تتحول أقسام الاستعجالات بالمستشفيات خلال فصل الصيف إلى مصالح خاوية على عروشها إذ ورغم ما يعرف به هذا الفصل من تزايد في أعداد الحوادث بكل أنواعها، وعلى رأسها حوادث المرور، التسممات الغذائية ومضاعفات الحر التي يتعرض لها المسنون وأصحاب الأمراض المزمنة، إلا أنه أكثر فصل يستفيد فيه عمال قطاع الصحة من عطلهم السنوية وحتى الإجازات المرضية هربا من ضغط العمل. يتخوف أغلب المواطنين من الاضطرار إلى دخول المستشفيات خلال فصل الصيف، وذلك لما تعرف به هذه الأخيرة خلال هذا الموسم من فراغ وتسيب بسبب استفادة الطاقم الطبي بالجملة من العطل. لكن رغبة المواطنين في تجنب المستشفيات خلال هذا الوقت غالبا ما لا تكون مجابة لأنه فصل تكثر فيه المشاكل الصحية لأسباب شتى، أولها موجة الحرارة التي اجتاحت الجزائر مباشرة بعد انقضاء شهر رمضان المعظم ومضاعفاتها على صحة فئة عريضة من المواطنين خاصة منهم ذوي الأمراض المزمنة والمسنين والرضع.ناهيك عن إصابات المرور والشجارات التي تكثر في سهرات الصيف بين الأصدقاء و الجيران في الأحياء. قادتنا جولتنا الاستطلاعية إلى المستشفى الجامعي مصطفى باشا لنلمس عن قرب مدى التسيب الذي وصلت إليه مصلحة الاستعجالات ليلا، حيث بدا لنا من الوهلة الأولى أنها مصلحة خاوية على عروشها من الطاقم الطبي ولا تحمل من معنى الاستعجال سوى الاسم، أما من ناحية الوافدين فحدث ولا حرج فالقاعة مليئة بأصناف من طالبي الإسعاف الاستعجالي منهم مسنين جاوزا الثمانين لم تسعفهما صحتهما حتى للجلوس المطول التي يقصم الظهر. الأمر الذي دفعنا للتساؤل أين الجزائر من برنامج الإسعاف المنزلي للمسنين أم أنه مجرد مشروع روجت له الأوساط الطبية والإعلامية دون أن يكون له وجودا في الواقع المهين الذي يعيشه ال3 مليون مسن بالجزائر أغلبهم إن لم نقل كلهم مصابون بأكثر من مرض مزمن لا يحضون بالرعاية المنزلية كما هو الحال في أغلب الدول التي تحترم هذه الفئة الحساسة من مواطنيها، خاصة وأن الجزائر تتجه تركيبتها السكانية أكثر فأكثر نحو الشيخوخة. غير بعيد عن المسنين الذين ينتظران دورا لا يصل، ينتظر أكثر من 3 شبان مصابين في شجار تفاوتت إصاباتهم بعد أن عرضوا على مصلحة الطب الشرعي وجهوا إلى مصلحة الاستعجالات للعناية بجروحهم لكن مصيرهم لم يكن أحسن من غيرهم رغم النزف الذي تعرضوا له. الغريب في الأمر أن كل المصلحة كان بها طبيب واحد متربص كل ما يقوم به بعد الفحص هو توجيه الحالات إلى مصالح أخرى بعد أن يبقيهم لساعات في ألانتظار وهكذا يقضي المرضى ساعات الليل الطويلة يتنقلون بين قسم الاستعجالات وقسم التصوير وغيره من الأقسام ليتلقوا في الأخير جرعة مسكن للآلام لا غير. عمليات مؤجله إلى إشعار آخر الشلل لم يتوقف عند قسم الاستعجالات فحسب، بل طال كل أقسام المستشفى ولعل أهمها قسم الجراحة الذي يشتكي المرضى من تأجيله جل العمليات حتى المستعجلة منها والسبب هو خروج الجراحين وأغلب الطاقم الطبي من تخدير وإنعاش في عطل وهذا حق يصعب تجاهله باعتبار هذه الفئة من العاملين بحاجة أكثر من غيرها للراحة واسترجاع الأنفاس بعد عام كامل من العمل المستمر يرافقه الضغط الذي يميز العمل في هذا الحقل الحساس، لكن إذا كانت الإدارة ومختلف المؤسسات الأخرى تضع برنامجا للعطلة بشكل لا يعرض المؤسسة إلى الفراغ والتقصير في الخدمات، فكيف يختل هذا البرنامج في المستشفيات التي يجب أن تكون أحرص من غيرها على تنظيم خروج طاقمها في العطلة السنوية دون أن يحدث ذلك ربكة في الخدمات الطبية التي من المفروض أن يوفرها للمرضى والتي ينتظرها منهم المرضى المغلوبين على أمرهم والذين صار دخول المستشفى خلال الصيف كابوس لا مهرب منه.يقول سليم رجل خمسيني ينتظر إجراء عملية جراحية بسيطة منذ ستة أشهر لاستئصال المرارة وبعد أن حصل على الموعد أخيرا لشهر أوت الجاري، تم إخباره بأن الموعد تأجل لنقص الطاقم الطبي خلال هذه الفترة وأمثال سليم كثيرين من المرضى الذين خابت آمالهم في العلاج وفي إجراء عملياتهم الجراحية في الأوقات المحددة لأن فصل الصيف هو فصل غير مضمون من حيث المواعيد في المستشفيات وحتى الوساطة والمحسوبية لا تنفع خلال هذا الفصل كما قالت نادية/م التي كانت تنتظر إجراء عملية إزالة ورم حميد من الرحم لكن الموعد تأجل بسبب الفراغ الذي تعيشه المستشفيات خلال فترة الصيف. أقسام الولادة خاوية على عروشها تعرف مختلف أقسام الولادة بالجزائر تزايدا في عدد الحوامل خلال فترة الصيف يفوق كل الفصول الأخرى، وهو نفس الوقت الذي تعرف فيه خروجا بالجملة في العطل السنوية والإجازات المرضية التي يلجأ إليها البعض هربا من ضغط العمل في الصيف . حيث يتضاعف عدد الحالات التي تستقبلها المصالح ويتضاعف عدد المناوبات ليلا وغيرها من المشاكل التي يحاول بعض العاملين في المجال التهرب منها وخاصة فئة القابلات اللواتي يشتكين من الضغط ويخشين الوقوع في الأخطاء أو الانفجار في وجه الحوامل فيتهمن بسوء المعاملة. الحديث عن أقسام الولادة عبر كل مستشفيات وعيادات الوطن خلال هذا الفصل يعتبر حديثا ذو شجون لأنه الفصل الذي تكثر فيه الأخطاء الطبية بشكل كبير ومعروف لدى عامة المواطنين، تقول أمينة/م سيدة حامل تعرضت لخطر الإجهاض ونقلت هلى جناح السرعة إلى أحد المستشفيات بأنها لم تتلق أي إسعافات تذمر لأن القسم الذي نقلت إليه ترك بيد طبيبة متربصة لم تعرف كيفية التعامل مع الحالة فظلت تسأل الطبيب المشرف عليها بالهاتف وهو يملي عليها ما يجل أن تفعله وفي الأخير وبعد نزفها لفترة طويلة أجهضت المرأة ونزفت كثيرا لأنها لم تتلق العلاج إلا في الساعات الأولى للصباح وكادت أن تفقد حياتها من فرط النزف. وتؤكد )هدى.ب) وهي قابلة بأن أغلب الالنساء الحوامل وأهاليهن لا يقدرون الضغط الكبير الذي تتعرض إليه القابلة خاصة خلال المناوبات الليلية ويحاسبونها حتى على كلامها لأنهم لم يعيشوا ما عايشته من عمل متواصل وضغط بسبب الاكتظاظ، لذا تلجأ الكثيرات إلى الخروج في عطلة مرضية خلال الصيف بتجنب الوقوع في مشادات مع المريضات أو أهاليهم وهو ما يتسبب في النقص الفادح وزيادة الضغط على ما يتبقى من أفراد الطاقم الطبي. يحدث هذا في مستشفياتنا كل صيف دون أن تجد السلطات حلا جذريا للموضوع ورغم تعليمات وزارة الصحة لإدارات المستشفيات بضمان الخدمات للمواطنين، إلا أن الامر من الصعب ان يتحقق لأن العطل الصيفية تطال المسئولين أيضا مما يفتح الباب على مصراعيه أمام التجاوزات إلى درجة أن ما ينقص بعض المستشفيات هو إقفال أبوابها أمام المواطنين حتى »يتهنى الفرطاس من حك الراس« .