- لم يفت وقت التطرق بعد إلى أن عبارة تحسين العلاقة مع أمريكا التي وصف بها الرئيس الكوبي راؤول كاسترو أخيرا عملية التطبيع التي أعادت أمريكا إلى أحضان أمريكا، وهو يشيد بها في خطاب مطوّل معلنا أن بلاده جرّاء ذلك سوف تعرف هذه السنة نموّا اقتصاديا يساوي 4 بالمئة، يشير إلى أنه إذا كانت الأجساد بعيدة عن بعضها بعضا لمدّة فاقت الخمسين عاما، فإن القلوب كانت تهفو إلى بعضها بعضا، وأنّ أرواح الكوبيين والأمريكيين بالرغم من غلق الحدود الاقليمية كانت جنودا مجنّدة ترنو إلى بعضها بعضا في اتصال دائم لم ينقطع خيطه الحريري ولو طالت سنوات العناد والجفاء المادي. - وأيضا ما يعيد إلى الأذهان أن الرئيس الكوبي الأسبق "فيدال كاسترو" وبعد أن قاد الثورة الكوبية رفقة أخيه الرئيس الحالي وصديقه الطبيب الأرجنتيني "شيغيفارا" الذي تعرّف عليه في المكسيك بالرغم من أنّه يعرف أن كوبا احتُلَّت من طرف الأمريكان لمدة تقارب نصف القرن، وأنّه كلّما أشعلت نارا للحرب أطفأها الأمريكان دون أن يستطيعوا إخمادها تحت رمادها من جمرٍ ظلَّ متّقدا، ممّا حدا بالرئيس الأمريكي الحائز على جائزة نوبل للسلام "تيودور روزفلت" إلى القول: )إنّ جمهورية كوبا الصغيرة جعلتني أضجر إلى درجة أنّي أصبحت أتمنّى محوها من خارطة العالم، فكلّ ما كنّا نطلبه منها هو أن تتصرّف بشكل ما يجعلنا مجبرين على التدخّل بالقوة ولكن مع الأسف فهاهي قد اختارت طريق الثورة التي لا مبرّر لها(. - وأيضا يعرف أن الأمريكان أجبروا الجمعية التأسيسية الكوبية سنة 1902 التصويت على امتيازات عديدة تحظى بها أمريكا في كوبا منها منحها قاعدة »غوانتانامو« البحرية إلى الأبد، فإنه فيدال كاسترو قائد الثورة الكوبية، وأوّل رئيس لها بعدها بالرغم من ذلك، لم تكن لديه النيّة في المزيد من التصادم مع أمريكا، بل كان يرغب في تفضيل التعامل معها عن غيرها، ولا أدلّ على ذلك من زيارته لها بعد ثلاثة أشهر فقط من تحرير كوبا من أيدي الأمريكان، وفرار عميلها رمز الفساد وعربونه الرئيس باكستا1959. - وبما أن النظام الجديد في كوبا إنبنى على تحطيم سيطرة الاحتكارات والإقطاع أقدم على مصادرة الأراضي وتوزيعها على الفلاحين الضعفاء، أقلق أمريكا وطابورها الخامس في كوبا فأقدمت على ممارسة الضعف الاقتصادي والسياسي على كوبا في محاولة منها لتدمير نظامها الثوري وإن لم يكن ذلك فتركيعه وإن لم يتحقق ذلك فتقزيمه وتحجيمه. - ولما وجدت ذلك لم يجد نفعا وبخاصّة بعد أن أعلن الاتحاد السوفياتي سنة 1960 دعمه الكامل لخطّة التنمية الزراعية والصناعية في كوبا وما ينجم عنها من مخاطر على مصالحها في المنطقة، فعمدت مرّة أخرى إلى السعي في الأرض فسادا بإقامة مذابح أخرى عن طريق التدخل العسكري وراحت تجمع المعارضة الكوبية، وتدربها على استعمال السلاح للقيام بانقلاب على النظام الكوب-كاسترو الجديد، إذْ قامت في الثاني عشر من شهر أفريل 1961 بإنزال مسلحي الطابور الخامس في خليج الخنازير لتنتهي المعركة يوم التاسع عشر من الشهر نفسه والسنة ذاتها لصالح الشعب الكوبي بقيادة كاسترو فأُسِّر الغزاة عن بكرة أبيهم بقادتهم وبخبرائهم ليتقدم على إثر ذلك الرئيس »فيدال كاسترو« الحائز على جائزة لينين بعرض لأمريكا يفضي إلى استبدال كلّ أسير لديه بجرار زراعي فنجح في دعم برنامجه بالعديد من الجرارات وكان له الاختيار في من يستبدله ومن يبقي عليه تحت قبضة الثورة الكوبية. - فماذا سيكسب كاسترو الأصغر من عملية التطبيع لفائدة كوبا من غير فتح أبوابها للمنتوجات الأمريكية وفتح حدودها لهجرة الكوبيين إلى أمريكا الذين سيسبقون في نظرها أحفاد كريستوف كولومب الإسباني المكتشف لجزيرة كوبا، بعد أن كسب كاسترو الأكبر لبلده الاستقلال وعددا هائلا من الجرارات الذي ما كان تحصّنه بالارتماء في أحضان الاتحاد السوفياتي الشيوعي إذ ذاك إلّا بسبب الإنزال الأمريكي في خليج الخنازير..!؟