حسب المجاهد آيت أحمد سي والي ضابط في صفوف جيش التحرير الوطني، فإن هذه العملية التي تم بعثها في إطار برنامج عمل الجنرال »شال« القائد الأعلى للجيش الفرنسي اقترحت على الجنرال »ديغول« من قبل اللجنة الإدارية للقبائل الكبرى آنذاك »المعادلة للمجلس الشعبي الولائي حاليا« التي صادقت خلال جلستها المنعقدة في 5 يناير 1959 على لائحة تدعو الجنرال ديغول إلى تعزيز القوة العسكرية بمنطقة القبائل. وفي تبريرهم لدعم الجهاز العسكري صرح مندوبو المقاطعات الذين من بينهم الجنرال فور، الممارس للسلطة المدنية و العسكرية بالقبائل الكبرى ودلوفريي مندوب عام بنفس المقاطعة وعزام والي نائب بالمجلس الوطني لتلك الفترة) بأنهم يسعون من أجل صالح السكان المحليين، معتبرين أن منطقة القبائل تمثل المركز الحساس لحركة »التمرد« و بالتالي فإن إعادة السلم إلى المنطقة سيضع حدا إلى التمرد عبر كافة أرجاء الجزائر. وقد استجاب الجنرال ديغول لهذا المطلب حيث قام بتعزيز التواجد العسكري بمنطقة القبائل بالوسائل المدية والبشرية وأسند قيادة الجيش إلى الجنرال شال المكلف بتنفيذ عملية جوميل. وقام هذا الأخير بتنصيب مركز قيادته الذي سمي بأرتوا بالممر الجبلي لشلاتة بأعالي مرتفعات جرجرة. مطاردة »الفلاقة« من خلال عمليات تمشيط متكررة وقد أطلقت عملية »جوميل« بعد مرور سنة على الاعتراف بالقضية الجزائرية من طرف منظمة الأممالمتحدة وميلاد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. و قد أطلق على هذه العملية هذه التسمية نسبة إلى المنظار الذي كان يستعمله الجيش الفرنسي لرصد تحركات المجاهدين والسكان. وتمثلت في تنفيذ عمليات تمشيط متكررة الهدف منها مطاردة »الفلاقة« بواسطة قوات مدعمة بالمروحيات وبالطيران الحربي بغرض عزل عناصر جيش التحرير الوطني و إنشاء مناطق محظورة وإجلاء القرى وحشد السكان في مراكز محاطة بالأسلاك الشائكة وخاضعة لرقابة مشددة. وكان هذا الجهاز مرفوقا بغرف للتعذيب هيئت داخل أقبية المراكز المتقدمة لتسليط أشد أنواع العذاب على كل عنصر مشبوه فيه التعامل مع المجاهدين. وقد أسندت مهمة تنفيذ هذه العملية إلى الجنرال شال (المخطط لها) بمساعدة الجنرالات جهود وصالان وزيلر وغيرهم من الجلادين حيث كلفوا بتطهير أدغال جيش التحرير الوطني بإمطارها بوابل من النيران بمساهمة القوات البرية و الجوية التي من ضمنها الفهود (رجال المظلات) الذين قاموا بدور أساسي في هذه العملية حسب شهادات المجاهدين آيت أحمد سي والي وأزواو عمار وعصماني بلقاسم وهم على التوالي أمينا الولاية الثالثة التاريخية و قائد المنطقة الصحية بنفس الولاية. وشرع في جويلية 1959 أصحاب القبعات الخضراء (المظليون) في الهبوط من المروحيات في سماء المرتفعات الغابية و بعض النقاط الإستراتيجية على غرار جرجرة و مرتفعات الأكفادو والصومام وتامقوت وسيدي علي بوناب و مزرانة. وأضاف المتحدثون أنه في تلك الصائفة شوهد عناصر (البارا) ينتشرون بكثافة في الأرض في الوقت الذي كانت فيه كتائب جيش التحرير الوطني تتضاءل بشكل ملحوظ. ولدى كل عملية قصف للقرى بقذائف المدفعية المصحوب بالغارات الجوية يظهر أفراد كومندوس المعروفين ب جنود بالبوا الذين يتميزون بوحشية كبيرة حيث يقومون بالإجهاز بواسطة رشاشاتهم على كل ما تبقى حيا بعد موجات القصف. وهكذا قام العدو بزرع الرعب في أوساط سكان القرى لعزلهم عن المجاهدين وتجويع هؤلاء لإجبارهم على الخروج من مخابئهم حسب المجاهد سي والي الذي ذكر في هذا السياق بالاستعمال المكثف للقنابل الحارقة (نابالم). وتجدر الإشارة إلى أن الجنون المدمر لعساكر الاستعمار لم يستثن النساء ولا الأطفال و لا حتى الشيوخ والمرضى. فكل من يشك في أنه يساند المجاهدين كان يعرض نفسه لاستنطاق مرهق تستعمل فيه أشد وأبشع أنواع التعذيب. و كان غضب العدو يتضاعف إثر كل هزيمة مني بها في مواجهة جيش التحرير الوطني حيث كان ينتقم بطريقته الخاصة من السكان العزل لاسيما النساء. وقد شهدت كل قرية مثل هذه الأحداث البشعة من صنع البارا ومرتزقة جيش الاحتلال المكلفين بكسر شوكة السكان المحليين يضيف المجاهد سي والي. النساء يفككن الخناق عن أدغال جيش التحرير الوطني وفي حديثها عن سنين الجمر تتذكر المجاهدة عبد اللاوي حليمة على سبيل المثال أنه في أواخر سنة 1959 لم يبق من المسنين على قيد الحياة بقرية »إيغيل إيمولا« سوى نحو عشرة فقط حيث قضى العدو على كل الرجال الأصحاء بغرض عزل أدغال جيش التحرير الوطني إلا أن النساء قمن بتنظيم أنفسهن في شكل شبكات مكلفة بالاتصال وتموين المجاهدين. وكانت هذه الشبكة متكونة من العرباني وردية ولوناس وردية وعبد اللاوي حليمة وقاصد تساعديت و قاصد لويزة. وواصلت الشبكة نشاطها إلى أن تم تفكيكها منتصف سنة 1960 بعد التبليغ عنها من طرف أحد الخونة تتذكر السيدة عبد اللاوي. وقد سمحت هذه المشاركة في حرب التحرير من فك الخناق على أدغال جيش التحرير الوطني من خلال تقديم الدعم اللوجيستيكي الضروري للمجاهدين من مؤونة ومعلومات ومساعدتهم على إزالة ما لا يقل عن 28 مركز مراقبة للعدو كما أكده المجاهد سي والي. يشار الى أن عملية جوميل التي هي جزء من مخطط الجنرال شال الذي يضم عمليات أخرى تم إطلاقها عبر التراب الجزائري على غرار لاكورون ولاسيقال ولاكوروا وتريدون وريبي وغيرها أسفرت حسب المجاهد أزواو عمار عن استشهاد أكثر من 7500 مجاهد من بين 000,12 كان يعدهم جيش التحرير الوطني بتراب الولاية الثالثة التاريخية المتشكلة آنذاك من الولايات الحالية لكل من تيزي وزو و بجاية وجزء من ولايات بومرداس والبويرة وبرج بوعريريج وسطيف والمسيلة. ورغم الخسائر التي ألحقها الوابل من النيران بصفوف جيش التحرير الوطني، فإن عملية جوميل باءت بالفشل وهذا باعتراف من الجنرال ديغول نفسه بالرغم من تكثيفه للوسائل من أجل إخماد الثورة بمنطقة القبائل. ففي رسالة وجهها إلى جنرالاته بتاريخ 26 ديسمبر 1959 كتب ديغول بعد أن ذكر بأن فرنسا بعثت ما يزيد عن 00,500 جندي إلى الجزائر وتصرف 1000 مليار فرنك سنويا لتمويل الحرب (...) ورغم كل التأكيدات والوعود والأوهام فإن مجموع السكان المسلمين لم يلتحق بنا. واختتم الجنرال يقول، حسب ظن المتخيلين أو اللامبالين، فإنه يكفي أن نكون الأقوى حتى ينضم إلينا المسلمون. فأي قوى إضافية ينبغي علينا استعمالها حتى نجعلهم ينضموا إلينا ....