لا اختلاف على أن الأزمة التي عاشها حزب جبهة التحرير الوطني كانت وبالا على جميع المناضلين والمحبين والمتعاطفين، إذ تسببت في تشتيت الصف وإنهاك القوى وتفريق الإخوة وجعل الحزب ساحة مفتوحة للاتهامات والإساءات ومحاولات النيل من مكانته وسمعته لدى الرأي العام. لذلك فإن الحراك الداخلي الذي يعيشه الحزب، ومهما كانت آثاره وتداعياته، ومهما كان حجم وطبيعة الجدل الذي يثيره في الساحة السياسية، يجب أن يكون فرصة مواتية لخروج الحزب من حالة ''الشد والجذب'' موحدا ومتماسكا، راسخا في مبادئه ومحافظا على كيانه كحزب وطني، يملك مؤهلات القوة التي تمكنه من صد أي ''اختراقات'' لا تتفق مع ثوابته وتتنافى مع قناعاته. إن حزب جبهة التحرير الوطني محكوم عليه أولا وقبل كل شيء بأن ''يكسب نفسه'' وأن يتجاوز صراع الأشخاص ويطوي نهائيا صفحة اجترار الماضي، وأن يؤسس للنضال المجدي، المرتكز على الوحدة التي تقوم على التنوع والتنافس بالأفكار والجدارة من أجل خدمة الحزب والجزائر. ولعله من المفيد، حين نؤكد بأن جبهة التحرير الوطني، منذ ساعة الميلاد إلى اليوم، قد تداولت على المسؤولية فيها أسماء لامعة، لها وزنها وقيمتها وقامتها وبصمتها القوية في تاريخ الجزائر الحديث، إلا أن الحقيقة الواضحة التي لا يختلف حولها إثنان هي أن جبهة التحرير الوطني لم تتحول إلى ''ملكية'' خاصة لهذا الزعيم أو ذاك القائد، بل إن الثابت في هذا المسار الطويل هو أن الأشخاص مهما كانوا هم إلى غياب وزوال، أما جبهة التحرير فهي الباقية. لقد تولى القيادة رجال كبار، أدوا ما عليهم، منهم من رحل، منهم من فضل الاستراحة، ومنهم - على قلتهم - من آثر ''التمرد'' أو التحليق خارج السرب، لكن جبهة التحرير الوطني ظلت أكبر من الجميع ولم يستطع أي أحد، أن يحتويها أو ينصب نفسه زعيما أبديا، لا بديل عنه ولا زعيم بعده! هذه هي الحقائق التي ينبغي أن يدركها كل مناضل في حزب جبهة التحرير الوطني، حتى لا يستهلك الجدل الدائر هذه الأيام، الوقت والجهد وحتى لا يصرف الأنظار عن القضايا ذات الأولوية والأهمية، خاصة ما يتعلق بالاستعداد لعقد المؤتمر العاشر، هذا الموعد السياسي الهام الذي يجب أن يكون مؤتمر الوحدة. إن الزعامة، في مفهومها النضالي والسياسي، هي المقترنة بالقدرة على التأثير في الواقع إيجابيا، من الناحية السياسية والفكرية، ومن حيث القدرة على الصبر والتحمل والشجاعة والإخلاص والوفاء والتضحية ونكران الذات، ومن هذا المنطلق، ورغم التقدير الكبير للكثير من القيادات التي تعاقبت على المسؤولية، فليس هناك في حزب جبهة التحرير الوطني لا ''الزعيم الأبدي'' ولا ''الزعيم الأسطورة'' ولا المسؤول الذي يتصور نفسه أو يتوهم أن القيادة حكر عليه وأنه وحده المؤهل والأجدر بتولي المسؤولية. ولا بأس من التذكير بأن جبهة التحرير حزب وطني، بمفهوم الانتماء والولاء والرسالة والجغرافيا وأن مناضليه يلتقون حول برنامج وتجمعهم أفكار وقناعات، وليسوا أتباعا بلا رأي ولا موقف أو مجموعة أشخاص في قافلة، كما أن الوقائع تؤكد أن هذا الحزب، هو الوحيد الذي يتوفر على خصائص الحركة السياسية، سواء تعلق الأمر بهيكلته النظامية أو ببرنامجه السياسي أو بخصوصيته الاجتماعية أو بتجذره الجماهيري وحضور مناضليه أو بالتداول على قيادته. لذلك كله، فإن الحراك الذي يشهده حزب جبهة التحرير الوطني يعكس إرادة قوية في إحداث القطيعة مع الممارسات التي تجاوزها الزمن، وفي مقدمتها زصراع الأشخاصس، هذا الخطر الذي يهدد الحزب بالعودة إلى مربع الأزمة ومرحلة النزاع والفراغ. إن الموروث النضالي لحزب جبهة التحرير الوطني يتضمن مقولة في مرتبة الحكمة، مفادها ''إن المسؤولية أعوام، والنضال دوام'' ولعله من المفيد أن يتحصن الجميع بهذه الحكمة البليغة، وهي تؤكد بأن المسؤولية ليست بالمنصب ولا بالكرسي، مهما كان وثيرا، بل هي بالبصمة القوية والإنجاز الملموس والأثر الطيب والنجاح في خدمة الحزب الموحد، القوي والمستقبلي، وكذا الاقتناع بأن المسؤولية لن تدوم لأي أحد. وليس من باب التكرار، حين نؤكد بأن حزب جبهة التحرير الوطني مدعو في هذا الظرف بالذات إلى فتح صفحة جديدة، يكون عنوانها البارز ثلاثة التزامات واضحة: أولها الاحتكام إلى القوانين التي تحكم سير الحزب. ثانيها، التقيد بالضوابط التي يفرضها الانضباط والأخلاقيات النضالية وثالثا، احترام الشرعية، من منطلق أن اللجنة المركزية هي صاحبة القرار، وقد قالت كلمتها الفاصلة وحسمت نهائيا في مسألة شرعية القيادة، أليست اللجنة المركزية هي صاحبة السيادة؟.