سيطر على السياسة الأمنية في 2010 تركيز العمل على معالجة ظاهرة الإرهاب إقليميا، أي محاصرة نفوذ تنظيم القاعدة المتزايد بمنطقة الساحل والصحراء، والبحث عن وصفات أكثر فعالية لدمج دول جنوب الصحراء في الحرب على الإرهاب، والتنسيق الأمني بينها ومن ثمة الحيلولة دون التدخل الأجنبي بالمنطقة تحت غطاء »الأفريكوم« أو المساعدات العسكرية المباشرة التي تقدمها فرنسا في شكل تواجد عسكري صريح ومشاركة ملموسة في الحرب على الإرهاب، من شأنها تقويض سيادة الدول، بل وتوسيع النشاط الإرهابي وتهديد استقرار كامل المنطقة التي أصبحت مرشحة لأن تتحول إلى فضاء نشاط بديل لتنظيم القاعدة، خاصة في مثلث شمال مالي والنيجر الذي يصفه المختصون في الشأن الأمني ب »وزرستان إفريقيا«. لقد عرفت منطقة الساحل والصحراء تطورات متسارعة خصوصا مع تنامي ظاهرة اختطاف الرعايا الغربيين، وحصول عمليات عسكرية ضد فلول القاعدة بهذه المنطقة، ووصول المد الإرهابي إلى أوروبا، وتحديدا فرنسا، التي عاشت أياما سوداء بفعل تهديدات أطلقها عبد الملك درودكال، المكنى أبو مصعب عبد الودود، بعد العملية العسكرية التي نفذها الجيش الموريتاني وفرقة من قوات النخبة في الجيش الفرنسي ضد مخيم للإرهابيين بشمال مالي وانتهت بمقتل ستة من العناصر المسلحة، وعجّلت بإعدام الرهينة الفرنسي ميشيل جيرمانو. والواقع أن سنة 2010 عرفت تصاعدا لافتا لخطر تنظيم القاعدة بمنطقة الساحل والصحراء، كما شهدت توسعا مقلقا لنشاط تنظيم عبد الملك درودكال، الذي استفاد كثيرا ماديا ومعنويا من سيناريو تحرير الرهينة الفرنسي بيار كامات، الذي قايضته القاعدة بأربعة من عناصرها، كانوا محبوسين في باماكو، فضلا عن فدية مالية لم يعلم أحد قيمتها. كما استفاد تنظيم عبد الملك درودكال من تحرير عمال الإغاثة الاسبان الذين اختطفهم بموريتانيا وأطلق سراحهم مقابل الملايين الذين دفعتها مدريد. كما استفاد أيضا من العملية العسكرية الفاشلة التي نفذها الجيشان الفرنسي والموريتاني بشمال مالي لتحرير ميشيل جيرمانو، على اعتبار أن ذلك شكّل درسا لموريتانيا، ولباريس، بشكل خاص، التي أخذت العبرة جيّدا، وهو ما بدا من خلال تعاملها الحذر مع قضية اختطاف خمسة من خبرائها النوويين رفقة مواطنين إفريقيين بمنطقة أرليت بشمال النيجر. واستفاد أكثر من التدخل الموريتاني، بإيعاز من فرنسا بشمال مالي، خاصة خلال عملية شمال تومبوكتو التي مني فيها الجيش الموريتاني بخسائر فادحة رفعت من معنويات أنصار عبد الحميد أبو يزيد ومختار بلمختار اللذان يقودان النشاط الإرهابي بمنطقة الساحل والصحراء. لقد سبق للرئيس بوتفليقة أن حذّر من كندا من خطورة تنامي خطر القاعدة بمنطقة الساحل والصحراء، وكان خطاب الرئيس ترجمة لتوجه جزائري جديد نحو الاهتمام أكثر بمعالجة ظاهرة الإرهاب إقليميا بعدما نجحت الجزائر في معالجة هذه الآفة داخليا. وما اللقاءات التي احتضنتها الجزائر والتي ضمت دول الساحل الصحراوي، لقاء وزراء الخارجية، ولقاء قادة مصالح الاستخبارات لدول الساحل، ثم لقاء قادة أركان جيوش الساحل الصحراوي، والإعلان عن تشكيل مركز لتجميع المعلومات الاستخباراتية، زيادة عن هيئة أركان جيوش الساحل يقع مقرها بتمنراست بأقصى الجنوبالجزائري، إلا أدلة على العمل الجبّار الذي قامت به الجزائر، خصوصا خلال سنة 2010، من أجل تجسيد مسألة التنسيق الأمني بين دول الساحل الصحراوي، والتأكيد بأن دول الساحل بامكانها القيام بمهمة مكافحة الإرهاب بنفسها دون الحاجة إلى التدخل الخارجي، كما أكد على ذلك قائد أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح. لقد خاضت الجزائر سنة 2010 معركتين أساسيتين على محور الساحل الصحراوي، تتعلق المعركة الأولى بتجريم الفدية، والثانية بتحييد القوى الغربية التي تبحث عن موطئ قدم بالمنطقة تحت غطاء مكافحة القاعدة، ونجحت في المعركة الأولى بشكل كبير جدا من خلال تبني الأفارقة لقانون نموذجي حول الإرهاب خلال اللقاء الذي احتضنته الجزائر، ودعم قوى عظمى مثل أمريكا وبريطانيا لمساعي تجريم الفدية التي تحولت إلى مصدر استرزاق للجماعات القاعدة، التي جمعت حسب بعض المصادر مالا يقل عن 50 مليون دولار عبر الفدية خلال السنوات الأخيرة. أما المعركة الثانية والتي لا تقل خطورة فتتمثل في التصدي للتدخل الأجنبي بالمنطقة الذي لا تقل خطورته عن نشاط القاعدة.