أعلنها السودانيون صراحة: »نحن مع الجزائر شاء من شاء وأبى من أبى«، أو بهذه العبارات استقبلونا بحفاوة بالغة، حتى إنهم لم يأبهوا بدعوة هيئة علماء السودان التي طالبت مواطنيها بالتزام الحياد على أساس احترام تقاليد الضيافة، وقالت إنها لا تريد إثارة مزيد من الضغائن بين الشعبين الجزائري والمصري. يتابع السودانيون باهتمام بالغ مباراة الحسم بين الجزائر ومصر إلى درجة أنها أصبحت تصنع يومياتهم، وبين من يريد استغلالها من جانبها التجاري وبين من يحاول إعطاء الانطباع بأنه لا يميل إلى أي منتخب، فإن أغلب السودانيين، من أهلاويين ومريخيين، أكدوا وقوفهم بجانب الخضر أمسية اليوم بملعب أم درمان. وقد اكتشفنا منذ الوهلة الأولى التي وصلنا فيها إلى مطار الخرطوم الدولي مدى تعلق السودانيين بالمنتخب الوطني، أو لنقل بالجزائر التي يحملون عنها صورة طيبة جدا، ولكن على نفس قدر الدهشة التي امتلكتنا قياسا بالاستقبال الكبير الذي تحظى به الوفود القادمة من الجزائر فإننا تساءلنا عن السر الذي دفع بالمصريين إلى اختيار ملعب أم درمان للعب المباراة الفاصلة، وهو التساؤل الذي سرعان ما وجد طريقه إلى الإجابة لدى كل من تحدثنا إليهم سواء داخل الفندق الذي يقيم فيه الوفد الإعلامي أو خارجه. ويبدو من كلام السودانيين بأن شعورهم هذا نابع من كونهم لم ينسوا وقوف المصريين إلى جانب المنتخب التشادي بالقاهرة في بداية التصفيات المؤهلة لكأس العالم وكأس أمم إفريقيا 2010، فالتشاد كما هو معروف في خلاف حاد مع السودان حيث وصل التوتر أوجه وكاد يتحول إلى حرب بين البلدين، بالإضافة إلى الحساسية المفرطة بين الشعبين السوداني والمصري، وقد شوهدت الرايات الوطنية في كل الأماكن كما إن سكان الخرطوم يتجاوبون بقوة مع المواكب غير المنقطعة لأنصار الخضر. وتكشف الأجواء التي تسبق المباراة فإن المصريين يراهنون كثيرا على دعم الجالية المقيمة بقوة هنا في الخرطوم، حيث تشير التقديرات إلى أن عددها يقارب حوالي مليون مصري مقيم في السودان لممارسة مختلف النشاطات التجارية، وهو ما يفسر اختيار السودان لاحتضان المباراة الفاصلة، ويؤكد سكان أم درمانوالخرطوم عموما بأنهم يأملون في الاحتفال مع أنصار المنتخب الوطني بالتأهل إلى المونديال. وقد صدقنا السودانيون من سكان الخرطوم الذين تحدثنا إليهم القول بأن الكلام المعسول الذي سمعناه منهم منذ وصولنا إلى الخرطوم هو مجرّد كلام، فكان ردّهم بالاستغراب من هذا الموقف، وحتى سائق »الأوتوباس« التي أقلتنا من المطار إلى الفندق لم يتوان في التأكيد بالحرف الواحد: »والله العظيم إن المصريين منافقون فهم يقولون كلاما ولكنهم يخفون في قلوبهم حقدا لا يعلمه إلا الله«، قبل أن يجزم بأن أكثر من 80 بالمائة من شعب بلاده يقف مع الجزائر. واللافت في هذا الأمر أن الأعلام الوطنية غزت كل الشوارع وامتدت حتى إلى حافلات نقل المسافرين بطريقة عفوية في الغالب، كما امتدت حمى المقابلة حتى إلى النساء السودانيات اللواتي لا يتردّدن في تحية الجزائريين ويؤكدن دعمهن المطلق للخضر في مواجهة اليوم، حيث صرّحت لنا امرأة تجاوزت العقد الرابع من عمرها بالقول: »إحنا خاوة ونحمل الجزائر في قلوبنا ونتمنى لكم الانتصار حتى نحتفل نحن كذلك بالحدث«. وأمام تصاعد المخاوف من احتمال حدوث صدامات سارعت هيئة علماء السودان إلى مطالبة مواطنيها بعدم مناصرة طرف دون آخر والأخذ بما أسمته مبدأ الحياد في اللقاء الحاسم، وقالت إن دعوتها تأتي لتجنب إثارة الضغائن والأحقاد في الشعبين المصري والجزائري، وذلك انطلاقا من مبدأ المساواة في معاملة الضيف. وفي المقابل ناشدت الهيئة السودانية كل الأجهزة الإعلامية بالنأي عن تأجيج الصراع بين الأشقاء فالأمر برمته -كما قالت- لا يعدو أن يكون مباراة في كرة القدم فيها الفائز والمهزوم ونرجو منهم توخي الموضوعية التامة في تناولهم الأمر، كما أكدت أيضا أن الفائز من المنتخبين يعتبر فخرا للأمة العربية بوصفه ممثلها في المنافسات النهائية لكأس العالم، لافتة إلى أن الالتزام بالخلق الرياضي الرفيع خدمة لأهداف الرياضة نفسها.