أقسم باليمين المغلّظة وأمام كاميرا التلفزيون أن سيكون غدا ومنذ الصباح الباكر في مطار هواري بومدين ليستقبل الأبطال العائدين من أنغولا ويرفع في وجوههم بطاقة حمراء على شكل قلب لينذرهم بمحبة الشعب الجزائري للاعبي المنتخب الوطني واستنكاره لمهزلة الحكم البينيني.. في تلك الليلة اتفق مع صديقه فاروق ليخرجا معا لأداء المهمة.. لم ينم جيدا ولكنه أوصى أمه أن تنبهه في الوقت حتى لا يتأخر.. لم ينم أيضا لأن جهاز التسخين القديم كان معطّلا ووالده لم يف بوعده باقتناء مسخّن جديد..فربما ينتظر راس الشهر..! كان البرد شديدا في المنزل أيضا..فحي الجبل معروف بتيارات الهواء البارد وبكثرة أحياء الصفيح مثلما ذاعت شهرته بالشباب الملتحين وبالسلفية بمختلف أنواعها وبمن صاروا ضمن الجماعات المسلحة ومشاريع العمليات الانتحارية وحتى مشاريع الحرّاقة والبحث عن جنّة الآخرين هناك وراء البحار.. تقلّب في الفراش ساعات وتسربل في بطانيته القديمة التي تفوح منها رائحة الرطوبة.. مع آذان الفجر كان قائما..ففي حي الجبل تسمع صوت المؤذّن بقوة لافتة ويستحيل أن تدّعي بأنك لم تسمع الآذان وأنك لم تقم للصلاة.. بادرته أمه بمحاولة إبقائه بعض الوقت حتى يطلع النهار لكنه اكتفى بشرب كأس الحليب مخلوطا بالقهوة السوداء كعادة الجزائريين.. ما إن فتح الباب الحديدي الخارجي حتى أغلقه بسرعة وخرج.. كان يحمل على كتفيه الراية الوطنية ويشدها إلى صدره بقوة ويضغط عليها باسطا كفّه إلى قلبه.. التحق به صديقه فاروق وحثّ الخطى كأنهما في مهمة وطنية.. لم يصلا إلى الطريق الرئيسية عندما قال له فاروق: - بوعلام الطونبا هو ثاني راح..! لم يفاجأ بالخبر لكنه قال: - هو يروح مع خوه راكب.. وسارع فاروق ليؤكد له: - أنا نقولك حتى بوعلام التريسيتي وبومرزاق وليد اللبّان راح معاهم.. كان البرد القارس يجثم على صدر المطار..من بعيد ترى المؤشر يحيل على درجة 7 .. غير أن الصبح بان، وترى مئات الشباب من الذكور والإناث يصطفون بالأعلام الوطنية على قارعة الطريق..حناجر قوية ومدويّة خرجت من جزائر جديدة لم نألفها من قبل: وان، توو، ثري، فيفا لالجيري.. يخرج هؤلاء من كل مكان نعرفه ولا نعرفه ليفاجئوا دولتهم والعالم برمته بوطنية ينبغي أن تُدرّس في المدارس من جديد.. وطنية الكبار الذين إذا فازوا يفوزون وهم كبار، وإذا خسروا يبقون كبارا.. جزائر جديدة هذه التي تولد الآن لو كنتم تُحسنون الإصغاء لهذي الحناجر وتتامّلون في هذه العقول، فماذا أنتم فاعلون..?!