يعتقد الكثيرون أنه لا ثقافة بلا إعلامٍ يروج لها، وينقلها إلى الأفراد والجماعات، وأنه لا إعلام بدون ثقافة تهدبه، وتعيده إلى الجادة التي حاد عنها، بفعل سياسة التهريج والتبسيط والتسطيح، التي أصبحت تتحكم في مختلف المؤسسات الإعلامية، بدعوى أن الأساس في الرسالة الإعلامية، بدعوى أن الأساس في الرسالة الإعلامية، هو أن تكون انعكاسا للواقع بكل تفاصيله، حتى وإن كانت هده النظرة غير دقيقة، بحيث إنه لو كان الأمر كذلك، فلِمَ نصرف أموالا طائلة، في نقل واقع معيش، بدل أن تقوم بتوظيفها لإصلاحه وترشيده . كثيرا ما طرح المختصون كما الشركاء في العملية الإعلامية، سؤالا أساسيا هل الثقافة موجودة في وسائل الإعلام ؟ ويكادون يجمعون على غيابها من جل هده الوسائل، غير أنهم يجزمون أن هدا الغياب ليس خاصية جزائرية، إنما هو سمة من سمات ما يسمى بلدان ما بعد الاستعمار قاطبة، حيث تخلى الإعلام في هده المنظومة الهشة، عن دوره المتمثل في معاينة المنتوج الثقافي ونقله بأمانة وتقديمه بصدق وتحليله بموضوعية، وربما أخر دلك عملية التثاقف الضرورية، التي كان يجب أن تتم بين النخب وبينهم وبين الفضاء العمومي، وقد يكون لكثرة وسائل الإعلام بالشكل الذي فرضته تكنولوجيات الإعلام، أثر سلبي على الثقافة، بعدما أصبح المجتمع مشبعا إلى حد التخمة، بالأخبار السريعة المتلاحقة، التي أدخلته في فوضى النشر والبث . وسط كل هدا الضباب الذي حجب حقيقة العلاقة التي ينبغي أن تكون بين الإعلام والثقافة، انبرى فتية في أقصى البلاد، وقرروا إحداث حالة جديدة، تعمل على إزالة تلك الحجب، هم اليوم يقطعون الخطوة الثالثة على هدا الطريق المشوك، فقد اجتمعوا في دار الثقافة مفدي زكرياء بورقلة، يومي 24=25 _2016 ووقعوا على الطبعة الثالثة، ولم ينتهوا إلا وقد أعدوا جدول أعمال النسخة الخامسة للعام المقبل . جمع المجلس العلمي لملتقى الإعلام الثقافي نخبة من الدكاترة، جاءوا من مختلف الجامعات الجزائرية الموجودة عبر جهات متباعدة من الوطن، لاشيء لهم غير البحث غير البحث عن سر علاقة الإعلام بالثقافة، وما إدا كانت تلك العلاقة قد أصابها التفتق في أكثر من موقع، أم أن الأمر لا يتطلب كل هدا الصراخ الذي يطلقه المثقفون ومعهم المستهلكون للمادة الإعلامية، إزاء تغييب الثقافة في وسائل الإعلام، وقد شرح الأساتذة المحاضرون الوضعية، حيث سلطت أربع عشرة محاضرة، الضوء الكاشف على جيوب هده الحالة، التي يمكن أن تتحول إلى شقوق تضرب منها الريح، الأمة في كيانها، وقد تنحت كثيرا من ملامح هويتها . إن الانتقال من نشر الخبر الثقافي في شكله العابر، إلى معالجة الشأن الثقافي، ضمن إستراتيجية وطنية حاسمة، من شأنه أن يجعل الأمن الثقافي، في مأمن من كل العواصف الداخلية والخارجية، العاملة على اجتثاث الذات الجماعية، وإعادة بنائها، طبقا لمواصفات البنائين الجدد، وإذا كانت ثورة الاتصال، قد جعلت الإعلام يتحكم في رسم معالم الحياة المعاصرة، غير مبالٍ بثقافة هده الأمة أو تلك، فإن الدولة مطالبة أن تكون في مقدمة الداعمين للثقافة في وسائل الإعلام المختلفة، حتى لا يصبح مصير الأجيال، في مهب رياح الجرائد والفضائيات تلهو به كما تشاء، لن الثقافة هي الإسمنت الذي يجمع مكونات الأمة ماديا وروحيا وأخلاقيا، وقد تكون كما يقولون آخر ما يبقى في الذاكرة، عندما ينسى الإنسان كل ما حوله .. [email protected]