بداية، نعيد التأكيد على أن رئيس الجمهورية يملك صلاحية التعيين، بمقتضى ما يقره الدستور، ومن هذا المنطلق فهو يمتلك سلطة القرار في العزل، وقد اتخذ قراره بإنهاء مهام عبد العزيز بلخادم، وبعيدا عن الخلفيات والدوافع، فإن السؤال المطروح هو: ماذا بعد. إن السؤال السابق يتعلق تحديدا بمستقبل حزب جبهة التحرير الوطني، حيث يجب قراءة قرار رئيس الجمهورية، رئيس الحزب على أنه يحمل رسالة واضحة، تتضمن دعما قويا للأمين العام عمار سعداني في قيادة الحزب، كما أنها تؤكد ضرورة تجاوز الخلافات التي طبعت مسيرة الحزب خلال السنوات الأخيرة، مما يعني طي صفحة كل الرواسب التي أثقلت كاهله وعطلت مسيرته وجعلته مشدودا للماضي وأسيرا لمعارك عبثية، حملت عناوين متعددة ومتنوعة. لقد آن الأوان لكي يسدل الستار نهائيا عن تلك الصراعات المهلكة وأن تتوجه الأنظار والإرادات والقلوب نحو المستقبل، أما الماضي فيجب أن يكون لاستلهام الدروس والاستفادة من التجارب وأخذ العبر، سعيا إلى عدم تكرار الأخطاء والسلبيات وتفاديا للوقوع في كل ما من شأنه أن ينفخ في رماد تلك الرواسب، وأيضا - وهذا هو الأساس- السعي بإيمان قوي وقناعة راسخة في اتجاه تقوية الصف وتكريس الوحدة وتعزيز الموقف. ولعله لا اختلاف على أن حزب جبهة التحرير الوطني مدعو في هذا الظرف بالذات إلى فتح صفحة جديدة، يكون عنوانها البارز ثلاثة التزامات واضحة : أولها، احترام الشرعية. ثانيها، الاحتكام إلى القوانين التي تحكم سير الحزب. ثالثها، التقيد بالضوابط التي يفرضها الانضباط والأخلاقيات النضالية. لقد خسر حزب جبهة التحرير الوطني كثيرا من '' الاحتراب'' الداخلي الذي استمر لسنوات طويلة، والذي تسبب في تشتيت الصف وإنهاك القوى وتفريق الإخوة وجعل ساحة الحزب فضاء مفتوحا للاتهامات والإساءات ومحاولات النيل من مكانة وسمعة الحزب وصورة قيادته لدى الرأي العام. آن الأوان لكي تكون اليد الممدودة في كل الاتجاهات، من أجل مصلحة الحزب أولا وأخيرا، ينبغي عدم التفريط في أي مناضل، غاضبا كان أو مهمشا أو دفعته ممارسات معينة إلى الابتعاد مكرها، دون أن يتنكر لحزب جبهة التحرير الوطني. لا ينبغي إغفال حقيقة مرة ومخجلة هي، أن صراعا القيادات طيلة عشرية كاملة، كانت له آثاره السلبية الواضحة على تماسك المناضلين وحماسهم وثقتهم في قياداتهم، لأن ذلك الصراع لم يكن حول مبادئ ولم يكن مرتكزا على قناعات فكرية أو مبنيا على اتهامات بانحراف سياسي يمس جوهر فلسفة وعقيدة الحزب الفكرية. لقد أصبحت حياة الحزب، خلال السنوات الأخيرة، مرتبطة بسلسلة أزمات متتالية، ما أن ينطفئ لهيبها حتى تشتعل مجددا، بدوافع شخصية ومحركات مصلحية ضيقة، لا صلة لها بالمبادئ والأفكار والسياسات ولا علاقة لها بالخلافات المؤسسة على مطالب محددة، تكون فيها مصلحة الحزب هي الأساس، لذلك يجب إحداث القطيعة مع ذلك ''النضال'' القائم على الدسيسة والتآمر الذي، يرتكز على رفع الصوت والبذاءة، لأنه في الأصل دخيل على أخلاقيات النضال وعلى قيم حزب جبهة التحرير الوطني. وكان من الطبيعي، في ظل هذه الأزمات المتلاحقة، أن يصبح الجهد مكرسا لإطفاء النار في الدار، دون الالتفات إلى النيران المحيطة، وهي التي تترصد بالحزب وتتهدده في رسالته وفي وجوده. لقد قيل: الضربة التي لا تقتلك تقويكز، وما أكثرها الضربات التي توالت على حزب جبهة التحرير الوطني من خصومه وأعدائه وكذا من جنباته، وإذا كانت لم تقتله، إلا أنها كانت في كل مرة تترك جراحا وندوبا وكدمات وشروخا مؤلمة. لذلك كله، لا ينبغي أن تكون '' قضية بلخادم'' مجرد مسألة عابرة في حياة الحزب، بل يجب أن تستخلص منها الدروس المفيدة لتحديد مخارج لحالة التناحر التي، لم يعد مسموح بها، ولعل الالتزام ب '' الثلاثية'' المذكورة هو أول الطريق لممارسة النضال في أجواء صحية ونقية، تحت مظلة من القوانين والنصوص التي تحدد الفواصل بين الحرية المسؤولة والفوضى المخربة، وهي التي تصد عن الحزب رياح الخلافات الضيقة والأنانيات المقيتة وتجعل حدا لطموحات الأشخاص الذين يتصورون أنفسهم أنهم فوق الحزب أو أكبر منه أو أنهم أصحاب فضل عليه.