مجلس الأمن الدولي: الجزائر تدعو إلى فتح تحقيق بشأن الجرائم الصهيونية المرتكبة ضد عمال الإغاثة    اللجنة الصحراوية لحقوق الإنسان تدعو الصليب الأحمر الدولي للتحرك العاجل لحماية المدنيين والمعتقلين    كأس الكونفدرالية الإفريقية: تعادل شباب قسنطينة واتحاد الجزائر (1-1)    عيد الفطر: التزام شبه كامل للتجار بالمداومة وضرورة استئناف النشاط غدا الخميس    بداري يشارك في اجتماع اللجنة التوجيهية الإفريقية للذكاء    تيبازة: توافد كبير للزوار على مواقع الترفيه والسياحة خلال أيام العيد    الجمعية الوطنية للتجار تدعو إلى استئناف النشاط بعد عطلة العيد    حيداوي يشارك في قمة قيادات الشباب الإفريقي بأديس أبابا    الاحتلال الصهيوني يواصل عدوانه على مدينة جنين ومخيمها لليوم ال72 على التوالي    الفريق أول السعيد شنقريحة يترأس مراسم حفل تقديم تهاني عيد الفطر المبارك    المؤسسات الصغيرة والمتوسطة: الصندوق الجزائري للاستثمار يسعى للتعريف برأس المال الاستثماري عبر البنوك وغرف التجارة    إحباط محاولات إدخال أكثر من 6 قناطير من الكيف المعالج عبر الحدود مع المغرب    مهرجان برج بن عزوز السنوي للفروسية والبارود: استعراضات بهيجة للخيالة في فعاليات الطبعة الرابعة    بتكليف من رئيس الجمهورية, وزيرا الصحة والمجاهدين يشاركان ببرلين في القمة العالمية الثالثة للإعاقة    رابطة أبطال إفريقيا/مولودية الجزائر- أورلوندو بيراتس 0-1: ''العميد'' يتعثر داخل الديار    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 50399 شهيدا و114583 جريحا    عيد الفطر: الجمعية الوطنية للتجار تشيد بالتزام المهنيين ببرنامج المداومة    وزارة الدفاع الوطني: إسقاط طائرة بدون طيار مسلحة اخترقت الحدود الوطنية    مزيان وسيدي السعيد يهنئان أسرة الصحافة الوطنية بمناسبة عيد الفطر المبارك    سونلغاز: نحو ربط 10 آلاف مستثمرة فلاحية بالشبكة الكهربائية في    كرة القدم (كأس الكونفدرالية) : شباب قسنطينة -اتحاد الجزائر, لقاء جزائري بطابع نهائي قاري    وهران..مولوجي تتقاسم فرحة العيد مع أطفال مرضى السرطان والمسنين    المناوبة أيام العيد...التزام مهني, ضمانا لاستمرارية الخدمة العمومية    الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار: تسجيل قرابة 13 ألف مشروع استثماري إلى غاية مارس الجاري    اتصال هاتفي بين الرئيسين تبون وماكرون يعزز العلاقات الثنائية    رئيسة الهلال الأحمر الجزائري تزور أطفال مرضى السرطان بمستشفى "مصطفى باشا" لمشاركة فرحة العيد    "الكسكسي, جذور وألوان الجزائر", إصدار جديد لياسمينة سلام    مسجد الأمير عبد القادر بقسنطينة .. منارة إيمانية و علمية تزداد إشعاعا في ليالي رمضان    الجزائر حريصة على إقامة علاقات متينة مع بلدان إفريقيا    طوارئ بالموانئ لاستقبال مليون أضحية    الدرك يُسطّر مخططا أمنياً وقائياً    الفلسطينيون يتشبّثون بأرضهم    الشباب يتأهّل    فيغولي.. وداعاً    66 عاماً على استشهاد العقيدين    موبيليس تتوج الفائزين في الطبعة ال 14 للمسابقة الوطنية الكبرى لحفظ القرآن    مؤسسة "نات كوم": تسخير 4200 عون و355 شاحنة    الجزائر تستحضر ذكرى العقيد عميروش قائد الولاية الثالثة التاريخية    صايفي: كنت قريبا من الانتقال إلى نيوكاستل سنة 2004    مدرب هيرتا برلين ينفي معاناة مازة من الإرهاق    تحويل صندوق التعاون الفلاحي ل"شباك موحّد" هدفنا    المخزن واليمين المتطرّف الفرنسي.. تحالف الشيطان    ارتفاع قيمة عمورة بعد تألقه مع فولفسبورغ و"الخضر"    فنون وثقافة تطلق ماراتون التصوير الفوتوغرافي    أنشطة تنموية ودينية في ختام الشهر الفضيل    بين البحث عن المشاهدات وتهميش النقد الفني المتخصّص    غضب جماهيري في سطيف وشباب بلوزداد يكمل عقد المتأهلين..مفاجآت مدوية في كأس الجزائر    اللهم نسألك الثبات بعد رمضان    فتاوى : الجمع بين نية القضاء وصيام ست من شوال    بمناسبة الذكرى المزدوجة ليوم الأرض واليوم العالمي للقدس..حركة البناء الوطني تنظم وقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني    توجيهات وزير الصحة لمدراء القطاع : ضمان الجاهزية القصوى للمرافق الصحية خلال أيام عيد الفطر    لقد كان وما زال لكل زمان عادُها..    6288 سرير جديد تعزّز قطاع الصحة هذا العام    أعيادنا بين العادة والعبادة    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شهر شوال غدا السبت (وزارة)    صحة : السيد سايحي يترأس اجتماعا لضمان استمرارية الخدمات الصحية خلال أيام عيد الفطر    قطاع الصحة يتعزز بأزيد من 6000 سرير خلال السداسي الأول من السنة الجارية    رفع مستوى التنسيق لخدمة الحجّاج والمعتمرين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة الشباب العربي بين الموسيقي التقليدية والمستحدثة
نشر في صوت الأحرار يوم 13 - 10 - 2015

في البداية أود أن أشكر السلطات المحلية وعلى رأسها السيد واضح حسين والي ولاية قسنطينة و الشكر موصول أيضا إلى لخضر بن تركي المدير العام للديوان الوطني للثقافة و الاعلام وكدا السيد سامي بن شيخ محافظ تظاهرة " قسنطينة عاصمة -الثقافة العربية 2015" و السيد الأمين بشيشي رئيس الأكاديمية العربية للموسيقى التقليدية على دعوتهم الكريمة للحضور و المشاركة في هذا الحدث الكبير .هذا المهرجان الذي يقام في مدينة كانت منذ نوميديا العظمى ??وعاء للموسيقى في البحر الأبيض المتوسط. نتذكر من خلالها تلكم الولائم التي كان ينظمها ماسينيسا في سيرتا تحت أنغام وفرق موسيقية يونانية.

قسنطينة منارة لثقافات العالم
وإن كنت قد شاركت و ساهمت مسبقا في المهرجان في طبعته السادسة عشر برئاسة معالي الوزير السيد الأمين بشيشي إلا أنه يسعدني دائما أن أكون في خدمة الثقافة و الموسيقى على وجه الخصوص التي لدي فيها الكثير من الاسهامات من خلال كتب ومقالات نشرت على أعمدة الصحف الوطنية ، و لقد اخترت كمساهمة موضوع "رحلة الشباب العربي بين الموسيقي التقليدية والمعاصرة". كمقاربة ورؤية اثنو اجتماعية ضمن هذه الحركة التاريخية الواسعة لثقافات العالم.
الشباب بين الجمال والعاطفة
كيف يعبر الشباب العربي عن أحاسيسه و مشاعره في الجمالية الموسيقية أين تلتقي الأفعال الثقافية؟ فقسنطينة مدينة الفن والتاريخ، عاصمة الثقافة العربية تعطينا موعدا آخر مع "الألحان الموسيقية" تجعلنا نجول في مختلف الطبوع والطبقات بين التقاليد والحداثة.
وبالتالي عندما نريد المرور والانتقال من التقليدي الى العصري بدون المساس بالقيم و الهوية مابين الغربي والشرقي توضح لدينا ملامح التشابه للوصول إلى مستوى العالمية ؟ ماهو الشعور الذي يحدثه كلا المفهومين في انفسنا.؟ إذا كان أفلاطون يبرر كل ما هو جميل في شكل احساس للفكرة كمقدمة احساسية للواقع ، فإن هيغل يرى بأن الجماليات هي أدنى تعبيرالمفهوم في مجال الاحساس.
الشباب أمام التصاعد الموسيقي
يسجل جان ديرينغ في "كراريسه الاثنو سوسيولوجية " في مساهمته "رهان الحداثة في الفنون والموسيقى في الإسلام"، بأن الحداثة في الغرب هي إعادة تأهيل للإحساس يؤكد بذلك فكرة ?كانت- الذي يرى بان الاحساس مستقل عن المفهوم ، بما فيها نيتزش الذي يكرس التقاليد المبهرة في تعدد الاوجه و الابعاد. فان العلو و الصعود إلى القمة يخضع و ينحني امام التدفقات المتدبدبة للحياة و في هذا الخندق تختزن العصرنة.
ولكن هذه الحداثة التي توجه الفنون انطلاقا من الرومانسية هي منحصرة بين الفلسفية، المعرفية والسياسية والايديولوجية والجمالية قبل أن تصبح سوسيولوجية. فقد شهدت الثقافات في الشرق تطورمماثلا. فالفنون الجماليات الشرقية عرفت انقطاعات و اضطرابات أدت بها الى شكل من الحداثة.
"فالخليل بن أحمد الفراهيدي يرى بأن الحديث هو الجديد من الأشياء وهذا التعريف قائم على التقابل بين القديم و الحديث ونجد أن صاحب لسان العرب لا يخرج عن قول الخليل بأن الحديث نقيض القديم و الحدوث نقيض القدمة حدث الشيء يحدث حدوثا وأحدثه هو محدث وحديث وكذلك استحدثه "
الموسيقى بين الاحساس والمفهوم
يجب إعادة ضبط الفنون والموسيقى على وجه الخصوص وتعديلها تماشيا ومتطلبات هذا الوقت الذي نحن فيه. فالجمالية الشرقية لها اتصال مباشر ما بين الاحساس و المفهوم كما هو الحال بالنسبة للصوفيين الذين يتحسسون الظاهر والباطني.
فهل هناك هدف مقدس او هدف اخلاقي في التجربة الجمالية التي تحقق النشوة الروحانية على الأقل بالنسبة للموسيقى والشعر؟ فمن بين كل الفنون، يبقى للموسيقى الترتيب الافضل في العالم فيما يخص المفهوم.إذا كانت المجتمعات التقليدية لها تاريخها في الموسيقى ،يجب علينا مع مرور الوقت أن نرى ما تغير منها وما يمكن إدراجه في خانة التطور.
الحسن الخطيب ابتدءا من القرن الحادي عشر يلخص الموسيقى كعلم وممارسة ناتجة من الفكر أو العقل، فهو مولع ومتذوق بطريقة مفرطة للموسيقى قبل ان يكون عالما أو منظرا.ويمكن القول بأنه كان متقدما في فكره في ذلك العصر، وينفرد بقوله أن كل ما هو في الموسيقى الحديثة يبتعد عن المفاهيم الموسيقى القديمة فقليل منه ما يعتبر شيء جميل ومحبوب كذلك بالنسبة للمشاعر أوالأحاسيس فان الموسيقى غايتها اثارة كل ما يملك معرفتها . من جهته الفارابي،له رؤية حادة للتاريخ والتطورالموسيقى.
الشباب والذوق الموسيقى
ما هو هدف الموسيقى بالنسبة للقدماء ؟ بالنسبة لهم فهي مرتبطة بأهدافهم و ضرورتها و قيمها. وأن السمع المقيد بالعقل يعطي ذوق روحاني و ابتهاج فكري.
هل يمكن القول إذن ،بأنه شرخ بين ماهو تقليدي و عصري ؟بما نلاحظه اليوم من تراجع بعض المفاهيم التي كانت تقيد المجتمع القديم ، فالعصري هو كل ما يتعدى الموضة والاغاني الحديثة هي من الحان هذا العصر ، ولكل جيل زمنه و رؤيته ، فدائما حسب الخطيب فان" الموسيقى العصرية تتميز بمحسوسها واشراقها ومأثراتها الغنية والشهوانية، في وقت أن الفن التقليدي قي عزف الالة يتميز البسهولته والهدوء والرصانته"
الخلاف بين القدامى والمعاصرين
الخلاف بين القدماء والمحدثين يؤدي حسب كتاب الأغاني إلى المساس بالمعايير الجمالية. الزمن الموسيقي تجزأ سواء فيما يخص تقسيمه في قطاعه الايقاعية التي أصبحت تتخلى شيئا فشيئا عن الوصلات الموسيقية الطويلة. لا يكفي بأن يكون اللحن ممتع بقدر ما يجب ان يكون له ايضا معنى.
ووضوح الموسيقى تكن مضمونة عن طريق الشعر الذي يضمن هو كذالك لها عروضها رنة صوتها و معناها.فتصبح لغة للقلب و رمز للمشاعر.الموسيقى تجتاح المجتمع المستهلك كل واحد يحسب نفسه مقتدر للحكم لكن حكم الجماهير هو الذي يصنع المواهب مع أو ضد ما يشتهيه و يريده الخبراء والموسيقين، وهذه علامة توحي تراجع التقليدي و تفوق العصري.
هل مفهوم الموسيقى التي جاء بها العرب قديما لا يوجد اليوم في الغرب المعاصر بقيمه الرفيعة ؟ إن الممارسة الموسيقية عند العرب في مجملها تظهر كأنها احتفال في شكله الملموس جدا ،الى غاية الحسية بدون مبررات فلسفية ودون مؤثرات تسمو الى الروحانية ،هذا النوع من الموسيقى الفعالة الخالقة في حميميتها و جمعها و تواصلها و تبادلها اكتشف فقط مؤخرا في الغرب مع موسيقى الجاز ( غناء الزنوج الروحاني) بعد المرور بتجارب عديدة للغناء العصري.
في بلدان المغرب العربي و الشرق الأوسط ظهر هناك نوع من الموسيقى الذي أبهر الأجيال الجديدة بهذه الازدواجية بين التقليدي و العصري و الذي يبق متصلا بالموسيقى التقليدية ممزوجا بالعصري. هذا ليس تناقض ولكنه تكاملا في أداء الألحان الموسيقية.
موسيقى ذات رقي وشاعرية
إن الشباب الذي يؤدي الأغاني السياسة والاجتماعية النفسية بخصوصية كل مجتمع ينتسب اليه كل مغني. بعض القمم من المغنيين الذين صنعوا مجد الأغنية العربية ككوكبة الشرق أم كلثوم ، فيروز ، اسمهان و وردة الجزائرية أليست بالأصوات التي أطربت عشاق الموسيقى ؟
الكثير من المجد امتازت بها هذه الشخصيات بكل ما يحمله المعنى من لاشراقة لغة عربية راقية وشاعرية. هذه الأصوات الشرقية الرائعة جالت من خلال الأنغام الجميلة كما هو الشأن بالنسبة لمحمد عبد الوهاب ، عبد الحليم حافظ ، فريد الأطرش الخ... بألحان بقيمة شعرية تقليدية استمدت بعض ملامح العصرنة و بالأخص المداخل الموسيقية فجاذبيتها السنفونية.
فابتداء من مختلف الأرصدة التي نشأت بالمغرب للمغنيين الذين يبحثون في التراث ينتفعون بكل ماهو شرق أوسطي و غربي.في قسنطينة مثلا فإن المالوف يعتبر موسيقى كلاسيكية بموشحاته و ازجاله و التي تلقب بالموسيقى العارفة، أعطت مؤديين كبار للأغنية التي تقترب من الغناء الشرق الأوسطي.
مند المؤتمر الأول للموسيقى العربية الذي أقيم سنة 1932 الذي احتضن و وافق على مقياس فيه 24 ربع نوتة متساوية في سلم العام للموسيقى العربية ، مثل هذه الملتقيات حول الموسيقى جلبت أفكار و باحثين ومثقفين.
الموسيقى العالمية والخصوصيات الثقافية
إن موجات الموسيقى العالمية تسمح بالمزج بأصولية نسخ اللحن الشرقي في نمط موسيقي أحيانا يكون غربيا.فان موضة "السنتيتيزور الموزع" الشرقي أحدث ثورة فنية و غير المعطيات في التوزيع الالي و الموسيقي.فالطبع حجاز كار الذي استعمله معظم الملحنين المعاصرين ابتدءا من سنة 1932 سجل عهدا جديد للنهضة العربية في ترتيب وتثبيت مقام الرصد وهو المقام الأساسي في الموسيقى العربية.
الصوت الانساني في الموسيقى العربية التقليدية يمتلك لوحده مرونة مماثلة و مشابهة للآلات ذات الأجزاء المستمرة عند عزف طبوع في تغيرات النبرات و المزاج حسب الآلة وعزف كل موسيقي هذا لا يمنع للحن الموسيقي العربي في منظور متعدد الأنغام بأن يكون له تطور خطي مختلف. لقد أصبحت القاهرة مركز للفنون الحديثة والفنانين الذين تخلوا عن كل ماهو تقليدي من أجل اشباع رغبات الأجيال الجديدة.
الشباب والأغاني الملتزمة
بدى الشباب راغبا ومولعا بموسيقى (البوب) العالمية التي فرضها الاعلام و التكنولوجيات الجديدة كنوع آخر من الموسيقى الذي غير أساس الهوية بإيقاعاته و تجانسه مع الموسيقى الغربية.اللغة الموسيقية التي يفترض أن تكون " عصرية " و " عالمية " تصطدم باختلاف المزاج وتجد نفسها منحرفة بالنسبة للموسيقى العصرية المستوحاة من الموسيقى الغربية.
هذه الرغبة في الانفتاح على ثقافات أخرى يجب أن يكون بإرادة البحث عن الهوية التي تعبر بطبيعة الحال على الموسيقى في مسار اجتماعي بعيد عن كل غرابة.
الابتعاد عن الموسيقى الهجينة
بمعنى أنه سنجد موسيقى هجينة كاريكاتورية للموسيقى التقليدية الأصلية. يجب اقتراح العودة الى منابع هذه الموسيقى التقليدية بمعنى مرجع الأصالة بالنسبة للنسخة الأولية .فالجزائر هي ملتقى كل الثقافات المتوسطية سواء كانت شرقية أم غربية أمازغية عربية أو افريقية. وقسنطينة هذه المدينة النوميدية التي تستقبلنا اليوم على غرار الكثير من مناطق بلدنا ، تتأرجح بين ماهو تقليدي و عصري هذه الأرض للإنسان الحر بموسيقاه التقليدية من الصحراوي الى الترقي من الغناء القبائلي للالة خديجة الى الشعبي من الشاوي من أعالي الشيليا بجبال الأوراس مرورا بأغاني السطايفي بالهضاب العليا الى الغرناطي بلالة ستي و المالوف من جسور واد الرمال الى المدح من وادي ميزاب محتفظين بهويتهم وأصالتهم ومتفتحين على الموسيقى العصرية.
فتن الأجيال الجديدة
السؤال الذي يتبادر الى الأذهان لماذا الموسيقى الغربية أصبحت معنى للتطور و العصرنة بالنسبة للموسيقيين والمجتمعات العربية ؟ حتى وإن كانت موسيقى" الراي" عندنا تعتبر نوعا متقدما و متطور مستوحاة من التراث ولكنها لها توزيع موسيقي غربي فتن الأجيال الجديدة بتفتحها على كل ما ينتج عن مختلف الموسيقى الغربية.
الغناء الوهراني الذي ينحدر من الملحون جاء ليضاف الى النوبة الموسيقية الأندلسية المغربية فإدخال مثل الترومبات الأكورديون والسكسوفون والأورغ والقيتارة الالكترونية يؤكد هذا التحول الفعلي نحو العصرنة.
فالأجيال الجديدة تأخذ النصوص من الملحون الذي بعدما كان منحصرا بالبدو اقتحم اليوم المدينة المتحضرة انطلاقا من وهران الى المستوى الوطني فالدولي.
الشباب والصوتيات الجديدة
موسيقى "الراي" و" الراب" أصبحتا شكل من أشكال المقاومة و الثوران ضد الحياة القاسية فتربع على العرش لآلة "السنتيتيزور" و"علبة الإيقاع" سرعتا المرور من التقليدي الى العصري هذه الصوتيات الجديدة طبعت في أغنية "الراي" قوة جديدة في أداء الموسيقى على نمط موسيقى "الروك و" البوب" و"الجاز"و "الديسكو" الخ...
إنها فعلا جولة موسيقية للشباب في الموسيقى الآنية، حيث أصبح هذا الأخير يفضل الإيقاعات و الأنغام على حساب الكلمات التي لا تهمه كثيرا. فان علم العروض العربي يبقى كأي شعر له مرجعية تعود الى الحضارة العربية الأموية و العباسية التي سمحت بإدخال الموشحات و الأزجال هي الأندلس العربية و المغرب العربي لتنتج بعد ذلك ما يسمى بالنوبات.
الحفاظ على تراثنا الأصيل
إن هذا الإرث الذي يعود الى القرون الوسطى الذي تطور و تغير مع مرور الاجيال نحن نلتمسه و ندرسه بلغنا بفضل التوارث عن طريق الحفظ لشيوخنا الذين تداولوه ونقلوه على ممر الأزمنة و الأعمار.
ولهذا و حتى لا يضيع هذا الإرث مع ما حل عليه من تطور، يجب تدوينه عن طريق السولفاج موازاة مع التناقل السمعي في هذه الازدواجية المتكاملة بين التقليد و العصري.
هاتين الطريقتين تتعايش بين المحافظين و المجددين كل هذه الحوصلة و المجموعة من النصوص (السفينة و الكناش) من الموشحات و الأزجال و الملحون و العروبي و الحوزي و المحجوز و الحوفي و المدح كل هذه الطبوع تؤدى عن طريق ألحان تغنى في إطار الحفاظ على تراثنا الأصيل.
قطيعة ايبستمولوجية أم تجديد
خلاصة القول لا يمكن أن تكون هناك قطيعة بين التقليدي و العصري في مجال العلوم الموسيقية. فالأولى لا يمكن أن تستغني عن الثانية ، فوصفها بالجديدة أو المحافظ عليها لا يمكن أن يتملص من الهدف الموسيقي الذي يصبو ويتطلع اليه الشباب الذي يبق مرتبطا بتقاليده كمرجعية ومتفتحا على العالمية.
في الأخير فإن العصرنة في حد ذاتها لا تنأ أن تكون إلا مرحلة بمعنى مسار يمكن أن يمسه التأخر والذي ربما يكون شرطا وحافزا للتجديد.
"أن كل ما هو في الموسيقى الحديثة يبتعد عن المفاهيم الموسيقى القديمة فقليل ما يعتبر شيء جميل ومحبوب." على حسب قول الخطيب".
هذا هو مضمون هذه المداخلة مع شكري الخالص للحضور الكريم لهذا الملتقى لمجمع الموسيقى العربية الخامس في الجزائر و الأول بقسنطينة عاصمة الثقافة العربية.
المراجع :
1- ايغلانجي رودولف من " الموسيقى العربية " المجلد الثالث فرنسا ب. قوتنار 1938.
2- هيجل ،جي و. فريديش:"الجمال"باريس بوف1945.
3- جان ديرينغ: " مسألة دوق".تحدي العصرنة في الفن و الموسيقى الإسلامية " الكراريس الاثنو سوسيولوجية7/1994،27-49.
4- أندري شيفنر: " أصل الآلات الموسيقية ? ادخال علم العروق البشرية في تاريخ الآلات الموسيقية "باريس نشر لحسن 1994.
5- م.د عارف عبد الصايل "الأصالة و الحداثة عند الناقد عزالدين اسماعيل " صفحة الكترونية ص 117.
6- فيليب ألبيرا :"دروس الغرائبية " كراريس الموسيقى التقليدية رقم 9 جوناف1996.
7- نداع أبو مرد:"اسلالم اللحنية و هوية الثقافة المشرق العربي"عقود جنوب فرنسا2005.
8- شهرزاد كاسم ?حسن :" دراسات في الموسيقى العربية ?موسيقى المدينة"دار النشر بيروت1991.
9- أمين بيهوم:"مجلة التقاليد الموسيقية في دول البحر الأبيض المتوسط و العربية"رقم 1بعبدا لبنان جامعة اونطونين 2007.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.