تحول ليل مطار هواري بومدين الدولي إلى نهار، بعد أن امتلأ بجموع الوافدين لاستقبال الوفد الجزائري العائد من الرحلة إلى غزة، حيث حملوا أعلاما جزائرية وفلسطينية، وهتفوا مكبرين ومهللين على مدار أربع ساعات من الانتظار بحياة الجزائروغزة، أما الوفد الذي وصل في حدود منتصف الليل على متن طائرة خاصة أرسلها رئيس الجمهورية خصيصا لاستقدامهم، باستثناء أحد إطارات حركة الإصلاح الذي بقي للعلاج بأحد مستشفيات عمان، فقد أجمع أعضاؤه على أنهم تعرضوا لمعاملة لا تمد للإنسانية بصلة، كما أنهم أصروا على طرح أسئلة لتوريطهم من الناحية القانونية. روبورتاج: س.ب/ س.م عندما وصلنا إلى مطار هواري بومدين الدولي كانت الساعة تشير إلى تمام التاسعة ليلا، وقد فوجئنا بالمئات من المواطنين أغلبهم طلبة وطالبات يقفون أمام الباب الخارجي للمطار، وعلى بعد أمتار قليلة منهم ما يقارب ال 20سيارة شرطة كانت متواجدة تحسبا لأي طارئ، وقد سارعت قوات الأمن إلى تطويق المكان لإبعاد الحضور عن بوابة المطار، وكم كان صعبا الاقتراب من البوابة للدخول، فرجال الأمن كانوا يمنعون الصحفيين من المرور إلى داخل المطار لكننا أصرينا كثيرا وازداد موقفنا صلابة بعد أن انضم إلينا بعض الزملاء، وانتهى الأمر بأن سمح لنا بالدخول. حتى الأطفال كانوا في الموعد داخل المطار لم يكن يختلف كثيرا عن خارجه، فقد عج المكان بعائلات النشطاء الذين كانوا ضمن الوفد، حيث أبوا إلا أن يستقبلوا ذويهم من أجل الاطمئنان عليهم و التأكد شخصيا من سلامتهم، وقد اختلفت ملامح أفراد العائلات التي كنا نجلس بجوارها، لكنها في غالبها لم تخرج عن نطاق التعبير عن شوق وارتياح يعتريهما فخر وغبطة بما حققه أحد أفرادها. وإذا كان هذا موقف الكبار، فإن الأطفال الذين كانوا رفقة العائلات قد زينوا المطار ببراءتهم وأضفوا عليه جوا مختلفا، فكل الأطفال الذين اقتربنا منهم أكدوا لنا أنهم يتمنون الذهاب إلى غزة وكسر الحصار عنها، بل إن منهم حتى من قال إنه يرغب في ضرب الإسرائيليين لأنهم محتلون، ومن الأطفال أيضا من لم يتحمل السهر فاستسلم للنوم على أمل أن يستيقظ بين ذراعي من ينتظر عودته، كل هذا الجو الذي صنعته البراءة، يؤكد للعالم عامة ولإسرائيل خصوصا أن فلسطين قضية الجزائريين على مر الأجيال، وأننا كجزائريين نورث لأبناءنا حب فلسطين و الرغبة في الذود عنها كما لو كانت قطعة منا. مرت الساعة الأربع الواحدة تلو الأخرى، ونحن رفقة عائلات أعضاء الوفد ننتظر، وقد تمكن البعض منهم من المرور داخل الرواق المخصص للقادمين، بينما منعت قوات الأمن البعض الآخر من الدخول، أما الصحفيون الذين أرادوا أن يكونوا في قلب الحدث، فقد منعوا وبشدة من الدخول على الرواق، وأمام محاولاتهم المتكررة، تم استدعاء قوات أمن أخرى من أجل منعهم، وهو ما احتج عليه الصحفيون بشدة من خلال وضع كاميرات المصورين على الأرض لعدة دقائق، غير أن هذا الاحتجاج لم يفلح واضطررنا جميعا إلى الانتظار خارجا نقف تارة ونجلس أخرى، ونحادث العائلات بين الحين والآخر، والحقيقة أننا لم نكن وحدنا من منعنها من الدخول، فقد تم منع عدد من رؤساء الجمعيات أيضا وعلى رأسهم الأمينة العامة لاتحاد النساء الجزائريات التي اضطرت للانتظار خارجا. إسرائيل احتجزت رضيعا لإرغام قائد السفينة على تسليمها بعد انتظار طويل دام قرابة الأربع ساعات، تسارعت الحركة داخل المطار، وساد بعض الاضطراب الذي يعكس لهفة اللقاء وحرارة الشوق لمن شرفوا الجزائر في أسطول الحرية، ثم فتح الباب ليخرج منه أعضاء الوفد الواحد تل والآخر، وعلى الرغم من الصعوبة الكبيرة في أخذ بعض التصريحات من أعضاء الوفد، إلا أننا تمكنا في الأخير من الوصول إلى السيدة سلطاني نجوى زوجة رئيس حركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني، وقد كانت علامات التعب بادية على وجهها، إلى درجة أنها لم تكن تقوى حتى على الكلام التي كانت محاطة بولديها وزوجها، فجلست داخل المطار، وتمكنا بصعوبة من الاستماع إليها، قالت لنا السيدة نجوى: » لم أشعر لحظة واحدة بالندم، كان هدفي من المشاركة في أسطول الحرية هو السعي لكسر الحصار على غزة أو الشهادة، وقد كان آخر إيميل وصلني من ابنتي أنفال التي قالت لي فيه أمي ...اليوم عيد الأم وأبلغك كل التحية ولقد افتقدناك ولكنك اخترت هذا الخيار ونتمنى أن تحققي ما اخترته، لقد بدأ الحصار في الثانية عشر ليلا وبلغ شده مع صلاة الصبح، حيث قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بمحاصرة السفينة، وكانوا يطلقون الرصاص بشكل كبير جدا، حاولنا تفقد الموتى والجرحى، المتضامنون الذين كانوا فوق السفينة لم يعتدوا على أي جندي إسرائيلي كما تزعم إسرائيل، فهم الذين اقتحموا السفينة. كان في السفينة التركية مرمرة التي كنا عليها طفل يبلغ من العمر سنة واحدة ، وقد أخذه الجنود الإسرائيليون رهينة واستغلوه ليطلبوا من القبطان أن يسلم السفينة وإلا يتم اغتيال الطفل، وبعد تسليم السفينة، بقينا 8 ساعات تحت الشمس الحارة، حيث كانت درجة الحرارة تصل إلى 47درجة، ومن ثمة أخذنا إلى ميناء أسدود حيث تم التحقيق معنا لمدة عشر ساعات، سئلنا خلالها عدة أسئلة، منها: أنتم جئتم إلى إسرائيل ماذا تريدون؟، وكنا نحن نرد بالقول إننا جئنا إلى غزة لكسر الحصار، ولا قضية لنا مع إسرائيل، غير أن الضابط الإسرائيلي كان يكرر السؤال عدة مرات: هل تعلمون أنكم قادمون إلى إسرائيل؟، لقد عاملنا الإسرائيليون بوحشية، فقد رفعوا الأيدي على كل المحاصرين بالضرب والركلات، وعندما أخذنا إلى سجون بئر سبع، قضينا أزيد من10 ساعات في التحقيق. مصاب جزائري بقي في مستشفى الأردن ومن جهته قال حملاوي عكوشي ممثل لحركة الإصلاح الوطني في أسطول الحرية أخذونا من عرض المياه الدولية وهم يعترفون بذلك، مضيفا أن ما قامت به إسرائيل في حق هؤلاء المناضلين جريمة بكل المقاييس، وعن ظروف الاعتقال، أكد لنا المتحدث أن إسرائيل قد منعت عنهم الأكل و الشرب خلال 30 ساعة ، قائلا في تصريح ل » صوت الأحرار«، :»لم نأكل ولم نشرب إلا ما نلتقطه من فتات السفينة التركية مرمرة، وبحسب شهادة أعضاء الوفد، فإن الإطار بحركة النهضة محمد ذويبي قد تخلف عن العودة، حيث بقي في الأردن للعلاج إثر إصابته في عينه اليمنى،برصاصة صهيونية خلال اقتحام قوات الجيش الإسرائيلي للباخرة المقلة للوفود، حيث خضع مساء الأربعاء الفارط إلى عملية جراحية، وسيبقى في العاصمة الأردنية عمان لثلاثة أيام أخرى قبل عودته إلى الجزائر. حرة من الأوراس تستهزئ بجندي إسرائيلي وتطلب مترجما للشاوية رغم علامات التعب التي بدت على محياها إلا أن مديرة دار الزيتونة للإعلام والنشر صليحة نواصرية روت لنا قصة أسرها مع بقية الوفد الجزائري من قبل الجنود الإسرائيليين بدم بارد وبوحشية ، وأكدت أن مشاركتها في قافلة شريان الحياة من أجل كسر الحصار عن غزة كانت لتمثيل النساء الجزائريات وإبداء تضامنهن مع الشعب الفلسطيني. وأوضحت مديرة دار الزيتونة للنشر والإعلام أن من كان على متن السفينة تعرضوا لأشعة الشمس طيلة 8 ساعات مع تكبيل الأيدي بعدما وجهوا السلاح إلى رأس الرضيع ابن قبطان السفينة التركية التي كانت تحتضن متضمنين من كل أصقاع العالم على اختلاف جنسياتهم ودياناتهم. وأشارت المتحدثة إلى وجود أرمادة من الجنود ، لتقول إن الجندي الذي كان يستنطقها باللغة الانجليزية وسئلها عن البلد الذي تنتمي إليه "ويتش كونتري" أي من أي بلد لتجيب الجيريا " الجزائر"، وأضافت أن الجواب قد آثار استغراب الجندي وفاجئه، معنوياتنا كانت مرتفعة لأننا أبناء نوفمبر وكل الشعب الجزائري رضع حليب الثورة، وأعيدها ثانية وثالثة ورابعة. وتعمدت المتحدثة الإدلاء بهذا التصريح لأول مرة من الجزائر حيث قالت إنها عندما سئلت بأي لغة تتحدث عربية أو فرنسية أو انجليزية ردت عليه بلهجة استهزاء أنا أتكلم شاوي وتحدث معي بالشاوية فذهب يبحث عن أصل الكلمة فلم يجدها وقال لي لا توجد فقلت له كيف حكومة إسرائيلية وليست لها ترجمة بالشاوية، ورفضت الإجابة عن جميع أسئلتهم، وعبرت عن فخرها واعتزازها بجزائريتها حين قالت لولا هذه الأرض الطيبة لما ذهبت إلى غزة. كما أوضحت أن هم الإسرائيليين كان التوقيع على ورقة مكتوبة باللغة العبرية إلا أنها أكدت أن رفضت الإمضاء على تعهد مكتوب بالعبرية شأنها شأن كل أعضاء الوفد الجزائري الذي بقي مصمما على موقفه بعدم العودة إلى قطاع غزة، لتقول إنها كانت مستعدة للبقاء أسيرة، مشيرة إلى أن كثيرين من أعضاء الوفد قد صودرت وثائق هويتهم من قبل العدو الصهيوني. وأثنت المرأة المتضامنة على دور السلطات الأردنية ومرافقته للوفد الجزائري من المعتقل الإسرائيلي إلى الأردن بعدما أكدت أن المسؤولين الأردنيين ساندوها عندما رفضت التوقيع على الوثيقة الإسرائيلية، مثمنة الإجراءات التي اتخذتها الدولة وإرسال طائرة خاصة لإعادة أبنائها إلى أرض الوطن. الدكتور محمد مزود يزيد: »ذهابنا كان استمرارا لرسالة مليون ونصف مليون شهيد« أبدى الدكتور محمد مزود يزيد سعادته بالمشاركة في قافلة الحياة، واعتبر وقفته التضامنية مع الشعب الفلسطيني استمرارا لرسالة لمليون ونصف مليون شهيد، قائلا إن هذا أضعف الإيمان اتجاه إخواننا في فلسطين. الأستاذ سبتي جمال من جامعة بسكرة: » تجرعنا القليل مما يتجرعه الفلسطينيون يوميا« عاد ممثل مؤسسة القدس الأستاذ سبتي جمال لحظة بلحظة إلى عملية الاعتقال، حيث أكد أن الاسرئيليين استعملوا أسلحة وذخيرة حية لم تراها العين، ليضيف أنه تمت محاصرتهم بثلاث بوارج بحرية كبرى وحوالي 30 زورقا وأربع طائرات هليكوبتر وقد تم الإنزال الأول حسبه بطائرة واحدة فيه 5 جنود ثم توالى الإنزال للطائرات المتبقية ، حيث كانت كل طائرة تحمل 6 جنود، موضحا أن العدو الصهيوني استعمل الذخيرة الحية والقنابل الصوتية والقنابل الانشطارية في مواجهة المدنيين العزل. ورغم ما شاهده بأم عينه إلا أن الأستاذ أكد أنه سيعيد الكرة والذهاب إلى فلسطين، قائلا» ذهبنا لتقديم رسالة إلى الإسرائيليين من بلد المليون شهيد إلى بلد مليون ونصف مليون محاصر«، ليضيف أن الله أكرمه بالأسر حيث كان يحمل رقم 5419 ليتجرع بعض مما يتجرعه الفلسطينيون يوميا ، مشيرا إلى أنه رفض التوقيع على وثيقة مكتوبة بالعبرية تؤكد أن دخوله غير شرعي. وعن نوعية الأسئلة التي كان العدو الإسرائيلي يطرحها على المتضامنين، أشار ذات المتحدث إلى أن السؤال الرئيسي كان عن سبب المجيء، أما عن ظروف استقبال السلطات الأردنية فقد وصفها ب»الرائعة« خصوصا وأن القنصل الأردني قد جاء إلى السجن بتكليف من السفارة الجزائرية، إلى جانب إيفاد الملك الأردني عبد الله مبعوثا شخصيا لهم، موضحا أن السلطات الأردنية أكرمت عليهم بألبسة لكونهم خرجوا من المعتقل الإسرائيلي بلباس السجن. وفي رسالة وجهها إلى الجزائريين، دعا الأستاذ إلى اليقظة لمواجهة خطر العدو الاسرئيلي في فلسطين ، ليضيف أنه سيبقى مواصلة التضامن حتى تحرير فلسطين ليقول للشعب الفلسطيني »نحن معكم ونحن مع كلمة هواري بومدين رحمه الله مع فلسطين ظالمة أو مظلومة«. رغم أن الموقف الجزائري تجاه القضية الفلسطينية العادلة معروف، إلا أن المشاركة في قافلة الحرية أكدت أن أقوال الجزائر منسجمة مع أفعالها وليس كلاما للتسويق الإعلامي أو تلميعا لصورتها السياسية، وإنما فعل نابع من الدم العربي والإسلامي الذي يسري في عروق بلد مليون ونصف مليون شهيد. إن الحضور الجزائري على متن السفينة التي كانت تحمل مساعدات إنسانية يترجم أن الشعب الجزائري الذي اكتوى بنار الاحتلال لأكثر من نصف قرن لن يفرط في فلسطينوالقدس الشريف وسيواصل مسيرة سلفه الصالح.