّ الأبواب شاء«، عن عمله التطوّعي يقول أنّه يساعد المعاقين لوجه الله وعندما »أشاهد معاقا لا يقوى على السّير أو الحركة، أشعر وكأنّني في مكانه« فأحمد الله وأعقد العزم على أن أساعده بكلّ ما أوتيت من قوّة وصحّة«.
»صدّقوني لا شيء يضاهي لذّة العمل لوجه الله، ولا شيء يساوي عندي فرحة وابتسامة ألمحهما على محيّا وفاه معاق أعينه على قضاء حاجاته، ويا لها من سعادة ما بعدها سعادة«، يضيف تواتي توفيق، الثلاثيني الذي لمحناه يخدم فئة ذوي الاحتياجات الخاصّة براحة ضمير وهمّة عالية، شعاره في ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم » كان الله في عون العبد، مادام العبد في عون أخيه«.
تواتي توفيق يذهب لأبعد من ذلك خلال حديثه معنا مضيفا بقوله » أفضّل خدمة شخص معاق على خدمة غيره من الأصحّاء قد يشكرون وقد لا يشكرون، لأنّ من أسمّيهم ذوي الاحتياجات الخاصّة والإرادة القوية أشخاص لا حول لهم ولا قوّة« هؤلاء هم من جعلوا الشاب توفيق يحضر من باب الزوّار حيث يقطن إلى باب الوادي لخدمة فئة ذوي الاحتياجات الخاصّة ذاك أنّه » لا يوجد أفضل من خدمة شخص معاق حركيا أو ذهنيا« يقول محدّثنا وحبّ العمل الخيري يسري في عروقه مسرى الدّم.
لياس بشير : ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج
سبع سنوات بأكملها قضاها الشّاب إلياس بشير، 38 سنة، في خدمة ذوي الاحتياجات الخاصّة، وذلك بعد انتهاء مدّة عمله بمكتب استيراد وتصدير، دفعه إلى ذلك سببين لخّصهما في » نيل رضا الله أوّلا وحبّ المعاق ثانيا«، هذا الأخير يقول أنّه مهمّش في بلدنا من حيث الحقوق، وبدورنا علينا أن »نخفّف عنه بدل أن نضاعف من معاناته اليومية«.
إلياس الذي لاحظنا أنّه كان جدّ مطلوب من طرف فئة ذوي الاحتياجات الخاصّة، خلال حفل نظّمته جمعية الأمل للمعاقين بفندق السّفير، هم الذين ربطوا قصّة حبّ بشاب خدمهم بإخلاص، لتكون البسمة التي رسمت على محيّا شاب معاق حركيا، عند مرور إلياس بالقرب منه، وهو ينادي ضاحكا فرحا باسمه، أجمل صورة لمحناها تنمّ عن علاقة وطيدة تجمع الفئة بالشّاب المخلص، وعنهم يقول » دايرهم خاوتي، بل رؤية معاق فرحان والابتسامة على محيّاه، تعدّ الأكسجين الذي أتنفّسه «.
»أنا أناضل لاسترجاع كرامة المعاق« يقول إلياس بشير، فقط يجب، حسبه، أن يكون العمل خالصا لوجه الله دون سواه، هو الذي ذكره الله عزّ وجلّ في القرآن الكريم بقوله » ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم «، وحثّ على نصرة الضعيف وإعانته قدر الاستطاعة، بقوله » ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج«، مضيفا أنّ المعاق شخص عادي بإمكانه بذل المزيد من الجهود كلّما وجد الدّعم والمساندة لتفجير طاقاته الكامنة، هو الذي يستطيع في حالات عديدة القيام بما لا يقوى الأصحّاء القيام به، ولكن للأسف لم تمنح الفرصة لهؤلاء فهمّشوا واستثنيوا في عديد المرّات.
اغتنم إلياس فرصة حديثنا ليوجّه نداءا إلى السّلطات المعنية للتكفّل بفئة ذوي الاحتياجات الخاصّة بعيدا عن المناسبات، وداعيا المحسنين إلى تقديم المزيد من يد العون لهؤلاء من »ابتلاهم الله بالإعاقة ولكن منحهم فكرا مستنيرا قادرا على الاضطلاع بمهام عديدة«، وبشعور قويّ عزّزه إلياس بعبارات حبّ يكنّها لفئة يخدمها لوجه الله ختم حديثه معنا بقوله » أصدقائي المقرّبين وأحبابي هم من فئة المعاقين«.
يحفظون أجزاء من القرآن الكريم ما بين ربعه ونصفه
يأمل ذوو الاحتياجات الخاصّة خلال حديثهم ل»روضة الصّائم«، حفظ كتاب الله كاملا في صدورهم، لكونه »ملاذهم ورفيقهم لتخطّي الصّعاب ونسيان المعاناة«، فانكبّوا على حفظ وترتيل القرآن الكريم، على اعتبار أنّه غذاؤهم الروحي الذي يمدّ أنفسهم بما تحتاجه من سكينة واطمئنان، ولم يمنعهم من ذلك أعضاء اصطناعية أو كراسي متحرّكة وغيرها، بعد أن وضعوا نصب أعينهم مرضاة الله والفوز بالجنّة ولا شيء سواها.
جغالي اسلام سليم: قراءة القرآن تنسي الجلوس على كرسي متحرّك
التقينا به خلال حفل نظّمته جمعية الأمل لذوي الاحتياجات الخاصة بفندق السفير بالعاصمة، كان مبتسما طوال الوقت، وبوجه مشرق وصعوبة في النّطق أخبرنا الشاب الذي كان برفقة والده أنّه منكبّ على حفظ آيات بيّنات من كتاب الله عزّ وجلّ، لتتواصل فرحته عندما نودي على اسمه ضمن قائمة الفائزين المكرّمين ضمن فصول حفظ القرآن الكريم ليكرّم من طرف جمعية الأمل بمبلغ مالي رمزي.
والد سليم أخبرنا أنّه ابنه الوحيد، وهبه الله له وأصيب بالإعاقة على مستوى مخّه وهو لا يزال جنينا بعمر ثلاثة أشهر ببطن والدته، جرّاء اصابتها بكيس أجبر الأطبّاء على اجراء عملية لاستئصاله وسليم لا يزال جنينا ببطنها، و»نحمد الله تعالى على ما رزقنا« يقول الوالد الذي بدى جدّ مهتمّ بابنه وبرعايته، حيث كان سليم يرتدي طقما جديدا وجميلا ويضع ربطة عنق حمراء ويمشط شعره بطريقة شبابية أضفت عليه جمالا ورونقا.
سليم ذو ال17 سنة، المصاب بإعاقة حركية ألزمته الجلوس على كرسي متحرّك، درس، حسب والده، بمسجد »فارس« بالقصبة، ثمّ بمسجد »أبي ذر الغفّاري« بمنطقة ميرامار، إلى جانب دراسته بجمعية الأمل بالكيتاني، بقسم محو الأميّة، وهو اليوم يحفظ أكثر من حزب واحد، كما أنّه يقضي الشّهر الفضيل قارئا للقرآن الكريم وذاكرا، يعتمد في ذلك على حاسّة السّمع، حيث يرتّل والده آيات من القرآن الكريم ليعيدها بدوره حتّى يحفظها، كما أنّه محظوظ كون والده يحرص على مرافقته إلى المسجد لآداء صلاة التراويح.
إلى جانب ذلك دأب سليم على صيام شهر رمضان منذ أن كان عمره 7 سنوات، ويرفض »رخصة الإفطار« لأنّه كما قال » نحب نصوم لاخاطر نحب ربّي«، وقد ختم حديثه معنا بنصيحة للقرّاء قائلا » اللّي ما يصلّيش عليه أن يصلّي، ونتمنّى من النّاس اللي يقراو كلامي أن يتوجّهوا إلى المساجد« هي كلمات معبّرة جاءت على لسان شاب لا حول له ولا قوّة، فكانت بحقّ صادقة صدق نواياه وبراءته.. فشكرا سليم، شفاك الله وبارك في من ربّياك.
جبوري شهيناز: أمنيتي حفظ كتاب الله كاملا
عندما لمحناها وهي جالسة على كرسيها المتحرّك، لاحظنا ابتسامتها التي لم تتوقّف، وفرحة عارمة كانت تسكن داخلها عبّرت عنها بحركات زعزعت كرسيها، هي التي بدت في كامل أناقتها بلباسها الصّيفي الذي ألحقته بإكسسوارات زيّنت أصابعها وعنقها وأذنيها بحال يؤكّد الرعاية الأسرية التي تتلقّاها فكانت، كما قالت، سندها للمضيّ قدما وتحقيق المزيد من النجاحات.
اسمها جبوري شهيناز، وتبلغ من العمر 14 سنة، معاقة حركيا نتيجة إصابتها بالحمّى بعمر ال 3 سنوات، تدرس بابتدائية »الخنساء بالعاصمة«، هي تقرأ ولا تكتب، ولكنّها حفظت آيات من القرآن الكريم عن ظهر قلب، وتأمل كما أخبرتنا في حفظه كاملا لا لشيء سوى »لنيل مراضاة الله تعالى وكسب حسنات وراحة قلب ما بعدها راحة« تقول شهيناز.
شرعت شهيناز التي تعاني من اعاقة حركية، في حفظ القرآن الكريم في سنّ مبكّرة، تقول والدتها، وذلك خلال دراستها بمسجد النّور بوادي قريش، بدأته بأقصر السّور وصولا إلى أطولها، والفضل في ذلك أوّلا وأخيرا لله تعالى تقول شهيناز ولوالدتها التي كانت تحملها بين ذراعيها لترافقها إلى المسجد لكونها لم تكن تملك كرسيا متحرّكا، وأيضا لمعلّمتها بالمسجد التي تفانت في تلقينها التعاليم الدينية وتحفيظها ما تيسّر من كتاب الله تعالى.
خلال حديثها معنا بدت شهيناز مغمورة بسعادة لا توصف، ومردّ ذلك كما قالت » حابّة نحفظ القرآن كامل ونشعر بالسعادة كلّما حفظت آية« كلمات كان لها الأثر القويّ في نفوسنا والأكيد في نفوسكم أعزّائي القرّاء الكرام، فهل من معتبر؟
بن عيش محمد رضوان: لولا السّلالم لصلّيت الفجر في المسجد
عندما لمحناه من بعيد، كان برفقة جدّته لوالدته، التي كانت تتولّى جرّ كرسيه المتحرّك، ورغم كبر سنّها إلاّ أنّ ذلك لم يمنعها من السّهر على رعايته كونه الابن الوحيد لوحيدتها، »عندي ربيّ وابنتي ووحيدها محمّد رضوان«، تقول الجدّة الثمانينية التي بدت جدّ سعيدة بخدمة حفيدها الذي يعاني من اعاقة حركية.
اعاقة لم تمنعه البثّة من أن يدرس وينكبّ على حفظ القرآن الكريم في سنّ مبكّر، »أنا أحفظ سور عديدة من القرآن الكريم بدءا من صغارها كالمسد، الاخلاص، الفاتحة..وغيرها كثير وصولا إلى سورة الكهف وغيرها« يقول محمّد رضوان بفخر كبير، يعكس ارادة فولاذية في كسر حاجز الاعاقة وإثبات وجوده من خلال أشرف طريق، المتمثّل في حفظ كتاب الله في صدره.
جلوسه على كرسي متحرّك وسكنه في عمارة تحوي سلالم تعيق تحرّكاته، لم يمنعاه من أن يحفظ سورا من القرآن الكريم وهو جالسا على كرسيه المتحرّك قبالة التّلفاز، »يشغّل التّلفاز ويتابع القنوات التي تذيع القرآن الكريم ويردّد مع القارئ ما تيسّر بصفة يومية« تقول جدّته مؤكّدة أنّ حفيدها يصوم أيّام الشّهر الفضيل ويرفض الإفطار، بل إنّه يصوم الأيّام البيض وخلال المناسبات الدينية.
من جهته أخبرنا محمّد رضوان، 28 سنة، أنّه يقوم لصلاة الفجر ويذكر الله ويسبّحه كثيرا، وبنوع من الدّعابة قال لنا » أنا خير منكم لاخاطر نداوم على صلاة الفجر«، وذلك حتّى »نقابل ربي سبحانه« أمّا عن الدّعاء فقد أخبرنا محدّثنا أنّه يدعو لوالدته وجدّته خيرا ولجميع أمّة سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم، ليختم حديثه معنا بقوله »لوكان ماكانش الدروج لصلّيت الفجر في المسجد ولكن الله غالب، ان شاء الله نبرا ونمشي«، لينصح الذين يتخلّفون عن صلاة الفجر قائلا » الله يهديكم«، وبدورنا لا يسعنا سوى القول »شفاك الله محمّد رضوان لتحقّق أمنيتك آمين يا ربّ العالمين«.
مصطفى طويل أحلم بصلاة التراويح في بيت الله
ما إن سألنا مصطفى طويل الذي يعاني من اعاقة حركية عن كيفية قضائه شهر رمضان الكريم حتىّ أخبرنا قائلا » نصلّي ونصوم نورمال ومايغلبنيش«، مشيرا إلى أنّه يذهب إلى المسجد بحسب استطاعته، كونه يعاني من صعوبة في المشي، ناهيك عن أنّه يقطن بالطّايق الثّالث لعمارة بحي لافيجري بالعاصمة، ممّا يحول دون نزوله وصعوده للذّهاب إلى المسجد.
أمنيتي أن أصلّي التراويح في المسجد ولكنّني عاجر عن ذلك بسبب السّلالم وعدم ايجادي من يتولّى مرافقتي لكوني أسقط مرارا اثناء المشي، يقول مصطفى بنبرة حزن حادّة، الأمر الذي جعله يصلّي بالبيت، وقلبه معلّق بالمسجد، »نتمنّى نروح للمسجد ولكن الله غالب، الظروف لا تسمح لي بذلك«.
مصطفى الذي كان من بين المكرّمين بجمعية الأمل لذوي الاحتياجات الخاصّة بالكيتاني نظير حفظه سورا من القرآن الكريم، اخبرنا أنه يعتمد في ذلك على السّمع والتّكرار، ذاك أنّ حفظ القرآن بالنّسبة له » دواء للرّوح وشفاء للقلب«، لتبقى أمنيته أن يختم حفظه نيلا لمرضاة الله عزّ وجلّ، وحضور حلقات الذّكر بالمساجد لأنّ الانسان العاقل حسبه من يلجأ إلى الله دون سواه، فيحمل همومه ومآسيه ويضعها بين يدي ربّ العزّة ليأتيه الفرج على يديه..ولا يسعنا الأخ مصطفى سوى أن نرفع أكفّنا داعين الله أن يشفيك لتحقّق ما تصبو اليه آمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.