عطية: فوز حدادي بمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي إنجاز دبلوماسي كبير يكرس العمق الإفريقي للجزائر    جانت : إقبال كبير للجمهور على الأيام الإعلامية حول الحرس الجمهوري    شايب يؤكد على الأهمية التي يوليها رئيس الجمهورية لتشجيع أبناء الجالية على الاستثمار في الجزائر    وزير العدل يجتمع برؤساء ومحافظي الدولة    تسويق حليب البقر المدعم سمح بخفض فاتورة استيراد مسحوق الحليب ب 17 مليون دولار    متعامل النقال جازي يسجل ارتفاعا ب10 بالمائة في رقم الأعمال خلال 2024    بداري يرافع لتكوين ذي جودة للطالب    معرض دولي للبلاستيك بالجزائر    الصحراء الغربية : ندوة سياسية بفرانكفورت حول مسار النضال القانوني لجبهة البوليساريو    هكذا ردّت المقاومة على مؤامرة ترامب    حملات إعلامية تضليلية تستهدف الجزائر    هذه رسالة بلمهدي للأئمة    طواف الجزائر 2025 (المرحلة 8): 76 دراجا عند خط انطلاق مرحلة الاغواط -غرداية على مسافة 8ر197 كلم    فريقا مقرة وبسكرة يتعثران    الجزائر تواجه الفائز من لقاء غامبيا الغابون    انخفاض حرائق الغابات ب91 بالمائة في 2024    هل تكبح الأسواق الجوارية الأسعار في رمضان؟    وزارة الصحة تحيي الأسبوع الوطني للوقاية    أمن البليدة يرافق مستعملي الطرقات ويردع المتجاوزين لقانون المرور    قِطاف من بساتين الشعر العربي    كِتاب يُعرّي كُتّاباً خاضعين للاستعمار الجديد    هكذا يمكنك استغلال ما تبقى من شعبان    الحماية المدنية تواصل حملاتها التحسيسية للوقاية من الأخطار    المغرب: تحذيرات من التبعات الخطيرة لاستمرار تفشي الفساد    عرض فيلم "أرض الانتقام" للمخرج أنيس جعاد بسينماتيك الجزائر    محمد مصطفى يؤكد رفض مخططات التهجير من غزة والضفة الغربية المحتلتين    سفيرة الجزائر لدى أثيوبيا،السيدة مليكة سلمى الحدادي: فوزي بمنصب نائب رئيس المفوضية إنجازا جديدا للجزائر    بمناسبة تأسيس الندوة الجهوية حول تحسين علاقة الإدارة بالمواطن    " لطفي بوجمعة " يعقد اجتماعا مع الرؤساء والنواب العامين للمجالس القضائية    حسب مصالح الأرصاد الجوية " أمطار "و" ثلوج " على عدد من الولايات    الرابطة الأولى: نجم مقرة واتحاد بسكرة يتعثران داخل قواعدهما و"العميد " في الريادة    موجب صفقة التبادل.. 369 أسيراً فلسطينياً ينتزعون حريتهم    الذكرى ال30 لرحيله : برنامج تكريمي للفنان عز الدين مجوبي    المهرجان الثقافي للإنتاج المسرحي النسوي : فرق مسرحية تتنافس على الجائزة الكبرى "جائزة كلثوم"    إعفاء الخضر من خوض المرحلة الأولى : الجزائر تشارك في تصفيات "شان 2025"    "سوناطراك" تدعّم جمعيات وأندية رياضية ببني عباس    اختتام دورة تكوينية لدبلوماسيين أفارقة بالجزائر    تضاعف عمليات التحويل عبر الهاتف النقّال خلال سنة    6 معارض اقتصادية دولية خارج البرنامج الرسمي    مشاركون منتدى وكالة الأنباء الجزائرية..إبراز أهمية إعلام الذاكرة في تعزيز المناعة السيادية ومجابهة الحملات التضليلية    22 نشاطا مقترحا للمستثمرين وحاملي المشاريع    انطلاق التسجيلات للتعليم القرآني بجامع الجزائر    تنسيق بين "أوندا" والمنظمة العالمية للملكية الفكرية    الديوان الوطني للمطاعم المدرسية يرى النور قريبا    جامع الجزائر.. منارة حضارية وعلمية وروحية    حمّاد يعلن ترشحه لعهدة جديدة    دراجات: طواف الجزائر 2025 / الجزائري ياسين حمزة يفوز بالمرحلة السابعة و يحتفظ بالقميص الأصفر    اتفاقية بين وزارتي المالية والفلاحة    محرز ينال تقييما متوسطا    كيف كان يقضي الرسول الكريم يوم الجمعة؟    سايحي يواصل مشاوراته..    صناعة صيدلانية : قويدري يبحث مع نظيره العماني سبل تعزيز التعاون الثنائي    وزير الصحة يستقبل وفدا عن النقابة الوطنية لأساتذة التعليم شبه الطبي    وزير الصحة يستمع لانشغالاتهم..النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة تطالب بنظام تعويضي خاص    وزير الصحة يلتقي بأعضاء النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة للصحة العمومية    هذه ضوابط التفضيل بين الأبناء في العطية    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوزير السابق، الدكتور بوجمعة هيشور: "لا أعتقد تكرار سيناريو مماثل لسنة 1986" (حوار-الجزء الثاني)
نشر في صوت الأحرار يوم 14 - 07 - 2015

الجزء الثاني- يتحدث العضو القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني والوزير السابق، الدكتور بوجمعة هيشور، في الجزء الثاني من الحوار الذي خص به "صوت الأحرار"، عن رهانات الوضع الاقتصادي في الجزائر خاصة بعد تراجع أسعار المحروقات، هل الجزائر مهددة بتكرار سيناريو الثمانينات، بعد أن قد تطرق في الجزء الأول من الحوار المنشور، أمس، إلى قضايا سياسية ذات صلة بالرئيس، الأفلان والحراك السياسي الذي تعرفه البلاد.

تمر الجزائر بوضع اقتصادي صعب، نتيجة تراجع أسعار المحروقات، ما الحل؟
التساؤل حول مستقبل الطاقة في بلادنا مطروح بحدة، خصوصا وأن 98 ٪ من مداخلنا من العملة الصعبة تأتينا من النفط والغاز. في الوقت الذي أتحدث إليكم سعر البرميل هو أقل من 60 دولار. الطاقة اليوم تتحكم في العالم. فمن منطلقها يعاد ترتيب السياسات العالمية الجديدة. فلننظر ما يحدث من حولنا. تنظيم الدولة الإسلامية للعراق والشام داعش ماض في بيع النفط بأكثر من 3 مليار دولار لتركيا وبلدان أخرى بأثمان بخسة، ثلثي الموارد النفطية وأكثر من ثلث الغاز الطبيعي هي في أيدي البلدان العربية. النفط هو مصدر كل النزاعات والأطماع.
فبلادنا ما تزال تعتمد على المداخيل النفطية، كل انخفاض أو ارتفاع لسعر البرميل له علاقة بالمداخيل من العملة الصعبة وبالتالي له تأثير مباشر على ميزانية الدولة والبرامج التنموية. لقد بلغ عجز الموازنة حوالي 455 مليار دينار خلال الثلاثي الأول لسنة 2015 لتصل على هذا المعدل إلى 1825 مليار دج نهاية عام 2015، في حين سيكون 2570 مليار دج بصندوق ضبط الإيرادات إذا كان هناك استنزاف. وعلى أكثر تقدير فلن يقل العجز في ميزان المدفوعات عن 30 مليار دولار.
يجب الإشارة إلى أن الحجم المالي للخماسي 2014/2019 يقارب 262 مليار دولار لا تزال 30 إلى 35 ٪ لم تنجز بعد، حسبت على أساس 115 إلى 120 دولار للبرميل. كيف يمكن ضبط وتعديل قانون المالية التكميلي لعام 2015 ونحن نتجه في حدود 80 مليار من خروج العملة بما في ذلك التحويلات القانونية لرأس المال. فأحدث تقرير صادر عن وزارة الطاقة في 4 سبتمبر 2014 يؤكد إلى انخفاض 10 مليار دولار.
وإذا نزل سعر البرميل إلى 50 دولارا ستكون آثاره وخيمة على التماسك الاجتماعي.
للتذكير فإن مداخيل سوناطراك بين عامي 2000 و 2013 بلغت أكثر من 700 مليار دولار. ووصلت الواردات بالعملة الصعبة لنفس الفترة إلى 500 مليار دولار. السوق الموازية تغطي 65 ٪ من المواد ذات الاستهلاك الواسع و 40 ٪ من الكتلة النقدية التي تدور في السوق السوداء تعرقل سياسة الدولة ، بلادنا استوردت في 2013 مثلا من الوقود ما يقارب 3.5 مليار دولار استفادت منها عصابات التهريب.
لذلك فإن إجبارية استعمال الصكوك البنكية تعتبر جزء من الحلول للتحكم في السوق على شرط تنظيم وإصلاح المنظومة البنكية، سواء على مستوى المؤسسات المصرفية أو الادراة الجبائية ، الدينار الجزائري برغم سياسة الحذر للبنك المركزي الجزائري ما زالت قيمته في تدني بالنسبة للدولار.
عادة، ما يجري الحديث عن ضرورة التفكير جديا في مرحلة ما بعد النفط، من خلال تنويع الصادرات وتطوير القطاع الصناعي، لكن الحديث لم يتجاوز حدود الأمنيات.
التفكير في مرحلة ما بعد البترول كان محل دراسة واهتمام من طرف كل الحكومات المتعاقبة. فالبرنامج الوطني لتنمية الزراعة PNDRA هو واحد من السياسات التي طبعت إعادة إحياء الزراعة ولكن نظرا لنسبة السكان التي وصلت إلى 40 مليون نسمة وما يقابلها من المتطلبات اللازمة لسد الاحتياجات الغذائية والدواء والمواد الأولية بحثا عن الرخاء والعيش الرغيد للفرد الجزائري، فالمواد الغذائية والزراعية المستهلكة هي على نفس الكم من البروتينات مثلها مثل البلدان المتقدمة ، فالجزائر لا تزال تعتمد على سوق الحبوب العالمية من خلال استيراد كميات كبيرة من القمح اللين ، القمح الصلب والشعير. للإشارة فقط إذا ما أخذنا في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2015 (الشعير القمح والذرة)، زادت الواردات بنسبة 14.04٪ بقيمة 1.65 مليار دولار وفقا لمركز إحصاءات الجمارك. وواردات الأشهر الخمسة حسب المركز الوطني للإعلام الآلي والإحصاء CNIS هي حوالي 50 مليون قنطار من الحبوب. للتذكير الجزائر استوردت في 2014 ما يقارب 3.54 مليار دولار من الحبوب في حين بلغ المحصول من الحبوب 43 مليون قنطار. فحملة الحصاد لهذا العام من المتوقع أن تمس مساحة 3.3 مليون هكتار منها 1.5 مليون هكتار مخصصة للقمح الصلب و 1 مليون هكتار من الشعير، 600000 هكتار من القمح اللين و 000 100 هكتار من الشوفان.
فحسب تقديرات السلطات العمومية ستبلغ 70 مليون قنطار في عام 2019. مادة الحليب أيضا وعلى الرغم من جمع الحليب الطازج فنحن نستهلك حوالي 3 مليار لتر سنويا وننتج الثلث فقط. في الواقع يتم استيراد ثلثي مسحوق الحليب. والصادرات خارج المحروقات لم تتجاوز أبدا ملياري دولار. إذا عدنا للقطاع الصناعي فانه لا يمثل إلا 5٪ من الناتج الإجمالي المحلي و 95٪ من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة دون الإستراتيجية ودون فعالية . ويقدر احتياطي النفط دون استغلال النفط الصخري بحوالي 12 مليار برميل يؤول للنفاد بعد 15 سنة. تجاوز استهلاك الداخلي 400000 برميل في اليوم. 60٪ من وارداتنا مقومة ومحسوبة باليورو.
هناك من يتخوف من تكرار سيناريو الصدمة البترولية التي عاشتها الجزائر سنة 1986، ما مدى صحة هذه التخوفات، خاصة مع الشروع في استهلاك احتياطي الصرف؟
لا أعتقد أنه سيكون هناك سيناريو مماثل لسنة 1986 لأن تلك الأزمة كانت مفاجئة ولم نستعد لها بالقدر الكافي، فلم تكن هناك استراتيجية اقتصادية لتجنبها. نتذكر أن الجزائر عندما مستها الأزمة، باشرت في القيام بإصلاحات اقتصادية ثم سياسية اضطرت خلالها اللجوء إلى الصندوق النقدي الدولي، اليوم الجزائر دفعت ديونها الخارجية مسبقا إلى جانب احتياطاتها من العملة الأجنبية، لكن إذا استمر سعر البرميل في الانخفاض سيؤدي ذلك تدريجيا إلى تهلهل صندوق ضبط الإيرادات الذي بدأ ينقص ويستنزف بسبب الموازنة في عجز الميزانية.
من جهة أخرى هل بلادنا ستواصل نفس الوتيرة في الإنفاق العام والاعانات المالية من دون مقابل من الانتاج في ظل توترات على صعيد الجبهة الاجتماعية ؟ الخطر ربما سيكون في حدود ثلاث أو أربع سنوات حتى يمكننا عندها التكلم عن النقص في الاحتياطات من العملة الصعبة والتي ستنزل حسب الخبراء من 200 مليار دولار إلى 9 ملايير فقط ، وذلك في حال بقاء النفط عند هذا المستوى من السعر، حاليا هناك 190 مليار دولار احتياطيات و173 طن من الذهب منها 86٪ وضعت في الخارج في مستوى 90٪ في سندات الخزينة الأمريكية مع معدل 3 ٪ إجباري وثابت. في حين العجز في قانون المالية لسنة 2015 تجاوز 52 مليار دولار.
إذن، هناك حاجة إلى نهضة وطنية ووعي من الجميع، لأنه إذا استمرت أسعار النفط في النزول فإننا سنكون مهددين حتى في أمننا. فعلى المدى القصير يجب ترشيد الإنفاق العام وجمع مستحقات الخزينة العمومية مع إعادة النظر في بعض المشاريع، ما عدا الأولويات والضروريات منها وتأجيل بعضها إلى ظروف أحسن، وعلى المدى المتوسط والبعيد التقليل من التبعية النفطية بتنويع الاقتصاد الوطني مع أكثر احترافية في تسيير المؤسسات الخالقة للثروة والبحث عن مصادر أخرى ولماذا لا استغلال هذا الاستقرار الذي تنعم به الجزائر لجلب العملة الصعبة عن طريق شراكة أجنبية مربحة للطرفين و للسياحة دورها الذي تلعبه أيضا.
يجب مسح واستبدال نسبة 98 في المائة من المداخيل النفطية التي يعتمد عليها الناتج الإجمالي المحلي من قاموس المحللين والخبراء الاقتصاديين الذين ضجروا من هذه النسبة التي أصبحت ثابتا لا متغيرا، نحن نحلم بانخفاض هذه النسبة لنسب أخرى مصدرها من الزراعة و الصناعة، الجزائر لديها الامكانيات المادية والبشرية للاقلاع الاقتصادي دون اعتماد كلي على سياسة الريع النفطي. حان الوقت بأن تستثمر وتستفيد الجزائر من الذكاء الوطني من خريجي الجامعات ومن التكوين المهني لبعث وتيرة الاقتصاد المقابل للنفط وهذا تقريبا ما أشار إليه الرئيس في رسالته الأخيرة.
تحدثتم في تصريحاتكم الأخيرة، عن بن فليس، هل من توضيح أكثر؟
والله بكل صراحة لا أحبذ كثيرا الجواب عن هذا السؤال الذي أصبح من الماضي بالنسبة لي وأعتقد أنني قلت ما فيه الكفاية حول هذه المسألة. عندما أفصحت عن رأيي لم تكن لدي رغبة بالركوب وكنت راكبا آنذاك، لأنني كنت عضوا معينا في الثلث الرئاسي بمجلس الأمة، يعني لو كان الخيار لغيري ربما كان سيلتزم التستر ويجعل الأمور تسير كما خطط لها، ولكن أخلاقي السياسية لا تسمح لي بأن أرى خيوط المؤامرة أو الخيانة تنسج من حول من منحني ثقته وعينني بالثلث الرئاسي وأبقى ساكنا وساكتا، هذا ليس من شيمي ولا من طبعي في الوقت الذي كان الرئيس يحلف برأس بن فليس بمعنى آخر، بإفصاحي وضعت مستقبلي السياسي على كف عفريت، طبعا معرفتي للرجال واحتكاكي بهم وممارستي الطويلة في السياسة جعلتني متأكدا بأن شيئا ما يحاك في الأفق خاصة لما شاهدت نوعية الرجال التي أحاط بها بن فليس نفسه والتي وضعت تقريبا في كل المؤسسات الهامة ثم تمكنه من الاستحواذ على الحزب في المؤتمر الثامن، النية كانت واضحة هي الذهاب بقوة إلى رئاسيات 2004، وهنا بدأت المعركة الميدانية التي أتعبتنا كثيرا من أجل استرجاع الحزب ، فكانت أول وثيقة كتبتها أنا شخصيا عنونتها الحركة التصحيحية لحزب جبهة التحرير الوطني، استلهمتها من الحركة التجديدية التي خططت بيان أول نوفمبر 1954 ومن هنا بدأت الانطلاقة ، وأول من اتصلت به آنذاك السعيد بوحجة والأمين العام الحالي عمار سعداني وكان المنسق الوطني للجمعيات المساندة لبرنامج رئيس الجمهورية وكنت منسق ولاية قسنطينة، الذي كان مقتنعا بالفكرة وكنا أول من فكر في إنشاء محافظات موازية جل مناضليها من حزب جبهة التحرير الوطني الذين أقصوا وأبعدوا في عهد بن فليس والتحقوا قبل ذلك ولحسن الحظ بالتنسيقية الوطنية للجمعيات المساندة لبرنامج الرئيس وكانوا كثرة ما سهل من مهمتنا . ثم ركب الموجة الجميع وتعممت في كامل التراب الوطني.
ولما أميلت الكفة بوضوح لصالح الرئيس، الكثير من الانتهازيين أصبحوا هم أصحاب المبادرة ووصلوا إلى قيادة الحزب دون تعب وعناء ولا إيمان بالقضية، ومن أجل مصلحة الحزب تركنا الأمور تسير بليونة دون إحداث المشاكل لأن هدفنا آنذاك ليس تبوأ المناصب بقدر ما كنت أنا شخصيا في مهمة ثقة ورد الجميل للرئيس وليس شيئا آخر. وأتوقف هنا لأن الحديث يطول. وحتى لا يظن البعض أنني أستثمر في هذه المواقف وإن كان جلب لي العرفان من الرئيس نفسه ولكن في نفس الوقت جلب لي الكثير من المتاعب وأتحمل المسؤولية وموقفي مع الرئيس ثابت لا يتغير إلى يوم الدين.
كيف ترون الجزائر بعد 53 من استرجاع الاستقلال الوطني؟ أين أخفقت؟
لما ذهب الاستعمار ترك الجزائر خاوية على عروشها ، ترك شعبا فقيرا في معظمه، أميا لا يعرف القراءة ولا الكتابة، منهوكا من ويلات الحرب وسياسة القمع والتجويع إلى غاية تجريده حتى من دينه وهويته يعني شيئا تقشعر له الأبدان ولا يصدقه العقل، باستثناء بعض المباني التي أقامها لنفسه محتسبا خلوده في هذا الوطن، ما عدا ذلك كل شيء بدأناه من الصفر، فبعد استرجاع السيادة الوطنية كان لجبهة التحرير الوطني بعدما قادت معركة التحرير أن تحمل على عاتقها معركة أخرى لا تقل صعوبة عن سابقتها وهي بناء دولة ديمقراطية واجتماعية في إطار قيم و مبادئ الشريعة الإسلامية، كما جاء في بيان أول نوفمبر 1954. لبلوغ جزائر لها مكانتها ما بين الدول المتقدمة، فلنقم بمقارنة ونقيم كيف كنا في 1962 وما نحن عليه الآن ، شتان بين الأمس واليوم.
بعيدا عن ثقافة النسيان وفقدان الذاكرة، الجزائر اليوم دولة حديثة بكل ما تحمله الكلمة من معني من ألف إلى مليون ونصف مليون من الطلبة الجامعيين في مختلف الاختصاصات والمستويات. من جامعة واحدة إلى المئات من الجامعات والكليات والمعاهد. في وقت نحن ماضون في المجال الاقتصادي العلمي من أجل بناء مجتمع مبتكر، الكثير من الانجازات الضخمة تشكل مفخرة للأمة.
لقد عبأت الجزائر حجما ماليا قارب 800 مليار دولار في الخمسة عشر سنة استغلت في مشاريع هامة وجوهرية، لدينا جيش محترف، يمتلك أعتى التكنولوجيات الحديثة، يقف ساهرا على سلامة الوطن و الحدود.
إن كل تنمية لا تخلو من الأخطاء التسييرية ، المهم أن الشعب يلاحظ ويحكم ما بلغته هذه الانجازات من تقدم ومدى أهميتها في مساعدة المجتمع على التطور والتقدم إن على المستوى الاقتصادي أو الثقافي، كيف نحارب البيروقراطية التي ما زالت ترهق المواطن وتعرقل السير الحسن لمؤسساتنا، وللأجيال الصاعدة التي تستلم المشعل مهمة خلق أجواء الثقة بين الادارة والمواطن وبين الحاكم والمحكوم. ونحن نشرف على النصف الثاني من القرن الواحد والعشرين فإن الجيل السابق يستعد لمنح المشعل للجيل الجديد لمواصلة التنمية الاقتصادية والتكنولوجية ما يجعل بلدنا صاعدا ما بين الأمم.
المنطقة العربية تجتاز وضعا صعبا، في رأيكم هل الجزائر أصبحت بمنآى عن تداعيات ما يسمى الربيع العربي؟
جميل أن نتحدث عن الربيع الذي يرمز لكل شئ فاتن، لكن الربيع الذي يجلب الحزن والفتن ورائحة الموت لا يوجد في قواميس اللغات كلها، هو حق أريد به باطل بعدما روج له إعلاميا ليصبح مصطلحا مرادفا للحرية والديمقراطية، استعمل لغايات استراتيجية نفذتها الدول الكبرى لإعادة الخريطة الجيوسياسية والتحكم في الثروات النفطية. كلمة الربيع العربي أكذوبة العصر ومن يصدقها فهو واهي ومن أراد أن يعرف الحقيقة فلينظر إلى ما يجري حولنا. كل البلدان التي دخلها هذا الربيع تحصي موتاها كل يوم.
والحقيقة أن ما يسمى بالربيع العربي هو مخطط بوش الأب والابن من أجل غزو العالم العربي باسم الديمقراطية، من خلال خلق ما يسمى بمفعول الدومينو من أجل الوصول إلى المبتغى، نظرية بريجينسكي المعروفة بالفوضى الخلاقة التي مهدت لمرحلة ما بعد حرب العراق والتحاق أوباما من الحزب الديمقراطي بالبيت الأبيضن الذي ومنذ خطابه يوم 04 جوان 2009 في جامعة القاهرة لمح إلى الربيع العربي.
عندما كنت أسير مركز الدراسات، التحليل والاستشراف لحزب جبهة التحرير الوطني قيمت وزملائي كل السيناريوهات التي يمكن أن تكون مستقبلا وما كان سيحدث في الوطن العربي، المجموعة التي أشرفت على هذا الموضوع خرجت ببعض الاستنتاجات الهامة لمعرفة الدوافع والأبعاد. السؤال الذي تبادر للأذهان آنذاك ، هل نحن مستهدفين من هذا المخطط الجهنمي الذي يهدف إلى تفكيك أمم وأوطان كاملة؟ تقريبا على طريقة مارك سيكس وجورج بيكوت، بالنظر للتحاليل استنتجنا أن الشعب الجزائري مر بتجربة مريرة مما تجعله حذرا أكثر من الشعوب الأخرى. دخول داعش في اللعبة الذي حل محل القاعدة والذي يهدف إلى تحطيم الأوطان باسم ما يسمى دولة الخلافة الاسلامية ، ثم التحاق وانضمام تنظيم القاعدة بالمغرب العربي بالساحل بداعش وهشاشة الوضع الأمني بالجارة ليبيا وصعوبة بسط الأمن بتونس، كل ذلك يشكل تهديدا مباشرا للجزائر، ثورة الفايس بوك والتويتر وشبكات التواصل الاجتماعي التي استطاعت أن تمس بسهولة بموازين القوى. الأمن الطاقوي هو متصل دائما بأمن أمريكا وأمن الجزائر كمصدرة للغاز والبترول متصل بمداخيلها من العملة الصعبة التي تأتيها من هذه الثروة.
الجزائر بلد مقاوم منذ آلاف السنين والثورة التحريرية المجيدة أعطته الحصانة التي تمكنه أن يجتاز الصعاب مهما كانت الظروف وتجربة التسعينات التي وإن تركت آثارها الوخيمة في نفوس الجزائريين إلا أن الجزائر خرجت منتصرة بفضل التضحيات الجسام لأفراد الجيش الوطني الشعبي ومختلف الأسلاك الأمنية والدفاع الذاتي ، زد إلى ذلك وعي الشعب الجزائري الذي حفظ الدرس والشعور بمسؤولية الحفاظ على الوطن ومكتسبات الثورة المجيدة.
بوجمعة هيشور أستاذ في الاقتصاد ويحظى علم الأنساب والسلالات باهتماماته، كيف يوفق بين الاختصاصين ؟
نعم، مساري الأكاديمي بدأ بالحصول على ليسانس في العلوم الاقتصادية، اشتغلت فيها عن حصة الغاز في التنمية، ثم شهادة الماجيستير تطرقت فيها إلى كيفية التقليل من التبعية الغذائية والزراعية لبلادنا وتوج مساري بالحصول على دكتوراه دولة وكانت معنونة " من الأزمة إلى ضبط المنظومة المصرفية والنقدية والمالية الدولية" وكانت تدور في البحث عن النمذجة في النظام النقدي .
اهتمامي بعلم الأنساب ودرست الجزائر كنموذج، أصدقك القول بأن الخوض في هذا المجال وهذا النوع من البحوث فيه متعة كبيرة التي تجعلك دائما تبحث عن الأصول وجذور كل منطقة من الجزائر وهو علم قائم بذاته له أهدافه وطرقه الخاصة يصب فيه الكثير من القواسم المشتركة للكثير من العائلات والأشخاص ابتداء من تاريخهم وأصولهم إلى التطورات التي حصلت ومست هذه العائلات من القديم إلى اليوم. الباحث في علم الأنساب مضطر للاطلاع على كل ما يحيط بهذا العلم من سوسيولوجية، اثنولوجية ،انتروبولوجية ، علم الجينات والوراثة، علم الأثار وأيضا علم الاقتصاد والهدف من كل ذلك هو الوصول إلى معرفة القبائل، المصدر والأجداد والأحفاد، السيرة الخاصة والعامة إلخ...
هل تعرضتم إلى موقف صعب خلال مساركم الوزاري؟
قبل أن أكون وزيرا سبق وأن تقلدت عدة مسؤوليات، عملت بديوان الوزارة الأولى مع الوزير الأول عبد الغاني رحمه الله في الثمانينات ، انتخبت مرتين بالمجلس الشعبي الوطني ثم عينت في الثلث الرئاسي بمجلس الأمة، قبل ذلك كنت عضوا بالمجلس الأعلى للقضاء في عهد الرئيسين بومدين والشاذلي رحمهما الله ، سيرت محافظات حزب جبهة التحرير الوطني في مرحلة الحزب الواحد وفي التعددية، يعني كلفت بالكثير من المهام، لكن تبقى مهمة الوزير تتسم بأكثر مسؤولية بطبيعة الحال كرجل متشبع بثقافة الدولة فأنت تشرف مباشرة على قطاعك ولك أن تطبق البرنامج المسطرة من طرف الدولة، من باب ثقل المسؤولية فإنك تحس بذلك مهما كانت قدراتك وخبرتك ، نباهتك أو مهارتك.
لكن عندما تتعود على تحمل المسؤوليات منذ زمن بعيد، فإنك تكتسب من خلالها الخبرة والتجربة التي تؤهلك بأن تتفادى بعض الصعاب، لأن الطريق ليست مفروشة بالورود كما يتصوره البعض. عالم السياسة دائما مملوء بالأشواك والوشاية والتجاذبات التي تحاول أن تؤثر على مسارك و تلوث الجو الذي تعمل فيه، خاصة إذا كنت ناجحا في عملك تكثر من حولك الأحقاد والضغينة وكثيرا من الأحيان تصل بطانة السوء إلى تحقيق مآربها للأسف، وإن كانت يكشف أمرها مع مرور الأيام، لكن بعد أن تكون حققت مظالمها ومبتغاها وتفوت الفرصة على الكثير من الرجالات المخلصة من ذوي الكفاءات وخاصة الثقة ، المهم في كل هذا أنك تؤدي واجبك نحو وطنك وتخدمه بكل نزاهة وتفاني ولا تكترث بما يحاك حولك من مؤامرات، وأيضا أن تكون أهلا لهذه الثقة التي وضعتها الدولة الجزائرية فيك والرئيس على وجه الخصوص.
من هي الشخصية العالمية التي تتأثرون بها؟
الشخصية ربما التي لفتت الانتباه قبل أو بعد رحيلها هو نيلسون مونديلا وأظنه الأكثر تأثيرا لطبيعة وقساوة النضال الذي خاضه في حياته وتوج بإهداء الحرية لشعبه وتخليصه من ظلم واستبداد الأبرتايد والتمييز العنصري.
من هو قدوتكم في الحياة؟
بدون أدنى شك هما الوالدان رحمهما الله و طيب ثراهما، هما اللذان منحاني التربية ، وعلماني معنى الرحمة والسخاء بإنسانيتهما ونبلهما، ولقناني كيف أواجه الحياة بشجاعة في الشدة والرخاء ، باختصار هما اللذان صنعا الرجل الذي هو أمامكم الآن بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بعطفهما وتضحياتهما.
ماذا تمثل لكم، قسنطينة؟
أول هواء استنشقته رئتاي هو مدينة الهوى والهواء قسنطينة، عندما جئت إلى الدنيا ، تربيت وترعرعت فيها ، من خلالها تعلمت معنى حب الوطن ، التسامح واحترام الملكية العامة.
عبد الحميد بن باديس؟
من بداية نضالي إلى يومنا هذا، أنا باديسي وكنت قد شاركت مع زملاء آخرين في إنشاء وتأسيس مؤسسة ابن باديس.
أحمد باي؟
صالح باي يبقي بالنسبة لي الباي الذي مكث أكبر مدة في حكم قسنطينة وهي 22 سنة بقي خالدا من خلال مرثية محزون زيدان قالوا لعرب قالوا، ويضاف له اليوم الجسر العملاق باسمه فهو لا شك تكريم للشخص على ما قدم لباليك قسنطينة آنذاك وعلى المؤرخين تنوير القارئ، لكن أنا أفضل أكثر أحمد باي لأن اسمه اقترن بالمقاومة ضد المستعمر الفرنسي والتي خاضها لمدة 18 سنة .
عبد الحميد مهري؟
عبد الحميد مهري رحمه الله، أنا لم أقرأ عنه وأسمع به كسابقيه ولكن عرفته شخصيا وتعاملت معه ككل الذين واكبوه في المجال السياسي، رجل الرعيل الأول أحترم فيه مواقفه الثابتة إلى آخر لحظة من حياته ونزاهته التي لا غبار فيها،عمل على أن لا تكون جبهة التحرير الوطني مجرد جهاز ، باختصار كان زعيما مثاليا.
ما هو اللون الغنائي الذي يطربكم؟
أنا قسنطيني، أميل كثيرا إلى لون المالوف ولكن أتذوق كل ما هو أصيل من الفن والألحان الشجية، الموسيقى العالمية منذ مدة لم أعد أسمعها ولكني سمعتها كثيرا من قبل، علما أنني درست السولفاج وأعزف على آلة الساكسفون منذ صغري.
مدينة جزائرية عزيزة عليك؟
أنا رجل صلت وجلت في كامل التراب الوطني وكل مدينة دخلتها أحببتها ولي فيها من الذكريات الجميلة والكثير من الأصدقاء، لكن تبقى قسنطينة هي العزيزة إلى القلب.
ما هي الرياضة التي تمارسونها يوميا؟
طبعا ليس كالسابق، اليوم الكثير من مشاغل الدنيا تحول بيننا وبين ممارسة الرياضة يوميا، ولكن كلما أتيحت لي الفرصة على الأقل مرتين في الأسبوع أمارس رياضة كرة القدم ولو لبعض الوقت، أحب أيضا كرة الطائرة ، ولكن تبقى الرياضة المفضلة لدي هي المشي الذي أجد راحتي فيه.
ما هو آخر كتاب قرأتموه؟
الفتوحات المكية للمتصوف ابن العربي.
كيف يقضي السيد بوجمعة هيشور يومياته في رمضان؟
رمضان هو الشهر الوحيد في العام الذي أجد فيه راحتي، لأنني أتفرغ أكثر للعبادة وقراءة القرآن والتفاسير القرآنية مع مشاهدة بعض البرامج العلمية الخاصة بالدين والترفيهية أيضا، لكن لا يمنعني ذلك من الذهاب إلى السوق واقتناء لوازم الفطور بنفسي.
ما هي تمنياتك للشعب الجزائري ونحن على مشارف عيد الفطر المبارك؟
والله ككل مسلم، أتمنى أن يعيش شعبنا في سلم واستقرار، وأن يأتينا العيد وفيه من الرحمة و المودة والإخاء ما يبعد به الله عن بلدنا العزيز نار الفتنة، راجيا من الله أن يتقبل منا الصيام والقيام ويغفر لنا الذنوب وزلات اللسان. وشكرا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.