يجب وضع نتائج المؤتمر التاسع، وهو الناجح بكل المقاييس، على محك الشهور والأعوام المقبلة، وخاصة استحقاقات 2012 التي تتطلب من الأفلان الاستعداد لها من الآن، من خلال الاستثمار الجيد في النتائج المسجلة واستخلاص الدروس الكفيلة بإبراز عناصر القوة التي يجب أن يجتمع حولها أبناء الحزب، في مختلف المواقع والمستويات، لتكريس وحدتهم وتعميق خيارات حزبهم. ولعل الدرس الأول الذي ينبغي تأكيده هو أن المؤتمر التاسع لم يسجل فقط استعادة الحزب لتوازنه الداخلي واستقراره وقوته، وإنما كشف أيضا إرادة وقدرة قيادته ومناضليه على أن يبقى الأفلان واحدا موحدا لا يحتمل إلا عمليات الجمع، وقد برهن المناضلون، مهما اختلفوا وتصارعوا، بأنهم أحرص على وحدتهم، لأنهم في نهاية المطاف لا يرون لأنفسهم وجودا خارج بيت الأفلان. ويقول الدرس الثاني: إن الفضل في بقاء الحزب متماسكا موحدا، إنما يعود إلى قيادة حكيمة،رفضت في أصعب الظروف أن تساوم على وحدة الحزب وتماسك صفوفه، بل كان حرصها كبيرا على عدم التفريط في أي مناضل حقيقي، إيمانا منها بأن الأشخاص إلى زوال وأن جبهة التحرير هي الباقية، أما جبهة البعض ضد البعض فهي عرضة لأن تنزف حتى الموت، ولذلك فإن ما ينبغي أن يبقى نصب الأعين هو شطب ثقافة الإقصاء نهائيا من قاموس الحزب. أما الدرس الثالث فيقول: لقد سفه نجاح المؤتمر التاسع أوهام وأحلام كل الذين راهنوا على الفشل، وأكد بالصورة والصوت أن الأفلان، كان وما يزال وسيظل، الصانع الأول للحدث السياسي،اعتمادا على برنامجه ورجاله ونسائه وهويته السياسية وشرعيته الشعبية، وقد آن الأوان -إن لم يكن قد فات- لكي يلتزم المشككون الناقمون حدودهم وكذا كل الأوصياء و" فاعلي الخير" الذين يتذرعون بالخوف على الأفلان وينادون بوضعه في رف من رفوف التاريخ. ويقول الدرس الرابع: إن الأفلان أكبر من أن يكون رهينة في يد أشخاص، فهو ليس ملكا لفرد أو تيار أو جماعة وهو ليس حزب زعامات أو أعيان، بل إن كل الوقائع تؤكد بأنه بحاجة إلى كل أبنائه الحقيقيين، الموالين والغاضبين، ولذلك يجب أن يدرك كل من يتوهمون بأنهم أكبر من جبهة التحرير بأنها ستظل أكبر منهم. أما الدرس الآخر فهو: إن التصدي للحملات التي يتعرض لها الأفلان لا يكون بالمهاترات ولا بالغرور والرضى عن النفس، بل بالعمل المدروس الذي ينطلق أولا من إدراك النقائص ومعالجتها ويرتكز على مؤهلات القوة التي يتوفر عليها الأفلان، وهي كفيلة بأن تقوي مكانته وتعمق تجذره وريادته السياسية. لذلك فإن المعركة التي ينبغي أن ينتصر فيها الأفلان هي تثمين تلك الدروس التي يجب أن تحظى بالاهتمام وهي أجدر بالرصد من تلك المعارك الخائبة التي يريد البعض أن يسجن المناضلين في دائرتها المغلقة، وكأن المعركة لا تتجاوز حدود "الإقصاء المتبادل" ورفض فلان وعدم الرضا عن علان، مع أن المعركة الحقيقية هي بين الأفلان ومنافسيه، وهي أيضا كيف يكرس الأفلان مكانته في الساحة السياسية وكيف يصبح الحاضن للشعب والضامن لتجسيد طموحاته. ولعله لا اختلاف بأن الأفلان يواجه في هذه المرحلة تحديات حقيقية، يأتي في مقدمتها ما يمكن أن نسميه " التحدي الداخلي"، إذ أن الحقيقة التي يجب عدم إغفالها أو التهوين منها هي أن الأفلان يصطدم يوميا بتلك "التضاربات" التي تصل حد التنازع بين مناضليه وكذا بمواقف انفرادية تتنافى مع مصلحته وتضر بمكانته وسمعته. إن الانتماء إلى حزب يعني "عقد" انخراط في قيم وقناعات وسياسات مشتركة والالتزام بها، كما يعني قبول النقاش داخل ذلك الحزب للإتيان بأفكار وتصورات، أما الصراعات العبثية واتخاذ الحزب مجرد مطية لتحقيق المغانم والحصول على مكاسب ظرفية، فإن ذلك يشكل أكبر الأخطار التي تهدد الحزب في سمعته وفي أخلاقيات أعضائه وفي صميم رسالته. ولعل المطلوب في هذه المرحلة بالذات هو تكريس جبهة التحرير الموحدة والمتماسكة، العصرية والقوية، المتمسكة بهويتها، التي تدرك أنه ليس من صالحها تضييع أي مناضل حقيقي، والتي تعي جيدا أن الإقصاء - وهو في حكم الجريمة السياسية- أشبه ما يكون بالجمر تحت الرماد، يلتهب نارا بمجرد هبة ريح خفيفة. إن المناضل الحقيقي لا يريد أن يرى جبهة التحرير مشتتة أو مشوهة أو عاطلة أو مهزومة، ولعله لا اختلاف على أن جبهة التحرير التي تبقى هي التي يكون منبرها فوق الأشخاص والزعامات وهي التي لا تأكل أبناءها ولا تتنكر لرجالها ورموزها، وأيضا هي تلك التي تفرض الانضباط على الجميع، تحاسب وتعاقب وتطهر الصفوف من كل من يرى نفسه فوق التعليمات والضوابط، بل فوق الحزب نفسه. لقد شاهد الذين تابعوا وحضروا أشغال المؤتمر التاسع، كيف استعاد حزب جبهة التحرير الوطني صحته وعافيته، إن لم يكن شبابه وعنفوانه النضالي، بل لقد أعاد ذلك المؤتمر إلى الأذهان صورة حزب موحد قوي ومستقبلي، لم يعد في موقف الدفاع، بل في موقع الواثق من نفسه، المطمئن إلى قواعده، الواثق في قيادته والمتأهب لخوض كل المعارك السياسية ورفع كل التحديات. إذن، الشك الذي خامر بعض النفوس الضعيفة، في رؤية الأفلان يضعف وتشتت صفوفه وتنحسر قواه، لم يعد له وجود، حيث لم يرقب المتابعون سوى تطلعا نضاليا إلى المقبل من الشهور والأعوام وإرادة قوية في تجسيد الأهداف المرسومة، وإن المستقبل لكشاف. " الشعب قد يغفر القصور إذا عرف أسبابه لكنه لا يغفر الكذب أبدا.."