مقاطعة الجزائر للقاء خبراء الدول الثماني الخاص بمكافحة الإرهاب بالساحل الصحراوي والذي احتضنته باماكو عاصمة مالي، كان موضوعا للكثير من التحاليل والتأويلات حول خلفياته وأسبابه، ورغم أهمية موقف الجزائر المعارض لأي تدخل أجنبي بالمنطقة، فإن الجدل قد تركز حول مسألة المشاركة المغربية غير المبررة، انطلاقا من معارضة الجزائر بشكل واضح وصريح من حشر الرباط أنفها في منطقة لا تعنيها جغرافيا، علما أن هذه المشاركة تتزامن مع مواصلة النظام المغربي حملته الشعواء ضد الجزائر. لم يمر وقت طويل على إعلان تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي عن شروطه لإخلاء سبيل المختطفين السبعة، والخاصة بإلغاء قانون حظر البرقع بفرنسا وبالحصول على ما لا يقل عن مليون يورو عن كل رهينة، حتى جاء تكذيب الاليزيه الذي لم يقنع أي أحد خاصة في ظل وجود دلائل واضحة على الاتصالات بين باريس والإرهابيين، أهمها التصريحات الأخيرة للوسطاء حول الحالة الصحية للمختطفين السبعة، وفي الوقت الذي تؤكد فيه كل المؤشرات بان باريس لن تعدم أي وسيلة لتحرير رعاياها، حققت الجزائر نصرا دبلوماسيا جديدة في إطار الحرب على الفدية، حيث قرر مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان اعتماد قرارا بادرت به الجزائر لمناقشة قضية احتجاز الرهائن من قبل الإرهابيين، وهذا في الدورة المقبلة المقررة في 2015، وهو ما اعتبرته الخارجية الجزائرية لبنة جديدة على طريق تجريم الفدية إقليميا ودوليا. ومن جهة أخرى قررت الجزائر عدم المشاركة في اجتماع أمني عقده فريق العمل التابع لمجموعة الثمانية الكبار »الولاياتالمتحدة، روسيا، اليابان، كندا، فرنسا، بريطانيا، ايطاليا وألمانيا«، بعاصمة مالي باماكو نهاية الأسبوع الماضي،وهذا، لقناعتها بأن توسيع المشاركة في مثل هذه الاجتماعات لن يؤدي سوى إلى تعقيد المعادلة الأمنية في المنطقة، بحيث أن الجزائر غير مقتنعة بجدوى »تمييع« ملف مكافحة الإرهاب في الساحل من خلال فتح الباب لأطراف لا علاقة لها جغرافيا بهذه المنطقة، مع إيمانها العميق بضرورة توحيد دول المنطقة لجهودها من أجل العمل سويا على تأمين المنطقة والقضاء على الجماعات الإرهابية والتنظيمات الإجرامية الناشطة في المنطقة والمتحالفة فيما بينها، وهو ما جعل الجزائر، حسب ما نقل عن مصادر رسمية لم يكشف عن طبيعتها، تطالب أيضا بالتركيز على العمل الذي تم القيام به خلال الأشهر القليلة الماضية، خاصة فيما يتعلق بتشكيل تحالف بين الدول الأربع المعنية مباشرة بالوضع في الساحل، وهي الجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر، واعتبرت المصادر ذاتها أن تشكيل غرفة عمليات مشتركة بين الدول الأربع في تمنراست، ثم تشكيل مركز استخباراتي مشترك، يمثل خطوات عملية يمكن أن يكون لها الأثر الإيجابي في مكافحة الإرهاب إذا ما أبدت الدول المعنية جدية أكبر في التعاطي مع المسألة. الإشكالية الرئيسية المتعلقة بالتدخبل الأجنبي بمنطقة الساحل الصحراوي والذي تعارضه الجزائر بشدة، تجعلنا نثير نقطة رئيسية تتعلق بخلفيات عقد اجتماع لدول الساحل تحت مضلة الثمانية الكبار، وهل كان من الضروري القيام بهذه الخطوة في وقت تجري فيه المشاورات واللقاءات على قدم وساق تحت إشراف الجزائر ؟ ويبدو جليا أن لقاء باماكو إنما هو محاولة للالتفاف حول المسار الذي أشرفت عليه الجزائر، وقد يشكل أداة لتقديم طرح بديل يقوم على عمل مشترك بين دول جنوب الصحراء والمغرب من جهة والدول الغربية وخاصة فرنسا من جهة أخرى، والهدف هو تغليب الوجود الأجنبي وتدعيم النفوذ الغربي السياسي والعسكري في منطقة تنام على الكثير من الخيرات مثل البترول واليورانيوم وتنام أيضا على رهانات ومخاطر أمنية لا يعرف مداها إلا أولائك الذين يحضرون لطبخات شبيهة بتلك التي شهدها العراق والسودان وحتى أفغانستان. لقد دعمت أمريكا على لسان منسق مكافحة الإرهاب في خارجيتها، السفير دانيال بنجامين الذي أكد بأن الحل الأمني هو من اختصاص دول المنطقة، مضيفا » نحن نتفق مع الجزائر على أن دول المنطقة هي الأولى بمعالجة قضية القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي..« مشاركة المغرب التي طالب بها مؤخرا ممثل مالي ، هي عبارة عن هدية من باريس للرباط من خلال إقحامها عنوة في المعادلة الأمنية التي تتعلق بمنطقة ليس للمغرب علاقة جغرافية بها، والمعروف أن المغرب يطالب منذ مدة بالمشاركة في لقاءات دول الساحل الصحراوي، وانتقد بشكل رسمي الجزائر لرفضها هذه المشاركة، ويدرك المغرب كما يدرك الجميع بأنه لا علاقة له بدول الساحل وليس له تضاريس مشتركة مع هذه البقعة من العالم، وإصراره على المشاركة تفسره ثلاثة أهداف رئيسية الأول يتعلق بمحاولة فرض احتلاله للصحراء الغربية كأمر واقع، والثاني يتعلق بتأكيد الأطروحة التي رددها العاهل المغربي محمد السادس في أكثر من مرة وروجت لها الدعاية المغربية والمتعلقة بالعلاقة المزعومة بين القاعدة وجبهة البوليساريو، وأما الهدف الثالث والأخيرة فيخص السعي إلى إضعاف الجزائر لأن رعايتها لمسألة مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل الصحراوي يعني التمكين لخياراتها الرافضة للتدخل الأجنبي وهو ما يقلق باريس التي ترى في الرباط وبعض الدول الضعيفة جنوب الصحراء الكبرى أداة تستعملها للاستثمار السياسي والأمني في موضوع مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل. إذن إصرار المغرب على التواجد في اجتماع دول الساحل هدفه تقويض جهود الجزائر وفرض الأمر الواقع في الصحراء الغربية، وهذا يقودنا مباشرة إلى الحديث عن الحملة الشرسة التي يقوم بها النظام المغربي ووسائطه السياسية والإعلامية ضد الجزائر من خلال استغلال قضية المسمى الشرطي ولد سلمى، رغم إخلاء سبيله من قبل جبهة البوليساريو، واتهام رئيس الدبلوماسية المغربية فاسي الفهري الجزائر بتعطيل مؤسسات المغرب العربي، وانتقاده موقفها بشان قضية الحدود البرية المغلقة بين البلدين. ويسعى النظام المغربي منذ مدة إلى تقديم صورة غير صحيحة عن الجزائر، لمجرد أنها رفضت مجارات الرباط التي تسعى إلى فرض الحكم الذاتي على الشعب الصحراوي، وبنفس الأسلوب المعهود زعم النظام المغربي بان الجزائر هي السبب في حالة الجمود، وهو ما يفسر عودة الرباط للمطالبة بضرورة فتح حوار مباشر معها حول الوضع في الصحراء الغربية، مع أن المنطق يقتضي أن تواصل الرباط محاورة الممثل الشرعي للشعب الصحراوي أي جبهة البوليساريو إذا كانت ترغب حقيقة في إيجاد حل سلمي في الصحراء الغربية. ويبدو أن فرنسا التي تحولت إلى خادم وفي للنظام المغربي لا تزال تسعى وبكل الوسائل إلى استفزاز الجزائريين، وما قام به مؤخرا كاتب الدولة الفرنسي لقدامى المحاربين الذي أعلن عن تأسيس مؤسسة ذاكرة حرب الجزائر بالتزامن مع إحياء الذكرى ال 49 لمجازر نهر السين، هو أكبر دليل على أن باريس لن تتوقف عن اهانة الذاكرة الجماعية للجزائريين والتطاول على تاريخهم، والذي شرعت فيه مع قانون العار الممجد للاستعمار الصادر في 23 فيفري 2005، وهو ما جعل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين السعيد عبادو يؤكد بأن مشروع قانون تجريم الاستعمار هو الرد المثالي على الاستفزازات الفرنسية، وهي رسالة أيضا موجهة لحكومة أحمد أويحيى ولكل من يهم الأمر في مسألة إطلاق سراح هذا المشروع الذي أسال الكثير من الحبر خلال الأشهر الماضية. وأما على الصعيد الداخلي فيبدو أن البعض يريد أن يجعل من »حروب الأفلان« الوهمية أداة لمعارك مفتعلة مع الحزب العتيد، ووسيلة لتحقيق مكاسب سياسية من خلال استغلال بعض الوجوه التي تنسب نفسها عنوة للجبهة وتحاول أن تجعل من مسألة إعادة الهيكلة معبرا نحو المتوقع استعدادا للاستحقاقات المقبلة، لكن مهما قيل ويقال عن هذه »المعارك«، فإن نشاط الأفلان يملأ الساحة السياسية عبر العمل الداخلي أو الندوات التي ينشطها، وهذا في وقت ركنت جل الأحزاب السياسية، في الموالاة أو المعارضة إلى الخمول والجمود، وكان ما تعج به الساحة من أحداث وما تعرفه الجبهة الاجتماعية من تفاعلات لا يعنيها.