أكدت اللجنة الوزارية الجزائرية المشتركة المكلفة بمتابعة تنفيذ اتفاقية "أوتاوا" الدولية لحظر الألغام المضادة للأفراد، أن الجزائر خطت خطوة كبيرة في مجال نزع الألغام التي زرعها المستعمر الفرنسي على الحدود الشرقيةوالغربية للوطن، مشيرة إلى أن سنة 2012 ستكون السنة النهائية لتدمير هذه السموم بالكامل· ونقلت مصادر أمس، عن هذه اللجنة، التي أنهت عملها الميداني على الحدود الغربية للوطن، أن فرقا متخصصة ستباشر خلال الأيام القليلة القادمة عملية نزع الألغام التي تم تحديد وجرد مواقع تواجدها، وذلك بمشاركة خبراء ومختصين أجانب، مشيرة إلى أن هذا العمل سيتم تكثيفه خلال سنة 2008، التي يرتقب أن تشهد نزع اكبر قدر من هذه الألغام، ليتواصل على امتداد السنوات الخمس القادمة إلى غاية 2012، حيث سيتم التخلص نهائيا من هذا الإرث الاستعماري السام الذي خلف المئات من الضحايا الأبرياء ولا سيما من سكان الشريط الحدودي والرعاة والبدو الرحل· وذكرت اللجنة الوزارية المشتركة التي باشرت عملها في بداية ديسمبر الجاري انطلاقا من الولايات الممتدة عبر الشريط الحدودي الشرقي، أن عملية اقتلاع هذه المتفجرات ستعرف وتيرة أسرع بعد أن تسلمت الجزائر جميع الخرائط الخاصة بالألغام التي زرعها المستعمر الفرنسي إبان الثورة التحريرية، لصد تحركات المجاهدين وتنقلاتهم عبر الحدود· وهو ما كان قد أكده وزير التضامن الوطني السيد جمال ولد عباس الذي يترأس اللجنة لدى إشرافه على بداية هذا العمل، حيث أوضح أن انطلاق برنامج تدمير الألغام التي تم زرعها على طول الحدود الشرقيةوالغربية أضحى ممكنا بعد تسلم الجزائر لخريطة حقول الألغام المزروعة والمنتشرة على طول الحدود مع تونس والمغرب على مستوى خطي شال وموريس تحديدا، مشيرا إلى أن خطي الموت اللذين وضعهما الاحتلال بغرض منع تقدم عناصر جيش التحرير الوطني بداخل البلاد يتضمنان حوالي 3 ملايين لغم مضاد للأشخاص من أصل حوالي 11 مليون عبوة مماثلة تم إحصاؤها عند الاستقلال· ونقلت مصادر مطلعة عن اللجنة الوزارية المشتركة المكلفة بتنفيذ البرنامج أن عدد ضحايا الألغام المضادة للأشخاص بولاية تلمسان وحدها بلغ نحو 330 قتيل، ولا زال يشكل خطرا كبيرا على حياة السكان القاطنين بهذه الولاية وبالولايات الحدودية بوجه عام· فيما تشير جهات متابعة للملف إلى سقوط أكثر من 4 آلاف ضحية منذ الاستقلال جراء هذه الألغام التي خلفت أيضا أزيد من 8 آلاف معاق، وتتحدث مصادر أخرى عن 12 ألف ضحية معظمهم من الأطفال والفلاحين والرعاة خلفتها "حقول الموت" منذ سنة 1957 إلى يومنا· بينما تقدر الأرقام التي بحوزة الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق ضحايا الألغام عدد المصابين بأكثر من 3500 مصابا جراء الألغام، مؤكدة بأن هذه الأرقام تبقى نسبية ولا تعبر عن الحقيقة الكاملة لعدد الضحايا على اعتبار وجود إحصائيات أخرى بحوزة جمعيات محلية· ولا زالت تبعات تلك الحقول الملغمة تصيب ضحايا جداد من الأبرياء، حيث تم العام الماضي إحصاء 6 انفجارات لألغام وقعت بولايات تبسة وعنابة وخنشلة وتلمسان ومستغانم وأودت بحياة ستة أشخاص وألحقت بثمانية آخرين جروحا بليغة، وكان من بين الضحايا المصابين طفل في السابعة من عمره سبب له الانفجار فقدان يده اليسرى· بينما بلغ عدد الضحايا خلال العام الجاري، حسبما أشار إليه وزير التضامن الوطني في الملتقى التكويني الثاني حول التكفل بضحايا الألغام المضادة للأشخاص الذي انتظم بداية شهر ديسمبر 8 قتلى و7 جرحى أصيبوا في سبعة حوادث ألغام وقعت في ولايات بسكرة وبشار والنعامة وتلمسان وبجاية ووهران· وتجدر الإشارة إلى أن الجزائر تعد من أولى البلدان التي وقعت في 3 ديسمبر 1997 على معاهدة حظر استعمال وتخزين وإنتاج وتحويل الألغام المضادة للأشخاص والعمل على تدميرها وصادقت عليها سنة 2001، ووفت بالتزامها بهذه المعاهدة في ظرف قياسي، كما صادقت في اجتماع الدول الأعضاء في المعاهدة بنيروبي سنة 2004 على مخطط العمل الممتد من 2005 إلى 2009، والهادف إلى وضع حد للآلام والجروح والخسائر في الأرواح جراء الألغام، وبذلك قامت بمرافقة الجهود الموجهة لنزع الألغام على الحدود الشرقيةوالغربية، بمخطط عمل تضامني لدعم وتحسين وضعية المعاقين عموما وضحايا هذه الألغام بشكل خاص، حيث يجري في هذا الإطار إعداد بطاقية وطنية لتحديد ضحايا الألغام لتحديد مختلف أنواع الإعاقات وإجراء تقييم شامل يسمح بوضع إجراءات تعزيز وتحسين التكفل بهم·وفي نفس السياق أكد العقيد حسان غرابي رئيس اللجنة الوزارية لمتابعة تطبيق اتفاقية أوتاوا حول منع استعمال الألغام المضادة للأشخاص من جهته، إلتزام الجزائر بالقضاء على كل المخلفات المتعلقة بوجود الألغام المضادة للأشخاص على أراضيها، مشيرا إلى انه بعد وفاءها بالتزامها المتضمن القضاء على مخزونها من الألغام المضادة للأفراد، تسعى الجزائر اليوم إلى تطهير المناطق التابعة لترابها والتي تم تحديدها على أنها ملوثة بتلك العبوات القاتلة· وتسعى السلطات العمومية الآن إلى التخلص النهائي من هذا المشكل الفتاك في أسرع وقت ممكن، وخاصة بعد استلامها لخرائط الألغام الاستعمارية من السلطات الفرنسية في إطار زيارة قائد أركان الجيوش الفرنسية مؤخرا إلى الجزائر، وهي الخرائط التي ظلت تطالب بها منذ سنوات طويلة، فيما لازالت العديد من منظمات المجتمع المدني تتحفظ بحقها في مطالبة فرنسا بضرورة تعويض المتضررين من هديتها المسمومة التي زرعتها خلال الحقبة الاستعمارية·