يعلم الفلسطينيون أن الولاياتالمتحدةالأمريكية، ستقف في وجه قرارهم الذي توجّهوا به إلى مجلس الأمن الدولي بعدما سُدَّت أمامهم السبل، مع انه قرار لم يقُل إلا بما جاءت به قرارات الأممالمتحدة، وتوصيات منظماتها، وقد قالها صراحة كاتب الدولة للخارجية جون كيري للقادة الفلسطينيين، فما الذي أراده محمود عباس ومَنْ معه بتقديم ذلك القرار الذي يُعطي فقط للاحتلال الصهيوني أجل عاميْن، كيْ ينجلي عن الأرض الفلسطينية ؟ هل هو تلهية للشعب الفلسطيني بإضاعة وقتٍ آخر من أوقاته الضائعة التي تضاف إلى حقه المُضاع في وطنه، وتحويله من شعبٍ مقاومٍ مكافح، إلى »غاشي« خانع مُستسلِم، أم هو محاولة ذكية يريد الفلسطينيون أن يؤكّدوا بها لأولئك الذين ظلوا يدفعونهم دفْعًا إلى مزيدٍ من »التقشّف« في مواقفهم، حِيال حقهم الثابت والشرعي في أرضهم، أن الكيان اللقيط الذي حملت به بريطانيا، قد تبنّته أمريكا، وأصبح مصلحة أمريكية فوق كل مصالحها الحيوية الأخرى؟. لم يكن القرار الفلسطيني العربي ثورة على الأعراف »الاستعمارية« فقد استند إلى حدود ما قبل اجتياح عام 1967 وهو تنازل آخر أعلن العرب به ضعفهم المُزمِن في مؤتمر بيروت سنة 2005 وفيه أرغموا الفلسطينيين على التخلِّي عن المطالبة بالحدود التي أقرتها الأممالمتحدة عام 1948 واكتفوا بحدودٍ جديدة، قلّصت من مساحة الفلسطينيين، كيْ يتم التناغم مع ما طرحته الإدارة الأمريكية، مما سُمِّي بحل الدولتيْن لشعبيْن، والذي ظل مجرّد يافطة دون مُحتوى، ترفعها كلما ازداد تحرُّك الشارع العربي، وكلما ارتفع عدد المُستيْقظين من الغرْب لمناصرته، وإن كان عزّز دورَ الداعين إلى الارتماء في أحضان أمريكا بلا مقابل، وأكد أن فرضية مقايضتها لكراسي وعروش العرب"الفاعلين" بالقضية الفلسطينية قائمة، خاصة وأن إدارة الاحتلال انتقلت منذ ذلك المؤتمر، من حالة القضم الذي كانت تفعله للأرض الفلسطينية، إلى حالة الالتهام الجشع له، حتى أنه لم يبق ما يمكن أن تُعلَن من عليه الدولة الفلسطينية، التي يُزايِد بها دعاة الاستسلام على دعاة المقاومة، اللهم إلا إذا كانت ستُقام فوق خيام الشتات التي تكاثرت . يعتقد الكثيرون أن الغرب الرسمي هو مِلّةٌ واحدة، لا يُحرِّكه إلا الفكر الاستدماري الذي لم يتخلّص من عُقدة الخوف مما يُسمِّيه منظِّروه »العدوّ النائم« ولهذا نجد أمريكا ومعها أحد جِرائها (جمْع جرْو) المرمية في آخر البحار، وهي استراليا تُصوِّت ضد القرار، وتمتنع بريطانيا عن التصويت في مسرحية سخيفة، جعلت عدد المُصوِّتين يقل عن تسعة أصوات وهو الحدّ المطلوب لتمريره، حتى وإن كانت الولاياتالمتحدة، ستُسقِطه بضربة الفيتو القاضية، لو بلغ النصاب، فهي صاحبة المرتبة الأولى في إشهار "ظُلْمِ الفيتو" ضد كل مشاريع السلام الدولية، فقد ضربت به القضية الفلسطينية وحدها، أكثر من ثلاثين مرة، وأفرحت ربيبتها في كل المرات، وبذلك يُمكننا القول إن أمريكا بفعلتها هذه، تكون قد أضافت عاما آخر أو أعواما أخرى من المعاناة للشعب الفلسطيني، بل الأخطر أنها تكون قد أقفلت أبوابا للسلام كانت مُشْرَعة، وأحكمت إقفالها، خاصة وهي تُحذِر الفلسطينيين من مغبة استعمال سلاحهم السلمي، في الانضمام إلى المنظمات العالمية، ليس من أجل ترحيل هذا الكيان العنصري عن أرضهم، إنما فقط بُغية رَدْعِه كيْ لا يرتكب مزيدًا من المجازر في حقهم، ووضعت أمامهم العديد من المتاريس والحواجز، وراحت تُهدِّدهم بقطع المساعدات الشحيحة أصلا، التي تُقدِّمها لهم من أجل البقاء على قيد الحياة، وهي التي اغتصبت منهم حقهم الشرعي في أرضهم، وهذا ما جعل العصابة المُغتصِبة لفلسطين، تستأسد وتتوعّد السلطة الفلسطينية، بتطبيق سلسلةٍ من المظالم، ابتدأتها بالسطو على كل عائدات الجباية الفلسطينية، وهدّدت رئيس السلطة بِجرِّه وجماعته إلى محكمة الجنايات الدولية، وكأنه هو مَن شن حروبا متواصلة على غزة، وقتل الآلاف من أبنائها، ودمّر مع كل حرْب، ما بنته الدُّوَل المانحة، وبذلك يكون أمام الفلسطينيين خيار من اثنيْن : إما الدخول في انتفاضة شعبية سلمية شاملة، تُرهِق المؤسسة العسكرية الصهيونية، وإما الانطلاق في ثورة شعبية مسلحة، تتوحّد فيها جميع الفصائل، تنقل الرعب إلى الخندق الآخر. أمريكا لم تنظر إلى التدمير الشامل الذي نشره صهاينتها بحربهم على غزة، وتكون وراء إحجام الدول المانحة، عن تقديم ما وعدت به لإعادة إعمار القطاع، حيث لم تتعدَّ نسبة ما وصل الفلسطينيين سوى اثنيْن (2%) في المائة من الوعود »الدّسِمَة«، وهو ما جعل الأممالمتحدة تُحذِّر من نتيجة ذلك التباطؤ، لأنه قد يؤدي إلى انفجار جديد يهز المنطقة كلها إن وقع، وإذا كان ذلك شأن »الإمبريالية« كما أطلِق عليها، فإن المواطن العربي لم يعد يفهم، كيف يتحالف العرب الرسميون مع أمريكا، في سِلمهم وحربهم وهي تتحالف ضدهم جهارًا نهارًا، إلا إذا كانوا مُخدَّرين لا يُفرِّقون بين شقيقهم وعدوِّهم، وتكون صدقت صحيفة هاآريتس الصهيونية، كما هو الحال مع مصر وهي أكبر دولةٍ عربية، وأكثرها تأثيرًا في مسار القضية الفلسطينية، حينما قالت : »إن جنرالات مصر يكرهون حماس أكثر مما يكرهون إسرائيل« وإذا نظرنا إلى حجم التنافر والحقد والكراهية التي زرعها النظام العربي بين الشعوب العربية لأسباب تافهة جدًّا، عِوَض تمتين ما يجمعها من عُرًى جغرافيةٍ ولغويةٍ وتاريخيةٍ وحضاريةٍ ومصيرية، نكاد نقول إن هذا النظام أصبح الحليف الأخطر لأمريكا الصهيونية، ليس على القضية الفلسطينية وحدها، إنما على الأمة كلها، وهو ما يجعل هذه الجغرافيا الواسعة، قابلة للاحتلال من جديد، سواء من الغرب القديم الذي تجدَّد، أو من طرف الدواعش التي قد يراها هذا الشعب أو ذاك، آخر مرافئه نحو الانتحار، ولو حدث ذلك لا قدّر الله، يكون المسلمون والعرب خاصة، قد أشاحوا بوجوههم عن التاريخ وتركوه يمر بهم، دون أن يمتطوا عربةً من عرباته، كما تفعل شعوب البشرية كلها ... [email protected]