معضلتُنا مع الدوائر الحاكمة في الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن معها من الدول الغربية أنها وضعت الإسلام والمسلمين نصب أعينها، منذ أن أزاحت المعسكر الشرقي من طريقها، وأنهت ما كانت تُسميه "خطر المدّ الشيوعي"، وقد أعدّت استراتيجية كونية لنا على أنقاض الشيوعية المُنتهية، قوامُها "الإسلام خطر على الحضارة الغربية، وأنه "الدين العدو"، الصالح لكل زمان ومكان، بالمعنى الذي انتهى إليه علماؤها واستشرافيّوها في آخر الدراسات والبحوث العلمية الحديثة، ولو تُرك أهلُه بما لهم من طاقات بشرية ضخمة، خلاّقة، ومن خيرات وثروات لتداركوا كل ما فاتهم، وتمكنوا من بناء الرقيّ الإنساني الحقيقي، والحضارة التي لا ترقى إليها أي حضارة أخرى. الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن معها نصّبوا أنفسهم أوصياء على هذا الكون، وأول رقعة جغرافية وضعوها تحت هيمنتهم ورقابتهم المستمرة هي أرض العرب والمسلمين، وهذه الهيمنة والرقابة المستمرة هي متعددة الجوانب، والمهمّ فيها أن تظل سوقا استهلاكية مفتوحة لأمريكا ومن معها، وأن تظل هيمنتها متواصلة على كامل خيراتها ومقدراتها. ولأن تحقيق هذا الأمر ليس بالسهولة التي يراها الإنسان القيادي العادي فقد لجأت الولاياتالمتحدة إلى "مخطط الشرق الأوسط الكبير"، ومنه إلى ما أسمته ب "الفوضى الخلاقة"، التي اعتمدت فيها تفكيك وتفتيت الأنظمة والمجتمعات العربية والإسلامية، وهو نفس ما أسمته لاحقا للضحك على ذقون العرب والمسلمين ب "الربيع العربي"، وقد مهدت لكل هذا بما أسمته وحلفاؤها ب " العولمة " التي هي شكل جديد من أشكال الهيمنة الاستدمارية الحديثة، التي استهدفت ضرب القيم الوطنية والروحية، وتمييع حياة البشر، ولاسيما نحن العرب والمسلمين في ما نملكه ونُربّي أجيالنا عليه من قيم دينية وروحية وإنسانية نبيلة. أولى الخطوات التدميرية التي قامت بها الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤها ضدّ العرب والمسلمين احتلال أفغانستان، وإشعال الحرب فيها، تدخلت بقوة في الشأن الداخلي لأبنائها وقامت بالتقتيل والتذبيح والتدمير لسنوات وسنوات، ولم تخرج قواتها الاستدمارية منها إلا بعد أن أيقنت أنها لن تقوم لها قيامة، وسيلازمها الفقر والجهل والتخلف لسنوات وسنوات. الأمر نفسه فعلته مع العراق، حطّمته، وفكّكت أوصاله باحتلال غاشم، أشركت فيه أكثر من خمسين دولة، وبمن فيها "الشقيقات العزيزات العربيات"!. وجميعُها أسندت شهادات الزور والبهتان الاستدماري الأمريكي ضد العراق ورئيسه البطل العربي الرمز الشهيد صدام حسين، وقد تأكد العالم كله فيما بعد احتلال العراق وتدميره وتفكيك أوصاله من أن ادّعاء "امتلاك العراق للسلاح المحظور" هي مؤامرة أمريكي استدمارية! ونفس التطبيقات الاستدمارية متواصلة اليوم وبشكل صارخ على عدد من البلدان العربية والإسلامية تحت شعار»الربيع العربي «، الذي هو شعار أمريكي صهيوني غربي وقد وظّبُوهُ لسوريا بالتقتيل والتهجير والتدمير الكامل، ووظّبُوهُ لليبيا واليمن ومصر وتونس ومالي. هذه كلها تطبيقات عملية ميدانية خططت لها الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن معها ضد العرب والمسلمين، دمّرت أفغانستانوالعراق وسوريا واليمن، ونابت عنها فرنسا في تدمير ليبيا ومالي، فيما ناب عنها تحالف من الأعراب الرّكع لتدمير اليمن ! وبالرغم من كل هذه الفظائع التي تقوم بها، أو تشرف عليها أمريكا وحليفاتها في الغرب الاستدماري ضد العرب والمسلمين، فإنهم جميعا وبكل وقاحة يتساءلون عبثا في استغباء مقصود لنا عن أسباب الهجومات على باريس، وعلى بروكسل، وهم يعلمون أن ما قاموا ويقومون به في أوطاننا يندى له جبين الإنسانية، هي حروب فعلية يخوضونها ضد العرب والمسلمين، وأكبر بكثير من مثل هذه الهجمات التي تصيبهم في مقتل، ومع هذا هم ينددون ويشجبون ويتباكون على ضحاياهم، ولا يهمهم الملايين من ضحايانا وتهديم أوطاننا.!