لا زالت جرائم ألغام خطي »موريس« و»شال« الذين زرعتهما أيادي المستعمر الفرنسي على طول الشريط الحدودي الجزائري متواصلة حتى بعد الاستقلال، ولا أدل على ذلك ما كشفته جمعية الدفاع عن ضحايا الألغام بإحصائها أزيد عن 174 ضحية في ولاية النعامة لوحدها، فضلا عن عديد التشوهات والعاهات المستديمة جرّاء انفجار تلك الألغام، في وقت لا زالت فرنسا تتنكّر وتخرق القوانين واللوائح الأممية برفضها تسليم خرائط خطوط الموت واعتماد سياسة الصمت، فإلى متى؟ لازالت تستحضر ذاكرة مجاهدي جيش التحرير الوطني من الذين أسندت لهم مهمة اختراق خطي »موريس« الجهنمي على طول 332.2 كلم و»شال« في شكل حزام من الأسلاك الشائكة وبآلاف الألغام، لتأمين تموين الثورة بالسلاح والذخيرة والمؤن بصفة منتظمة، تحتفظ بوقائع تلك البطولات التي شهدتها المنطقة الثامنة من الولاية التاريخية الخامسة في التصدي لخط الموت الذي يعتبر من بين أبشع جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، حيث يذكر بعض مجاهدي المنطقة الثامنة من الولاية التاريخية الخامسة آثار هذا السد القاتل الذي أقامه المستعمر الفرنسي لمحاصرة الثورة التحريرية وعزلها عن الإمدادات. ويروي المجاهدان بلقاسيمي عبد القادر وفلاح بوجمعة أن اشتداد نشاط خلايا جيش التحرير الوطني بالمنطقة دفع بالمستعمر إلى إنشاء مناطق عسكرية محرمة بالولاية أقيم بها 9 محتشدات و3 معتقلات ومركزين للقمع والتعذيب وسجون تحت الحراسة العسكرية والمراقبة، وهو ما يظهر -يضيف المتحدث- أن الاستعمار الفرنسي ضرب عرض الحائط بكل الاتفاقيات الدولية الخاصة بحالات الحرب في مقدمتها اتفاقية جنيف المتعلق بالأسرى وكيفية معاملتهم. وتفيد الوثائق بملحقة متحف المجاهد لولاية النعامة بمختلف الشهادات الحية حول عمليات قيام المجاهدين والمسبلين في نزع الألغام والمتفجرات في مهام اختراق الألغام والأسلاك الشائكة، ومن أجل معرفة وكشف أماكن تمركز الخط والمدفعية والأسلحة الثقيلة لجيش الاحتلال كان المجاهدون يلجأون إلى وضع معادن على ظهور الدواب ويرسلونها نحو أماكن معينة للتعرف على هذه الأماكن لتجنبها. المجاهد الرائد الحاج غريب قال أن مركز قيادة القاعدة الغربية لجيش التحرير كلّف عناصر الكتيبة التي كان يقودها الشهيد قادة بن يونس ولد أحمد النائب الأول لقائد الكومندوس رفقة الطاهر كيحل وندومي محمد باستلام أسلحة وتمرير مؤن للدعم والإسناد عبر الأسلاك الشائكة تحضيرا لكمين درمل شهر أوت 1960 الذي جاء قبل اعتراض أحد القطارات التي كانت تعبر خط المشرية بشار على مقربة من وادي زوزفانة بمنطقة بني ونيف محمّلة بالعتاد الحربي والذخيرة، وذكر أن المنطقة الثامنة من الولاية التاريخية الخامسة بشار والنعامة والبيض وآفلو كانت منطقة عبور وإمداد من الشمال إلى الجنوب ومن الحدود الغربية إلى الداخل واعتبرت كقاعدة إستراتيجية عمل فيها كثير من قادة الثورة منهم بومدين ولطفي وبوصوف وعبد الغني. وفي حديثه عن الخطوط الملغمة والتحصينات العسكرية، قال أنها لم تضيّق الخناق على الثورة التي اعتمدت سكان القبائل بالمنطقة من عروش عماني بالمريجة والملاليح بجبل فزوز وخيمة أولاد عمارة بجنان العرعار بصفيصيفة بأقصى جنوب ولاية النعامة كمراكز للاستطلاع للثوار ومنطلقا لتجميع وتحويل الأسلحة، أما المجاهد بوعيشة فيقول أن جيش التحرير الوطني كان له فرق عسكرية منظمة متمركزة على الحدود مع المغرب، وعملت قيادة المنطقة الخامسة على إحداث مراكز خلفية للثورة تهتم بالتموين والتمويل والتجنيد وتنظيم العمليات العسكرية ضد العدو مع تقدم الكفاح المسلح، صار للثورة قواعد معروفة منتشرة على طول الشريط الحدودي. وتشير بعض التسجيلات بمصلحة حفظ التراث التاريخي بمديرية المجاهدين لشهادات مجاهدين توفوا فيما بعد إلى أن الروح القتالية التي كانت تحدو الثوار أمثال الحاج لعموري من العين الصفراء الذي اختص في نزع الألغام الأرضية لتأمين حركة المجاهدين والذي فقد وهو في سن 18 في 1960 أطرافه العلوية وبصره وهو يخترق منطقة الموت بإمكانيات بسيطة وإرادة وحب الوطن، أما المجاهد بوسماحة، فيستحضر ما قامت به الكتيبة الثورية التي شقت 174 كلم ذهابا وإيابا عبر جنوب غرب البلاد خلال أكثر من 3 أشهر من أجل التموين، وفقدت هذه الكتيبة 20 من أفرادها استشهدوا في ميدان الشرف في اشتباكات مع العدو، وبقية المجاهدين عادت محملة بقطع الأسلحة والذخيرة على البغال في نجاح تام لمهمتها