حسم الدستور الجزائري الجديد في موضوع اللغة الأمازيغية "تمازيغت" بترقيتها إلى لغة وطنية ورسمية ، ثاني لغة بعد العربية، بمبرر دعم الوحدة الوطنية وثوابت الأمة في النسق الثقافي والحضاري للمجتمع الجزائري؛ وكخطوة سياسية هامة لغلق الباب في وجه المزايدات التي تبنتها بعض الكتل والتجمعات السياسية على خلفية الصراع والاستغلال اللغوي ومحاولات تأليب العالم على النظام الحاكم بالادعاء أن لغة الشعب مضطهدة ومنتهكة . وهي تمثل إلى جانب الإسلام واللغة العربية ركائز هوية الجزائر، وبترسيمها لا تنقص من مكانة اللغة العربية، فكلتاهما لغة الجزائريين التي ستقضي على مشكل الفرز اللغوي الذي استحدثه الاستعمار الفرنسي إبان فترة الاحتلال بتفريقه بين العربية والأمازيغية ومحاولة استغلال إحداهما لضرب الأخرى من أجل التمكين للغة الفرنسية كبديل ثالث ومهيمن . بقدر ما سيرسخ إقدام الرئيس بوتفليقة على ترقية الأمازيغية إلى لغة رسمية ووطنية لقيم الديمقراطية الحقة ودعم الوحدة الوطنية، فإنه سيمكن من الفصل في التجاذب السياسي بين خط الأمازيغية الوطنية المتناغمة والمنسجمة مع البعد العربي الاسلامي وبين من يدافع عن الأمازيغية الوطنية في إطار الفضاء المتوسطي والحرف اللاتيني، وأيضا ضرب وتعرية أمثال حركة الماك التي تستثمر في الموضوع في جميع المناسبات والأزمات التي تمر بها المنطقة، وتلعب في مشروعها الانفصالي- الانقسامي على وتر الهوية الأمازيغية وتتلقى الدعم الكامل من بعض الدول الأجنبية، مثلما كشفته عديد التقارير والصور. العمق والبعد الوحدوي وبمسايرة التركيز المعلوم واسعا فإن تمازيغت تعتبر اللغة الرئيسية في التعاملات اليومية لسكان منطقة القبائل الكبرى التي تضم عدة ولايات تقع شرق العاصمة، وتتباين لهجتها وتنوعاتها اللسانية نسبيا بين عدة مجموعات متباعدة جغرافياً، وهم القبائل في بلاد القبائل (شرق العاصمة)، الشاوية في منطقة الأوراس (جنوب شرق)، الميزاب (المجموعة الأمازيغية الوحيدة ذات المذهب الإباضي في منطقة غرداية (500كم جنوب)، الطوارق (أقصى الجنوب الصحراوي)، الشنوة في منطقة شرشال (90 كم غرب العاصمة ). والحقيقة، بالرغم من أن كل مناطق الجزائر كانت أمازيغية ثم تعربت إلا أن الناطقين بمختلف اللهجات الأمازيغية في الجزائر يصل إلى سكان 32 ولاية من أصل 48 وفي مختلف الجهات الجغرافية ، وما طرحه مناضلو القضية الأمازيغية بفكرهم الوطني، اللغة الأمازيغية الجامعة، وبالتالي فإن المطلب وطني وليس جهويا مناطقيا. طيلة 15 قرنا من التواجد الاسلامي والعربي في الجزائر ألفت الكتب والتفاسير في مختلف المجالات بالأمازيغية ، وأغلبها بالحرف العربي بل أغلبية الجيل الماضي من أعمدة الفكر والثقافة القبائلية دونوا أعمالهم وأشعارهم وقصائد أغانيهم بالأمازيغية وبالحرف العربي وتعايشت العربية والأمازيغية جنبا إلى جنب وأخذت الثانية من الأولى الكثير من الألفاظ خصوصا القرآنية . كما قام مناضلو القضية الأمازيغية بعد 1912 ببحوث عميقة وثرية حيث وضعوا لها القواعد والنحو والصرف لدرجة تكاد أن تصبح لغة بكل المعايير والمقاييس العلمية مع ملاحظة أن الحركة الثقافية الأمازيغية في "الأهقار" بأقصى الجنوبالجزائري قدموا مجهودهم بالحرف الأصلي "التيفيناغ" التي لا يتعدى عدد حروفها أصابع اليد ، وفي الشمال الجزائري استعملوا الحرف اللاتيني . محطات مسار بالعودة إلى المسار والإطار القانوني، فقد سجل تطورا هاما خلال العقدين الأخيرين قبل الوصول إلى ترسيمها في الدستور الجديد حيز التنفيذ ، أوله، اعتراف قدماء المناضلين للقضية الأمازيغية بدسترتها في أبريل 2002 كلغة وطنية ثانية ، ثانيها، ترقيتها إلى مصاف لغة رسمية في الدستور الأخير (2016 ) ، وهما المرحلتان اللتان ميزتا هذا المسار نحو الاعتراف التام بهذا الجزء من مكونات الهوية الوطنية الجزائرية . قبل ذلك ، وفي سنة 1990 تم إنشاء على مستوى جامعتي »تيزي وزو وبجاية« أقسام للغة والثقافة الأمازيغية التي أدت بعد ذلك إلى إدخال اللغة الأمازيغية في النظام الدراسي بتوفير أساتذة لإدراجها في النظام التربوي الوطني، ثم جاءت المرحلة الهامة الأخرى في 1995 بفضل اتفاقيات 22 أبريل من هذه السنة التي وقعت بين الدولة والحركة الثقافية البربرية واضعة بذلك نهاية لإضراب المحافظ الذي دعت إليه الحركة سنة 1994 ، لتدخل الأمازيغية في برنامج التربية الوطنية منذ السنة الدراسية 1995/1996 ، لكن تعميم تعليمها على مستوى كافة التراب الوطني جوبه ببعض العراقيل التي أثارتها المحافظة السامية للأمازيغية في مختلف تدخلاتها وتتعلق بالطابع الاختياري لهذه المادة ونقص وسائل تدريسها وكذا المعلمين . وفي سنة 1996 حقق مسار الاعتراف بالأمازيغية كلغة وثقافة للشعب الجزائري خطوة كبيرة أولى عن طريق إدخالها في مقدمة دستور 1996، لتتحقق خطوة أخرى في 2002 حيث تم تعديل الدستور عن طريق البرلمان مما منح للأمازيغية منذ 10 أبريل 2002 قانون "اللغة الوطنية"، وبعدها بسنة واحدة في عام 2003 تم استحداث المركز الوطني البيداغوجي واللغوي لتعليم الأمازيغية، مكلف خاصة بتطوير تعليمها وانجاز دراسات حول هذه اللغة ومعالجة المشاكل الإملائية (الحروف اللاتينية أو العربية أو تيفيناغ) عبر المتغيرات المختلفة والكلمات الجديدة بعد أن أصبحت مادة تعليمية ولها قناة تلفزيونية وإذاعية حكومية إلى جانب القنوات المحلية، كل هذه الإجراءات للاعتراف وإعادة الاعتبار للأمازيغية كلغة وثقافة وضعت لها هيئة مكلفة بترقيتها. ويتعلق الأمر خاصة باستحداث المحافظة السامية للأمازيغية ( مرسوم رئاسي رقم 95-147 ل 27 مايو 1995). تقديرات تطبيق الترسيم من 10 إلى 20 سنة بتقديرات ، أحمد أويحيى ، مدير ديوان برئاسة الجمهورية على ضوء ما استجد دستوريا مؤخرا أن تطبيق ترسيم اللغة الأمازيغية سيتطلب بين 10 و20 سنة أو أكثر لأنه سيتعين على المختصين الاتفاق لجعلها لغة واحدة موحدة، وأن الأمر يتعلق بورشة سيعكف عليها مجمع اللغة الأمازيغية الذي سيوضع مستقبلا لدى رئيس الجمهورية وفقا لأحكام الدستور الجديد وتكليف المختصين باختيار الأحرف التي ستستعمل في كتابتها بعد ترقيتها إلى لغة رسمية. مثل هذا القرار يعد عملا منهجيا يسمح بإحداث تغيير فعال ومنظم لهاته اللغة تحت إشراف أكاديمية اللغة الأمازيغية، ومن بين الانعكاسات الإيجابية له أن الدولة ستجند امكانيات أكبر لتدارك التأخير في مجال البحث والتطوير والتعليم والنشر عبر التطبيق الفعلي للإرادة الدستورية التي ستنعكس أيضا بإصدار سلسلة من النصوص المحددة لتطبيق الطابع الرسمي للغة الأمازيغية واستعمالها في الإدارات ومؤسسات الدولة ، مع العمل في مجالات الإنتاج الأدبي والعلمي والثقافي النوعي، والسعي إلى تحقيق المجمع اللغوي برتبة »أكاديمية« وإنشاء قاموس وترجمة النصوص الأدبية العربية إلى الأمازيغية وتوسيع عدد الجرائد التي تنشر صفحات باللغة الأمازيغية. وبرأي الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية أن الحرف المستعمل في تدوين هذه اللغة الوطنية والرسمية لا يطرح في حد ذاته مشكلة ، سواء كان بالحرف اللاتيني أو العربي أو التيفيناغ ، فالمهم أن يستجيب للقواعد ويعكس أصالة المنتوج الأمازيغي وتوسيع تعليم اللغة الامازيغية عبر التراب الجزائري، وهو مجهود يرافقه تخرج الدفعة الأولى من حاملي شهادة الليسانس في اللغة الأمازيغية من جامعة باتنة لوحدها ، والبالغ عددهم حوالي 3 آلاف طالب، وتبذل الدولة مجهودا كبيرا لتوفير مناصب مالية لتوظيفهم . وسيفتح في السنة المقبلة معهد عالي لتعليم الأساتذة متخصص في اللغة الأمازيغية ، بعد أن وصل عدد حاملي شهادات الليسانس إلى 5.714 ، منهم 75 من جامعة باتنة الذين تخصصوا في "تشاوي" لسانية أمازيغية، في إطار تدريس الأمازيغية بمقررها البيداغوجي الموحد الذي سيشمل 32 ولاية ابتداء من الدخول المدرسي المقبل 2016-2017. على سبيل المقارنة ، فإن تعليم اللغة الامازيغية الذي بدأ في موسم 1995-1996 ب37.690 تلميذ أطرهم 233 أستاذ ، انتقل في الموسم الدراسي الحالي إلى 217.176 يؤطرهم 2.101 أستاذ، علما أن تعليم الأمازيغية في هذه المرحلة كان اختياريا، الشيء الذي أدى إلى العزوف عنها من طرف البعض لكن مع دسترتها كلغة رسمية سوف يرتفع هذا العدد بشكل ملحوظ ، الأمر نفسه بالنسبة للولايات التي فتحت أقساما نموذجية لتعليم الأمازيغية، حيث انتقل عددها 11 في سنة 2014 إلى 22 في هذه السنة مع تسجيل أن أغلب الولايات الجديدة من الجهة الغربية التي لم تكن في الحسبان بشكل أساسي ، وسوف تعمم هذه العملية لتشمل ولايات الشرق والجنوب . "تمازيغت" اللغة الوطنية والرسمية في البلاد، ستخرج من مفاهيم الترقية إلى البعد الوطني الرسمي، وسيتم تعليمها في الطور الابتدائي الأساسي بالمتغير اللغوي المحلي أي لغة الأم، حتى يسهل التواصل مع الطفل ثم يطبق في الطور التكميلي، وفق برنامج بيداغوجي يتم تحيينه من طرف نخبة من المختصين والخبراء من وزارة التربية الوطنية بالتنسيق مع المحافظة، بعيدا عن كل تعصب عند توحيد لهجاتها في لغة جامعة والاتفاق على اللغة التي تكتب بها.