كشف الروائي رشيد بوجدرة أمس بمكتبة العالم الثالث على هامش توقيعه لروايته الجديدة »الصبار« الصادرة عن منشورات البرزخ بالجزائر بعد صدورها في طبعة فرنسية عن دارغراسييه العريقة في عالم النشر عن ترجمته شخصيا لهذه الرواية وقال »قررت العودة إلى عالم الترجمة والكتابة باللغة العربية حيث سأقوم بترجمة رواية »الصبار« إلى اللغة العربية التي أعشقها وأشتاق إليها خاصة بعد نهاية مدة العقد الذي يربطني بدار النشر الفرنسية غراسييه التي قدمت معها 5 نصوص روائية«. وأقترح رشيد بوجدرة » أن تحمل روايته عنوان »تين النصارى« وبرر سرو سبب اختياره لعنوان روايته الجديدة يرجع إلى الدلالات التي تحملها شجرة الصبار التي تشبه في رمزيتها الإنسان الجزائري الطيب والكريم والشامخ في وجه الأعاصير لكنه في ذات الوقت يرفض الانحناء والرضوخ وسيرد بقوة على من يتجاوزه كرامته وعزته كما تمز شجرة الصبار إلى الخصوبة والعطاء المستمر. وأضاف صاحب الحلزون العنيد »لقد انقطعت عن الكتابة باللغة العربية عام 1994 بعد أن رفضت روايتي »تيميمون« من طرف كل دور النشر بالجزائر ومنها مؤسسة إينال التي كان على رأسها حسين بن ديف مدير عام المركز الوطني للكتاب حاليا كما رفضتها بيروت وأكبر دورها للنشر على غرار الفارابي رغم توجهاتها الشيوعية حينها هذه القطيعة مع عالم الكتابة بالعربية راجع لهؤلاء الأشخاص الذين رموا بي إلى أحضان اللغة الفرنسية وأجبروني على العودة إليها ولم أقصد الانتقام من العربية بل للغة العربية مكانة خاصة فمسيرتي وأفتخر بها ولم أقصد أبدا هجرانها«، وأوضح رشيد بوجدرة »لدي مشاريع عديدة تختمر في ذهني لكن روايتي القادمة ستبتعد عن التاريخ والثورة والمرحلة الاستعمارية الفرنسية بالجزائر. وبخصوص حضور المنخب الوطني في كأس العالم بجنوب إفريقيا أضاف بوجدرة »فضلت أن أشاهد مقابلة الجزائر وإنجلترا لوحدي في المنزل حتى أفرغ شحناتي وأتفاعل مع العرض بكل حرية وقوة والأكيد أن الفريق الجزائري كان الأقوى ووجد الخصم الإنجليزي أمامه فريقا شابا قويا منضما وصلبا حطم غرورهم وبالنسبة لي بعد هذا الأداء النظيف والعالي والجمالية في اللعب بصورة إستيتيكية فنية بعيدا عن العنف والاندفاع البدني للفريق الوطني الشاب وأنا من عشاق كرة القدم لا تهمني أن نربح أونخسر والنتيجة أمام الولاياتالمتحدة. وأوضح رشيد بوجدرة أنه أنهى منذ فترة كتابة سيناريو فيلم حول »فريق كرة القدم لجبهة التحرير الوطني« مدته 2 ساعتان ومن المنتظر أن يبدأ تصويره عام 2011 وهو من إنتاج وإخراج وتمثيل جزائري يسطر بطولات فريق جبهة التحرير منذ 1958 إلى غاية ما بعد الإستقلال وكشف صاحب التطليق أن روايته فندق سان جورج التي صدرت عن دار الغرب بالجزائر ستصدر شهر جانفي 2011 عن دار غراسييه والبرزخ ولم يستبعد رشيد بوجدرة أن يمضي مجددا عقدا مع دار النشر الفرنسية غراسييه بالنظر إلى مكانتها وما تقدمه من حقوق ومواصلته مع دار البرزخ في الجزائر. وقال رشيد بوجدرة في سياق حديثه عن راهن التجربة الروائية والأصوات الجديدة أنه توجد خامات إبداعية ومواهب كثيرة خاصة خلال العشرية الماضية لكن تأسف لغياب التجديد في مستويات الكتابة الروائية ولم يخلق هؤلاء الكتاب الشباب المسكونين بهواجس مرحلة العشرية الحمراء والإرهاب شرخا حقيقيا ليحدثوا ثورة في عالم الرواية كالتي أحدثها جيل الرواد على غرار محمد ديب ومولود فرعون وبعدهم تجربة كاتب ياسين في رائعته نجمة كما أشار إلى تجربته الذاتية في رواية »التطليق« التي شكلت منعطفا ثوريا في توجهات الكتابة وولوج المسكوت عنه والطابوهات في المجتمع العربي. والأكيد أنه في روايته الجديدة التي قدمها أمام جمهور مكتبة العالم الثالث وشهدت إقبالا كبيرا من مختلف الأجيال لم يتنصل الروائي رشيد وعبر صفحاتها 270 لقناعاته وهواجسه في الكتابة الإبداعية حيث تمييز النص الجديد لصاحب »ألف عام وعام من الحنين« ونخبة من الأعمال الإبداعية القيمة والتي ترجمت لأكثر من 24 لغة بهاجس الثورة التحريرية ومرحلة الاستعمار الفرنسي وصولا إلى المرحلة الدموية التي عاشاتها الجزائر منذ نهاية ال80 إلى جانب توابل الحميمية التي طالما سكنت رواياته منذ 1965 لتصنع منه رائدا في هذا الإتجاه المسكوت عنه في الكتابة الجزائرية . يمنح رشيد بوجدرة للقارئ نص متحرك مسكون بالفزع والألم و الإنهيار بفعل اللا إستقرار الذي تعيشه شخصيات الرواية ، أحداث الرواية تحيلنا إلى لقاء قريبين على متن الطائرة المتجهة نحو قسنطينة فرق بينهما القدر منذ سنوات طويلة وجمع بينها من جديد على إرتفاع 10 آلاف متر فوق سطح الأٍرض وعلى مدار ساعة من عمر الرحلة رحلة داخلية أخرى يدخل غمارها كلا الشخصيتين لتحيلنا إلى ذكريات شخصية وجماعية ، هي رحلة إلى تاريخ الجزائر وإفرازاته فالشخصيتين يربطهما الدم والإلتزام السياسي والصدمة من التاريخ دون أن يغفل تطعيم نصه بالتجربة الحميمية التي عاشها القريبين ذات صيف مع التوأمتين . شخصية الرواية تشبه المبدع رشيد بوجدرة فهو من مواليد 1941 والتحق بالمقاومة 1959 كما عاصر إخفاقات المشروع الوطني وانزلاقاته ليصبح بعد الإستقلال شيوعيا ثائرا ويشتغل في مستشفى كطبيب جراح فيما قريبه عمر مهندس وشيوعي مدذمن على الكحول ويسترجع خلال الحوار مراحل مختلفة من النضال والإلتزام والإخفاق لتطفوا على سطح النص وبجمالية مفزعة صراعات التاريخ والحياة الأسرية التي ولدا فيها بحكم أنهما من عائلة ميسورة فثمة إسقاط على التاريخ على الحاضر ونسيج للألم مع العنف المتجدد في المجتمع لكن الرواية لا تصدر أحكاما قيمية بل تنبه بحس كتابة أن الجزائر منتصرة رغم ماعانته من التعذيب والآلة الإستعمارية الفرنسية الوحشية ويواصل بوجدرة فك شفرة تصفية الاستعمار في الجزائر التي لم تكتمل فالإستعمار الفرنسي بالنسبة إليه هو مرض مزمن وما يزال رغم مرور 50 عاما ينزف بالذاكرة والعفن كما تسمح الرواية لشخوصها التنفيس عن التاريخ وجراحه في زمان ومكان له دلالات كثيرة 10 آلاف متر فوق سطح الأٍرض .