في أكتوبر الماضي (2009)، حاول ساركوزي أن يدفع إبنه الصغير "جان" إلى رئاسة أكبر حي للأعمال في فرنسا وأوروبا (حي لاديفانس)، ولكن موجة الرفض والإحتجاج التي عمّت الطبقة السياسية والإعلامية في فرنسا، أجبرت ساركوزي على التراجع والإعتذار، وإقناع إبنه بالتخلي عن طموحاته! وفي 7 جانفي الماضي ( 2010)، زار جمال مبارك نجل الرئيس المصري حسني مبارك باريس، عاصمة فرنسا، للمشاركة في ندوة إقتصادية، نظمتها الحكومة الفرنسية، حول تداعيات الأزمة المالية على النظام الإقتصادي العالمي، وقد استقبل من طرف الرئيس نيكولا ساركوزي في قصر الإليزيه. ورغم التكتم الشديد الذي أحاط بهذا اللقاء، الذي دار خلف أبواب مغلقة ودام حوالي ساعة، فقد كشفت مصادر مصرية في باريس لموقع ( إسلام أون لاين)، "أن فرنسا على لسان رئيسها أعطت تطمينات لجمال (45 عاما)، بأنه خير خلف لوالده، إذ يرى ساركوزي في جمال نموذجا للشباب المتنوّر العصري القادر على إنجاز إصلاحات سياسية جوهرية، دون إحداث هزات في مصر، فهو وحده القادر على الحفاظ على استقرار بلاده". وإذا كان ساركوزي قد تراجع عن مشروع " التوريث" لإبنه الطالب الجامعي في فرنسا، فإنه لا يرى حرجا في دعم وتشجيع تلك الظاهرة في الدول العربية !! وقد يتساءل المرء أحيانا، لماذا تخذل الدول الديمقراطية في الغرب والحركات الديمقراطية الطامحة إلى تغيير وتجديد النظام السياسي في العالم العربي، رغم أنها خاضت صراعا مريرا ومكلفا طوال عقود من الزمن مع النظام الأحادي والشمولي في المعسكر الإشتراكي سابقا؟! ولماذا تدعم الحكومات الغربية أنظمة حكم تسليطية تحاول البقاء والإستمرار في الحكم ولو عن طريق التوريث السلالي وغلق المجال السياسي بواسطة التلاعب بالدستور، رغم أن بعض الحكومات الغربية (كالولاياتالمتحدةالأمريكية) وصل بها الأمر إلى التدخل عسكريا وخوض الحروب لإسقاط أنظمة قائمة وتخليص الشعوب من الديكتاتورية، كما ادعت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش عند إطاحتها بنظام الرئيس صدام حسين، بعد غزوها للعراق؟! ولعل الجواب هو بكلمة: المصلحة، وبكلمتين : النفط وإسرائيل! فحسب مصادر (إسلام أون لاين) فإن: "فرنسا ساركوزي حرصت على إيصال رسالة الرئيس مبارك عبر نجله جمال، مفادها أن باريس ترى في استمرارية استقرار السياسة المصرية مسألة جوهرية في علاقة الدولتين وهذا رهن استمرارية الإستقرار داخل مصر". ولا يحتاج المرء إلى أن يكون منجما لكي يدرك لماذا يحرص ساركوزي على اعتبار " استقرار السياسة المصرية مسألة جوهرية في علاقة الدولتين" فلو أجرى استفتاء حرا في أوساط الجماهير المصرية، لطالبت الغالبية منهم بتغيير السياسة المصرية تجاه أهل غزة المحاصرين على سبيل المثال، ولكن فرنسا تحت حكم ساركوزي، تساهم مساهمة فعالة، إلى جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية، في إقامة الجدار الفلاذي المصري الذي يفرض المزيد من الحصار والخناق على قطاع غزة المقاوم بل أن حكومة بنيامين نتانياهو قد سارعت من جانبها إلى إقامة جدار عازل يكمّل الجدار الفولاذي المصري، لتحويل قطاع غزة إلى سجن محكم الإغلاق!. عندما وصل ساركوزي إلى قصر الإليزيه في سنة 2006 خلفا للرئيس المنتهية عهدته جاك شيراك، إحتفلت إسرائيل بنجاح اللوبي اليهودي الفرنسي في إيصال أحد أخلص أصدقاء إسرائيل من ذوي الأصول اليهودية إلى أعلى منصب سياسي في فرنسا، وأصدرت طابعا بريديا يحمل صورة ساركوزي زعيم " المحافظين الجدد" في القارة الأوروبية ولم يتأخر ساركوزي في رد الجميل وتحويل سياسة فرنسا الخارجية إلى قوة داعمة لإسرائيل ومدافعة عن مصالحها في أوروبا وفي العالم ••• وعندما اقترحت دولة السويد خلال رئاستها للإتحاد الأوروبي إصدار بيان ينص صراحة على اعتبار القدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، تحركت الدبلوماسية الفرنسية، بإشراف برنارد كوشنر، وبتوجيه من ساركوزي، لتمييع البيان وتغييب الإشارة إلى عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة، -كما أرادت ذلك إسرائيل-! ويتطابق تمسك الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي " باستقرار السياسة المصرية" تحت حكم الرئيس المصري حسني مبارك مع الموقف الإسرائيلي الذي يعبر عنه عاموس جلبوع، رئيس قسم الأبحاث الأسبق في شعبة الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية، حسب ما جاء في مقال المفكر المصري الأستاذ فهمي هويدي، فقد صرح مسؤول المخابرات الإسرائلية في 18 نوفمبر 2009 قائلا:" إن العلاقات مع مصر تمثل أهمية كبرى لإسرائيل، والمتابع للسياسة المصرية يلاحظ أن نظام الرئيس مبارك خرج عن طوره، بسبب مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر، حتى أصبح يهدد بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لكنه ينتهج سياسة مغايرة تجاه إسرائيل، فإلى جانب إلتزام النظام المصري الصمت عندما قمنا بحملة (الرصاص المصبوب) ضد غزة مؤخرا، فإنه وفر الأجواء لاستمرارنا في الحملة، رغم سقوط المئات من الفلسطينيين، كما أنه منع أي تحرك عربي لصالح الفلسطينيين أثناء الحرب (يقصد إفشال مصر لمؤتمر القمة الذي دعت إليه قطر)••• وفي أحيان عدة، يتم قتل جنود مصريين بواسطة الإسرائليين ممن تواجدوا بالقرب من الشريط الحدودي، لكن الحكومة المصرية لم تقم بأي إجراء، وهذا يدل على وجوب تحقيق إجماع داخلي، حول إستراتيجية العلاقات مع مصر وفي الوقت نفسه، يجب أن نحث جماعات الضغط اليهودية وأصدقاءنا في الكونغرس لعدم الضغط على النظام المصري في كل القضايا الأخرى، ويجب أن يعلم الجميع أن نظام مبارك مهم لنا ويجب توفير الأجواء المواتية لضمان تشجيع كل الذين يسيرون على خطاه وهكذا يصطدم حلم التغيير في العالم الغربي بتحالف قوى الإستبداد الداخلي ومصالح قوى الإستعمار الخارجي• فعندما يصرح مخضرم سياسي مصري من وزن عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية بأن طريق الوصول إلى الرئاسة في مصر مسدود، نفهم بأن مهام التوريث أصبح إستراتيجية سياسية في مصر!•