مرت حتى الآن إحدى وستون سنة عن اندلاع ثورة نوفمبر المجيدة ضدّ المستدمر الفرنسي البغيض، وهذا في معناه الظاهر أن الجزائر الرسمية والشعبية قد ترحّمت على الشهداء الأبرار إحدى وستين مرّة )إذا اعتبرنا لكل مناسبة مرّة( واستوقفت نفسها وكافة مؤسساتها الرسمية ومكونات شعبها بالتكبير بالتهليل والتمجيد بنفس عدد المرات، وفي كل مناسبة من هذه المناسبات التاريخية الغالية تشعرنا مؤسسات الدولة الرسمية بالمهرجانية والاحتفالية المطلوبة للاحتفاء بهذا اليوم الأغرّ، وبما يجب على الهيئات الرسمية المعنية أن تقوم به، رفقة وسائل الإعلام الوطنية في عمومها وخصوصها، وقد كان من الواجب وفق ما نرى أن تُحمّل مؤسسات الدولة الرسمية نفسها، ومعها الإعلام العام والخاص مسؤولية التأريخ لثورة نوفمبر المجيدة وكل ما سبقها من سنوات الاستدمار البغيض، وهذا التأريخ الذي يجب أن يكون مدعوما بالواقعية والموضوعية المسؤولة إزاء الوطن والشعب في نظرنا هو أجدى وأنفع وأرقى الصور والمظاهر الاحتفالية الاحتفائية من أية صور ومظاهر أخرى مناسباتية عابرة. الاحتفاء والاحتفال بهذه الذكرى العزيزة علينا هو في حقيقته أكثر من ضروري، وأكثر من واجب، رسميّا وشعبيّا، إلا أننا وعلى مدار كل السنوات التي مرت عن انطلاق هذا التاريخ النضالي الوطني الناصع نعتقد أن المؤسسات الرسمية المعنية للدولة الجزائرية لم ترسم ولم تقرر بعدُ التّوجّه الفعلي إلى عمق تاريخ هذه الثورة المباركة، وتدوين كافة مجرياتها وتفاصيلها، وبما فيها مجريات وتفاصيل الثورات والانتفاضات والنصالات البطولية الجهادية التي قام بها قبلها آباؤنا وأجدادنا ضدّ المستدمر الفرنسي البغيض. كان على هذه المؤسسات الرسمية للدولة الجزائرية ومعها مختلف المؤسسات الإعلامية والتربوية أن تتّجه وبقوة ضاربة نحو الدفع بالأمور نحو التأريخ والتأريخ والتأريخ )بثلاثية التأكيد والحرص الوطنيين )أولا: صوب استغلال كافة الشواهد الحية البشرية والمادية، وفي مقدمتها المجاهدين الحقيقيين، الذين هم في نظر المؤرخين وأهل الكتابة والإعلام ثروة التاريخ الحقيقية وأثمن المصادر الحية، ولا يجب أن يتوقف جهد الدولة والإعلام في هذا الشأن على الوجوه الرسمية المستهلكة، الفاقدة للدراية الكافية والفعلية بدقائق أمور عظمة الثورة المظفرة، وتفاصيل عظمة التضحيات الجسام التي قدمها أبناء هذا الوطن. وما يؤسف له بمرارة أن مجاهدي ثورة نوفمبر المجيدة هم في انقراض متواصل يوما بعد آخر، ورحيلهم هذا دون استغلال أمثل لما يملكون من زاد تاريخي فعلي عن ثورتنا المظفرة هو خسارة ما بعدها خسارة، وتضرب تاريخنا في كامل أوصاله وعمقه الأبيّ. وثانيا: أن تتجه الدولة وكافة مع كافة المؤسسات الرسمية والإعلامية نحو التوجه الوطني الفعلي الصادق لاسترجاع كافة الوثائق والآثار التاريخية المنهوبة لثورة نوفمبر المجيدة وكافة سنوات الحقبة الاستعمارية، دون أن تتغافل الجهات الرسمية المعنية عن انتزاع الأرشيف المتعلق بالأشخاص والممتلكات، وبالتعذيب والتقتيل والحرق والنهب الذي مارسه المستدمر الفرنسي في أبشع الصور الوحشية واللاّ إنسانية. وفي كل الأحوال فإن ما كان يجب أن يُستثمر من المجاهدين الشهود عيان على كل المجريات والوقائع، وما كان يجب أن تنتزعه الدولة الجزائرية من وثائق وكتابات ومدونات وآثار تاريخية من الدولة الفرنسية الاستعمارية هو اليوم وغدا وبعد غد يظل ذخرا ومفتاحا للتعامل الوطني النقي والصادق مع واقع اليوم وغد وبعد غد في منظومة التربية الوطنية، ومنظومة القيم والأخلاق الوطنية المطلوبة على كافة مستويات الدولة وكيان الشعب برُمّته.