ما لم تصفّ فرنسا حسابها مع الأقدام السوداء وتنجز القطيعة الصعبة مع موروثها الاحتلالي العنصري، فلن تتمكن من إقامة علاقات طبيعية مستدامة مع مستعمراتها القديمة، وبخاصة تلك التي ارتكبت بحق شعوبها وتاريخها أبشع المظالم، وفي مقدمتها الجزائر• بذات القدر أيضا، فإن المستعمرات الفرنسية السابقة، ولاسيما الجزائر، لن يكون بمقدورها إقامة علاقات »سيادية« كاملة في ظل المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل بين الدولتين، دون أن ترقى إلى مستوى الانعتاق الكامل من الثقافة واللغة الفرنسية ومن المسخ الذي لحق بالهوية الوطنية الجزائرية. التجاذب الحاصل بين الجزائروفرنسا منذ بداية الحديث عن معاهدة الصداقة على عهد شيراك، ونسفها البرلمان الفرنسي بقانون تمجيد الاستعمار، يكشف فيما يكشف صعوبة، بل استحالة، إقامة علاقات طبيعية - فما بالك بالمتميزة - على قراءة متناقضة ل 130 سنة من التقتيل والقهر والغصب والتنكر لشعب ودولة، ذنبها الوحيد أن شعبها بقيادة جبهة التحرير الوطني رفض القبول بالعبودية ويسعى للتخلص من كل أشكال الإلحاق والتبعية. * الفرنسيون من حقهم كتابة تاريخهم الخاص بالشكل الذي يرضيهم وبالكيفية التي تشبع أناهم الوطنية )وليس الاستعمارية الإمبراطورية(. • والجزائريون أيضا من حقهم تسجيل تاريخهم ومسيرتهم عبر القرون، بما يخدم شعبهم ودولتهم، وبما يعيد لهم هويتهم الوطنية الحضارية. أما التاريخ المشترك بين البلدين فيتعين أن يسجل ويكتب بكل شجاعة ودون تجن على الحقيقة، مهما كانت مرة، ولو كانت مخزية للبعض. وطالما لم تحسم فرنسا ما وراء البحر حساباتها مع فرنسا الكولون والحركى، وما كبدوه للشعب الفرنسي من مآس وخسائر، وما ارتكبوه بحق الشعب الجزائري من جرائم ضد الإنسانية، وجرائم إبادة، فإن التاريخ سيبقى صخرة تتحطم عليها كل جهود التقارب والتعاون المثمر، للشعبين والبلدين. • إذا كان من غير الوارد بالنسبة لجبهة التحرير الوطني، أن تتنكر لتاريخها ومسيرتها المظفرة التي أعادت للشعب الجزائري حريته وكرامته، فإنه من غير المتصور أيضا، أن تدخل في مقايضة تاريخية بين تمجيد الاستعمار وتجريمه، فبكل المعايير الأخلاقية والسياسية والإنسانية، لا يتساوى من يستشهدون من أجل الحق والحرية، مع أولئك الذين يُقتلون في سبيل السيطرة وقمع واغتصاب خيرات وكرامة الآخر. ولو أن الأمر لا يتعلق بمقارنة بين من سقط شهيدا في هذا الطرف، ومن سقط قتيلا في ذلك الطرف -الأرقام غير قابلة للمقارنة- إلا أنه بميزان الحق والباطل، والخير والشر، فإن شهيدا واحدا يزن كل ضحايا فرنسا، من عسكر وكولون وحركى، لأنه صاحب حق واستشهد في سبيل قضية عادلة. لقد كانت فرنسا آخر إمبراطورية أوروبية استعمارية تهوي تحت رياح المد التحرري العالمي، ووقع ضربات جبهة وجيش التحرير الوطني، وليس كالجزائر أجدر بدفن أحلام الاستعمار في تزوير التاريخ، والاعتراف بحقيقة الجريمة الاستعمارية وما تخللها من جرائم إبادة وجرائم بحق الإنسانية. التحرير