يخطئ في حساباته كل من يعتقد أن اختيار مدينة سطيف لعقد الندوة الجهوية لولايات الشرق، التي يشرف عليها اليوم عمار سعداني الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، كان لأهداف شخصية أو بنية التحدي لفلان أو علان، كما يتوهم البعض في اجتهاداته الخائبة، ذلك أن الأمين العام، ومن إدراكه لحجم المسؤولية الثقيلة التي يتحملها، لا يتحدى أي مناضل، لأنه في الأصل والأساس ليس في نيته ممارسة الإقصاء ولم يأت على رأس الأمانة العامة للحزب لتصفية حسابات.. هذا أولا، وثانيا إن التحدي الكبير الذي يرفعه الأمين العام لا صلة له بالأشخاص، مهما كانت مواقعهم ومواقفهم، وقد أبدى حرصه الكبير على ضرورة نبذ الخلافات والابتعاد عن الانتقام، أما ثالثا، فإن اختيار سطيف ليس بهدف استفزاز أي أحد، بل ينبع من كونها ولاية محورية من حيث الموقع والكثافة السكانية، وهي أيضا واحدة من أكبر معاقل حزب جبهة التحرير الوطني. إن ندوة سطيف، شأنها شأن ندوة وهران، تأتي تجسيدا لقناعة الأمين العام بأن الحزب في أمس الحاجة إلى ترميم جسور الواصل مع القاعدة وتمكين المناضلين من إسماع صوتهم والتعبير عن آرائهم بكل حرية، بعيدا عن الوسائط ، مما يسهم في إرساء قواعد الثقة وثقافة الحوار، خاصة بعد الشهور العجاف، التي تميزت بخلافات على مستوى قيادة الحزب وامتدت إلى القواعد. ومن المؤكد أن الحملة التي تستهدف حزب جبهة التحرير الوطني وقيادته لا تترك مجالا للمناضلين للنبش في خلافاتهم أو الغرق في مستنقع تصفية الحسابات ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فهم يؤمنون بأن التصدي لتلك الحملات لا يكون بالفرقة والانقسام والانغماس في المهاترات، بل يكون برص الصفوف وطي صفحة الخلافات نهائيا وبلا رجعة. على المناضلين، في مختلف مستوياتهم وعلى تنوع مواقفهم، الانتباه والتصدي والاهتمام بمصير ومستقبل حزبهم، عليهم التفكير والتحليل والممارسة الميدانية وطرح الأسئلة الوطنية الكبرى التي تعني ليس فقط حزب جبهة التحرير الوطني وإنما القضية الوطنية ككل، وهذا من منطلق المسؤولية التاريخية التي يضطلع بها حاضرا ومستقبلا. وترتكز تلك المسؤولية على ما حققته جبهة التحرير الوطني، هذه الحركة التي قادت الجزائر إلى الاستقلال الكامل وحافظت على وحدة الشعب الجزائري، ووحدة التراب الوطني ووحدة الدولة ووضعت معالم جزائر المستقبل، وهي الضامنة لاستمرارية رسالة نوفمبر . لذلك كله، فإن هذه اللقاءات بين قيادة الحزب ممثلة في الأمين العام والقاعدة النضالية الواسعة، تندرج في سياق هذا التوجه الكبير، بالارتكاز أساسا على رصيد الحزب وتجربته وقاعدته الاجتماعية وبرنامجه الواعد ومواقفه الوطنية الثابتة، وأيضا انطلاقا من كونه حركة وطنية جامعة للقوى الحية في البلاد، وليس حزبا مغلقا، ضيق الأفق. هذه هي المعركة الحقيقية لحزب جبهة التحرير الوطني، والتي حدد الأمين العام معالمها في خارطة طريق واضحة الأهداف، تتضمن نقاطا محورية، تشكل في العمق أساسيات الانطلاقة الجديدة، المرتكزة على الوحدة،الديمقراطية، العصرنة، توسيع القاعدة النضالية، تطوير الأداء، تثمين الأفكار وتكريس الريادة. تلك هي الرسالة التي يحملها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني في لقائه مع المناضلين في ولايات الشرق، تحدوه إرادة قوية في تكريس وحدة الحزب وفي الصبر على إخوانه المناضلين، خاصة منهم القياديين، الذين قد تكون لهم مواقف مغايرة. لذا فإن الحديث عن تحدي الأمين العام لفلان في اختيار مدينة سطيف لتنظيم الندوة الجهوية، لا يصمد بتاتا، لأنه غير مؤسس ويتعارض مع الخطاب الرسمي الذي يحمل إرادة قوية لتجاوز مخلفات الأزمة التي تعرض لها الحزب، خاصة في هذا الظرف المتميز الذي يجب أن يكون عنوانه البارز: الوحدة ثم الوحدة، من أجل تعبيد الطريق للاستحقاقات المقبلة وتكريس بصمة حزب جبهة التحرير الوطني في هذا الموعد الوطني الحاسم.