نشرت صحيفة »الغارديان« البريطانية تحت عنوان »غزة جريمة صنعت في واشنطن ولندن كما صنعت في القدس«، مقالا للكاتب شيمس ميلن، والذي أكد فيه أن المذابح المروعة التي تسبب فيها العدوان الإسرائيلي على غزة قد وخزت ضمائر بعض من المنتسبين للطبقة السياسية في الغرب فخرجوا عن صمتهم. واستدل الكاتب بالاستقالة التي تقدمت بها سعيدة وارسي أول وزيرة مسلمة في بريطانيا احتجاجا على موقف حكومتها »الذي لا يمكن الدفاع عنه«، والتي شجعت نيك كليج نائب رئيس الوزراء على المطالبة بتعليق إصدار رخص تصدير السلاح إلى إسرائيل. وأضاف ميلن »في الأسبوع الماضي، كان إد ميليباند، رئيس حزب العمال البريطاني، هو الذي ندد بالغزو الإسرائيلي وبصمت رئيس الوزراء على قتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين الأبرياء، وحتى الإدارة الأمريكية نددت بما قام به حليفها الاستراتيجي من قصف مشين لإحدى المدارس، بينما وصف باراك أوباما المعاناة الفلسطينية بأنها »تخلع القلبس كما لو أنه لا علاقة له بها«، قائلا »لعل اتخاذ موقف ما بات الآن أكثر أمانا، أما وقد وصل الإسرائيليون والفلسطينيون إلى القاهرة ليتفاوضوا حول تحويل وقف إطلاق النار إلى شيء أكثر ديمومة، إلا أن القصف الوحشي العشوائي على مدى شهر، والذي تسبب في مقتل 1875 فلسطينيا و 67 إسرائيليا، لا يزال يقدم بصورة بشعة ومفتراة على أنه حرب إسرائيلية للدفاع عن النفس - بدلا من كونه جولة أخرى في مواجهة مستمرة منذ عقود بين قوة احتلال غاشمة من جهة وشعب تحت الاحتلال من جهة أخرى، مواجهة ما فتئت الحكومات الغربية تنحاز فيها عن وعي وإصرار إلى جانب قوة الاحتلال«. وأشار الكاتب إلى الانفصام في المواقف الغربية في تقدير ما حدث في غزة بالقول »ورغم أن الغالبية العظمى من قتلى الفلسطينيين هم من المدنيين - بما في ذلك 430 طفلا - بينما 64 من قتلى الإسرائيليين هم من العسكريين، توصم حماس بالإرهاب بدلا من أن توصم به القوات المسلحة الإسرائيلية المزودة بأحدث وأعقد تقنيات القتل في العالم«، متهما القوى الغربية باستمرار دعمها للكيان الصهيوني »بالرغم من التعبير عن الأسى لما جرى في غزة، طوال شهر من الحرب المدمرة على القطاع، ولا يقتصر الأمر على الاستمرار في دعم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس داخل أراضي تسيطر عليها بشكل غير قانوني بينما لا يعترف بنفس الحق للفلسطينيين، وإنما استمرت الولاياتالمتحدة، التي يبلغ دعمها العسكري لإسرائيل 3 مليار دولار سنويا، في تزويد إسرائيل باحتياجاتها من السلاح بينما كانت قواتها وسلاح طيرانها يدمر ويقتل كل ما يعترض طريق اجتياحه لهذه المنطقة التي أنهكها الفقر بسبب الحصار الذي لم يترك لأهلها ملجأ ولا ملاذا« واتهم الكاتب أوروبا بأنها »هي الأخرى متورطة في نفس اللعبة، فبريطانيا علي سبيل المثال رخصت منذ 2010 بيع ما قيمته 8 مليار جنيه أسترليني من المعدات العسكرية أو المعدات مزدوجة الاستخدام وما قيمته 42 مليون جنيه استرليني من المبيعات العسكرية المباشرة، بما في ذلك قطع غيار لطيارات من غير طيار ودبابات تستخدم في تدمير غزة«، وشدّد على أن »إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها بعد مرور شهر تقريبا، فقد قصت العشب كما يحب العسكريون الإسرائيليون وصف حملات الدمار وسفك الدماء التي شنوها، وخرجت حماس من كل ذلك أقوى مما كانت عليه بفضل تحديها وأدائها العسكري المتميز، ويلاحظ هنا أن معدل إطلاقها للصواريخ بالكاد تقلص تحت وطأة الهجمات الإسرائيلية، ومن المفارقات أن الجبهة الموحدة للفصائل الفلسطينية التي سعت إسرائيل بكل قوة لتدميرها أصبحت أكثر متانة وصلابة جراء الحرب«. وخلص الكاتب إلى أن الحل »إذا ما أراد الفلسطينيون التحرر من حالة الاضطهاد الحالية، فلا مفر من المضي قدماً، والعمل على أن يتحدوا ويواجهوا ويفككوا القوى العظمى التي لم تزل منذ 47 عاماً توفر الغطاء للاحتلال غير القانوني وللاستيطان ولإنكار حقوق الفلسطينيين وتجري عملية سلام زائفة ولا نهائية تتمكن إسرائيل في ظلها من الاستيلاء على مزيد من الأراضي والاستمرار في الاحتلال والاستيطان«، قائلا » لقد طرأ تحول واضح في الرأي العام العالمي لصالح إنصاف الفلسطينيين، والمطلوب اليوم هو استثمار ذلك في ممارسة ضغوط لا هوادة فيها من أجل وقف الدعم للاحتلال وفرض حظر على تصدير السلاح إلى إسرائيل بل وفرض عقوبات عليها، من الأعلى ومن الأسفل، علينا ألا ننسى أن الفظائع التي ارتكبت بحق غزة صنعت في واشنطن ولندن كما صنعت في القدس.