في مثل هذا اليوم من العام 2014، دخل العدوان الصهيوني على غزّة يومه الثامن، والقطاع يرزح تحت نيران قصف مدمّر شنّته الآلة العسكرية الصهيونية. عدوان أتى على الأخضر واليابس، ولم يستثنى خلاله لا طفل ولا امرأة ولا شيخ، لا أعزل ولا مسلّح، فكانت الحصيلة كارثية. وفي هذا الحوار الذي خصّه المراقب الدائم لفلسطين في الأممالمتحدة، إبراهيم خريشي ل»صوت الأحرار«، حمّل محدّثنا حركة حماس مسؤولية إعاقة إعادة الإعمار في غزة، من خلال »خرقهم للتفاهمات التي سطّرت مع المانحين«. كما تطرّق السفير في هذا الحوار إلى ملف المفاوضات، وأكّد أنّه لا عودة لطاولة الحوار والاستيطان متواصل وسرقة الأرض مستمرة وبناء حقائق على الأرض مستمر، وقال في الوقت ذاته إنّ الصهاينة الآن يتحجّجون بالانقسام للتهرّب من مسؤولياتهم تجاه الشرعية الدولية، وهذا نصّ الحوار. بعد مرور عام على العدوان الصهيوني على غزّة، تتصاعد التحذيرات بأنّ القطاع يتوجّه نحو الانهيار وعلى كافة الأصعدة والمستويات، فالأوضاع هناك كارثية جراء الدّمار الذي خلّفته آلة الحرب الصهيونية، وهو ما انعكس سلبا على كافة مناحي الحياة اليومية هناك. فما مصير مشروع إعادة إعمار غزّة خاصة ؟ وما أسباب تأخير عملية إعادة الإعمار؟ حتى أكون صريحا في هذا الأمر وبدون أي تردد. من يتحمل مسؤولية إعاقة إعادة الإعمار في غزة، هم الإخوة في حركة حماس، لأنهم وافقوا أثناء مؤتمر شرم الشيخ على المعايير التي تم التوافق عليها من قبل المانحين، والتي تؤكّد على أنّ كل الأموال التي تجمع وكل المواد التي يراد إدخالها، يجب أن تكون من خلال حكومة التوافق الوطني، ودور الحكومة فقط استلام هذه المواد وتسليمها لمؤسسات الأممالمتحدة وبالأساس الأونروا وغيرها. يوجد شرط آخر، ينصّ على أن المعابر يجب أن تكون تحت وصاية السلطة الشرعية برئاسة محمود عباس، وحتى اللحظة الإخوة في حماس يرفضون الأمر ويريدون استلام المساعدات والمواد وتوزيعها بالطريقة التاي تناسبهم. ودعي أقول لك، إنّ المانحين أبدو تخوفهم بشكل واضح، ومفاد هذا التخوّف »من يضمن لنا إذا سلمنا لكم هذه المواد، ألا تبدأ حماس في بناء أنفاق جديدة للقيام بعمليات ؟« ضد الاحتلال الصهيوني. بالتالي جزء كبير من الدول الأوروبية والغربية وأصدقائنا في العالم تعهدوا بتلك المبالغ بشريطة أن تذهب تلك الأموال لمن دمرت بيوتهم ولبناء أو إعادة بناء البنى التحتية التي تم تدميرها، وليس لهذا الفصيل أو ذاك، ونحن مع هذا المبدأ، هذه المساعدات للشعب الفلسطيني، حتى يستطيع أن يلتقط أنفاسه، نظرا للوضع الاقتصادي المخيف. عندنا في قطاع غزة نسبة بطالة تناهز ال60 بالمائة، وحوالي 80 بالمائة من السكان يعيشون على الإعانات الاجتماعية، و40 بالمائة من السكان تحت خط الفقر، وكل هذا قد يؤدّي إلى انفجار لا نعرف مداه. أخيرا نأمل أن تكون الحكمة والمصلحة الوطنية هي التي تقود الكل باتجاه لملمة البين الفلسطيني، وإعادة تضميد الجراح بعد ما حصل على قطاع غزة من عدوان وحصار صهيوني، كما علينا أن نتعامل بمسؤولية عالية مع هذا الأمر. جاء ملف الانقسام الفلسطيني، ليزيد القضية تعقيدا. ويرى المتتبّعون أنّ الانقسام يضع الاحتلال في وضع مريح جدا، حتى أنّ الصهاينة يصرّون الآن على أنّه لا مفوضات دون الحديث عن »دولة يهودية« ودولة فلسطينية "منزوعة السّلاح"؟ صحيح، الصهاينة الآن يتحجّجون بالانقسام للتهرب من مسؤولياتهم تجاه الشرعية الدولية، ويروجون مقولة مفادها، "محمود عباس من يمثّل ؟؟". لكن دعني أعود إلى الوراء. لقد قمنا بتشكيل حكومة التوافق الوطني في شهر جوان من العام الماضي، وللأسف إخواننا في حماس ارتكبوا حماقة بخطف المستوطنين الثلاثة وأعطوا مبرّرا للكيان الصهيوني بالعدوان على غزّة، وهو عدوان يعلم تكلفته العالم بأسره. دمّرت أحياء كاملة بقطاع غزة، 2200 شهيد، 11 أو 12 ألف جريح منهم حوالي 30 بالمائة معاقين، ودمار البنى التحتية. نحن نحاول جاهدين ونعي جيدا أنه لا يمكن أنّ نتقدّم أيّ خطوة باتجاه إقامة الدولة الفلسطينية دون تحقيق الوحدة الوطنية، ونعمل مع الإخوة في حركة حماس لتحقيق ذلك، ولذا على الحركة أن يكون انتماؤها لفلسطين وليس لخارج فلسطين ولا يجوز لهم أن يكونوا مع طرف عربي ضد آخر، وهو ما وقعت فيه الحركة التي هي جزء من حركة الإخوان المسلمين العالمية. الكل يذكر أنّه في اليوم ال14 للعدوان على غزة وحينما جاءت مصر بمبادرة وقف إطلاق النار، وافق عليها الاحتلال لكنّ حماس لم توافق بقرار من أطراف إقليمية. واستمر العدوان وزادت الخسائر لغاية اليوم الواحد والخمسين حيث توقف العدوان ووافقت حماس على وقف إطلاق النار دون أيّ شرط، بينما لم تحقق أيا من مطالبها المتعلقة بالميناء وفك الحصار وما إلى غير ذلك. يعني حماس ساقت الخسائر فقط للقطاع، لأنّ الإرادة لم تكن إرادة فلسطينية وإنما إرادة خارجية وهذا هو الخطأ الذي وقعت فيه حماس. وعليه، نأمل أن يتطلع إخواننا وأشقاؤنا في حماس أكثر للمسألة الفلسطينية، نحن نسير وفق قاعدة مفادها أنّ عنوان القضية وبوصلة نضالنا وكفاحنا هي القدس، ومن يغيب عن هذه البوصلة يقع في الخطأ. ونأمل أن يتم التوافق مع حماس على آليات لإنهاء الأزمة وأهمها الانتخابات. هل ترون إمكانية للعودة إلى المفاوضات في الوقت الراهن؟ علينا ضغوطات كثيرة للعودة للمفاوضات، لكن موقفنا واضح. لا ولن نعود إلى هذه الحلقة المفرغة. بعد أكثر من 22 سنة من مفاوضات دون أي نتائج والاستيطان متواصل وسرقة الأرض مستمرة وبناء حقائق على الأرض مستمر، نحن مستعدون للمفاوضات بشروط. أولا، وقف الاستيطان، وثانيا، موضوع الأسرى الذين تمّ الاتفاق على إطلاق سراحهم برعاية أمريكا وكيري شخصيا، والموضوع الثالث، تحديد فترة زمنية لإنهاء الاحتلال. فإذا ما قبلوا بذلك فنحن مستعدون، وإذا بقوا رافضين، فلا أعتقد أنّ هناك إمكانية للعودة إلى مفاوضات عبثية يستفيد الاحتلال من خلالها بالوقت. أعتقد أنّ رفض الحكومة الصهيونية لأيّ ممّا سبق ذكره، هو إضرار بنفسها، فالعالم لم يعد يتحمّل عنجهية القيادة الصهيونية الحالية. وتتذكر يوم 15 مارس الماضي، حين أعلن نتنياهو أنه إذا تم إعادة انتخابه فسيقاوم إمكانية قيام دولة فلسطينية وسيعمل على استمرار الاستيطان وتهويد القدس. وبالتالي هو أعلن عن موقفه وهذا هو برنامجه وهذا هو الائتلاف الحاكم. إلا إذا تم تغيير ذلك بضمانات دولية ولبى الاحتلال الاتفاق حتى لا نقول الشروط، فوقف الاستيطان هو ما اتفق عليه في مفاوضات أنابوليس والرباعية الدولية وكل قرارات الشرعية الدولية. وإذا حصل ذلك فممكن العودة إلى المفاوضات، وما دون ذلك فلا إمكانية ولا نية للمفاوضات. ألن تتقدّم السلطة الفلسطينية مجدّدا إلى مجلس الأمن بطلب لتحديد سقف زمني للاحتلال؟
كان هناك اتفاق بمجلس المتابعة على مستوى وزراء الخارجية العرب، ينصّ على أنّهم سيقومون بهذا الدّور، وبدعم منا كفلسطينيين، وما يرونه مناسبا مع المجموعة الدولية، فنحن مستعدون لذلك حال كانت هناك ضمانات تلبي هذه الشروط. على المجتمع الدولي أن يتحرك على الأقل باتجاه قرار في مجلس الأمن يلبي الحد الأدنى من مطالبنا كفلسطينيين، وهو انسحاب القوات الصهيونية من أراضي 1967، وإيجاد حل لقضية اللاجئين، والحل العادل هو عودتهم إلى قراهم ومدنهم. وعلى المجتمع الدولي أيضا أن ينفّذ القرار »194« الصادر في 1948 والذي ينصّ على حقّ العودة والتعويض لمن يرغب. ودعني أفتح قوسا صغيرا هنا، وأتحدّث عن حقيقة لا يريد الصهاينة استيعابها، في 2030 سيكون عدد الفلسطينيين داخل فلسطين التاريخية 10.5 مليون نسمة وفي الخارج حوالي 10 مليون نسمة، سكان الكيان الصهيوني من اليهود سيصل إلى 7 مليون، فعامل الديموغرافيا ليس مصلحة للكيان الصهيوني، وعليه نحن الآن نقول إننا مستعدون لحل عملي متفق عليه وهو حل الدولتين، وإذا لم يحصل هذا، سيطالب الفلسطينيون والأجيال الفلسطينية القادمة بالحل العادل، وهو العودة إلى حيفا ويافا والناصرة وكل مكان في فلسطين التاريخية. تستمر معاناة الأسرى الأبطال داخل زنزانات الاحتلال. كيف تتعامل السلطة مع هذا الملف، وما هي الجهود التي تبذلها في سبيل هؤلاء؟ أولا هناك جهد كبير وطويل، لكن سآتي من آخر محطة. وذلك عندما انضمّت فلسطين في أفريل الماضي إلى اتفاقيات جنيف الأربعة. فالاتفاقية الرابعة من اتفاقية جنيف، تعنى بحماية المدنيين تحت الاحتلال بما فيهم الأسرى، ومعظم أسرانا نشطاء سياسيون للعلم، وليسو عسكريين أو مقاتلين. دون أن ننسى القليل منهم ممّن كانت له علاقة بعمليات عسكرية، وهذا موضوع آخر مستعدون للنقاش والتعاطي معه، فهناك قوانين تحميهم. معظم الأسرى وبنسبة تفوق 85 بالمائة هم من النشطاء السياسيين، وهذا مرفوض جملة وتفصيلا في كل العالم من خلال القانون الدولي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية المختلفة، وفي إحصائياتنا منذ 1967 إلى اليوم، حوالي مليون فلسطيني دخل سجون الاحتلال، وهؤلاء لم يدخلو السجون لأنهم منحرفون أو لصوص، بل لأنهم مناضلون في سبيل الحرية، وفي المعايير الدولية، الكيان الصهيوني لا تفرض عليه تلك القوانين، لأننا تحت الاحتلال، وفي اتفاقيات جنيف الأربعة في المادة الثانية المشتركة في الاتفاقيات تقول »على الدولة القائمة بالاحتلال أن تحمي المدنيين«. وفي المقابل، الكيان الصهيوني هو من يقتل المدنيين وينتهك حرية المعتقلين، وينقل المعتقلين من الأراضي المحتلة إلى أراضي الدولة التي تقوم بالاحتلال، وتلك مخالفة صريحة لاتفاقيات جنيف الرابعة في مادته ال49. توجد في الاتفاقيات أيضا، بنود حول حقوق التواصل مع المعتقلين في أماكن اعتقالهم. وبنود حول معايير الرعاية الصحية، ونحن لدينا حوالي 1200 حالة مرضية داخل السجون، لا يتلقون العلاج اللائق والمواد الطبية والجراحة، وأحصينا 24 شهيد داخل سجون الاحتلال نتيجة الإهمال الطبي، هذا بالإضافة إلى معايير مكفولة في القانون الدولي كزيارة الأهل والطعام ومنع التعذيب، وكل هذه المعايير انتهكت فوق الانتهاك الأول المتمثل في الاعتقال في حدّ ذاته. أضف إلى ذلك يسمونه الاعتقال الإداري، والذي يبرّره بعض فقهاء القانون بثلاثة أشهر، لكن الكيان الصهيوني يمدد لبعض المعتقلين الذين قضوا أكثر من 16 سنة سجنا في الاعتقال الإداري وبدون أي تهمة. وهنا، المطلوب من الصهاينة، محاكمتهم حسب القانون إذا كانت عليهم مخالفات أو ارتكبوا جرائم، لكن هذا لا يوجد. إضافة إلى ما سبق، هناك 122 طفل أقل من سن 18 عاما في الأسر، بمعنى أقل من السن القانونية. والأدهى والأمر، يوجد معتقلون بعمر سبعة وخمسة سنوات، وهذا لم يحصل حتى في فترة النازية،ويحصل في الكيان الصهيوني. عندنا أيضا من الأخوات حوالي 28 سيدة في الأسر، وعندنا عدد مهم من كبار السن داخل المعتقلات ويحتاجون لرعاية خاصة، ولا يجوز الاستمرار بهذه الطريقة. نحن نحاول معالجة هذا الأمر من خلال مجلس حقوق الإنسان والمقرر الخاص للأمم المتحدة ومن خلال الصليب الأحمر الذي يقوم بخدمات طبية بالمستطاع، وأود أن أقول إنّ هذا الملف هو ملف صعب، وهو ذو أولوية لدى القيادة الفلسطينية، ولا أعتقد أن قائدا فلسطينيا يمكن أن ينهي الصراع مع الصهاينة دون تبييض السجون الصهيونية من كل المعتقلين الفلسطينيين وهذا منصوص عليه في إعلان أوسلو. ما قراءتكم للتقارير التي تشير إلى ارتفاع وتيرة المقاطعة العالمية للكيان الصهيوني، خصوصا مع انتهاج الشركات العالمية الكبرى لهذا النسق ؟ هل بالإمكان أن نعتبر هذا تتويجا للدور الذي تلعبه الدبلوماسية الفلسطينية ؟ أم أنّ الأمر هو رضوخ لضغوطات الهيئات والجمعيات الحقوقية؟ كلّ هذا له دور، الدبلوماسية الفلسطينية لها دور، الجمعيات لها دور، الأحزاب والفعاليات المختلفة ومؤسسات المجتمع المدني، وارتفاع وتيرة المقاطعة، مردّه بالأساس، عنجهية القيادة الصهيونية، ورفضهم للانصياع للشرعية الدولية وتنصلهم من كل الاتفاقات وانتهاكهم للقانون الدولي. فأكبر منتهك للقانون الدولي في العالم هو الكيان الصهيوني. هذا الكيان هو الكذبة الكبيرة التي يسمونه الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وبما أنّنا نعلم أن السياسة مصالح، أقول إنّ لدى الكثير من هذه الشركات مصلحة في مقاطعة الكيان الصهيوني الذي يتكشّف وجهه القبيح أكثر فأكثر من يوم لآخر. وأؤكّد أنّ الكيان الصهيوني، يعزل نفسه بنفسه نتيجة الممارسات اللامسؤولة التي يقوم بها.