عادت الاحتجاجات بشكل ملحوظ هذه المرة، بعدما كانت شهدت الجبهة الاجتماعية هدوءا نسبيا منذ بداية الموسم الاجتماعي، ولا يقتصر تململ الطبقة الشغيلة على قطاع أو قطاعين بالنظر إلى الوضعية الاقتصادية التي تمر بها الجزائر والتي أدت إلى تراجع قيمة الدينار بشكل غير مسبوق، كما لا ينحصر هذا التململ في القطاع الخاص الذي يشتكي نقص الأموال ما دفع ببعض المؤسسات إلى تسريح عمالها، بل مس حتى قطاع الوظيفة العمومية على رأسها قطاعات التربية، الصحة والنقل. بدأت الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية التي تمر بها الجزائر جراء انخفاض أسعار البترول تتجلى ميدانيا، فبعد الارتفاع الذي شهدته مختلف الأسعار نهاية 2015 وبداية 2016، أصبح العمال الذين ينتمون للطبقتين المتوسطة والفقيرة يُعانون من تدهور ملحوظ في القدرة الشرائية، يُضاف إليها تخوفاتهم من التسريح أو حتى غلق المؤسسات، ولا يقتصر الأمر على قطاع مُعين بل مس جل القطاعات، ما تسبب في إعادة التوتر للجبهة الاجتماعية التي شهدت خلال الأشهر الماضية هدوءا نسبيا. وفي الوقت الذي تُعاني فيه عديد المؤسسات الاقتصادية من صعوبات مالية دفعت ببعضها إلى الغلق وبالبعض الآخر إلى اتخاذ سياسات تقشفية صارمة واللجوء إلى حد تقليص عمالها، لجأت بدورها بعض الفئات العاملة في قطاع الوظيفة العمومية إلى إبداء تخوفاتها من المُستقبل، ومنه، المُطالبة إما بالترسيم أو بتحسين الأجور عبر رفع المنح أو بإعادة النظر في القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية، وهو ما يحدث أساسا في قطاعات التربية الوطنية، الصحة العمومية وكذا النقل. ففي قطاع التربية وإضافة إلى المتعاقدين الذين يُطالبون بحقهم في الإدماج بعدما عملوا لسنوات بهذا القطاع والذين دخلوا في حركة احتجاجية دامت عدة أيام وانتهت بتدخل قوات الأمن لتفريقهم، قررت بدورها نقابة الأسلاك المُشاركة والعمال المهنيين وأعوان الأمن القيام بحركة احتجاجية تنطلق اليوم عبر "تنظيم اعتصامات أمام مديريات التربية بمختلف الولايات يليها اعتصام وطني يوم 30 أفريل بولاية تيبازة مع إعلان يوم 01 ماي المقبل يوما وطنيا للغضب بقطاع التربية الوطنية". ورغم توقيع عدة نقابات على ميثاق أخلاقيات النظام التربوي، إلا أن ذلك لم يكن مانعا لكسر الهدوء الذي شهده القطاع منذ بداية الموسم الدراسي، وهو ما يُهدد به كذلك الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين "إينباف" الذي دعا الوزارة إلى الإسراع في الرد على الملفات والقضايا ذات العلاقة بتطبيقات التعليمة الحكومية 03 والتعجيل في تطبيق المرسوم الرئاسي 266-14 المؤرخ في 29 سبتمبر 2014 المتعلق بإدماج وإعادة تصنيف حملة الشهادات..أو اللجوء إلى طرق أخرلاى في إشارة إلى الاحتجاجات. نفس الشيء بالنسبة لقطاع الصحة والسكان وإصلاح المُستشفيات، فبعد الهدوء النسبي الذي دام عدة أشهر، عادت أمس الاحتجاجات عبر نقابة ممارسي الصحة العمومية التي دخلت في إضراب وطني يُتبع بيومين احتجاجيين نهاية الشهر وثلاثة أيام أخرى بداية ماي متبوعة باعتصام وطني أمام مقر وزارة الصحة..الوضع ينطبق كذلك على قطاع النقل، حيث هددت الاتحادية الوطنية لمستخدمي قطاع النقل بتنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر الوزارة يوم الأربعاء 4 ماي المقبل، وشددت على أنه "في حال عدم استجابة الوصاية لمطالبها ستلجأ إلى استدعاء مجلسها الوطني من أجل البث في الطرق التي سيتم من خلالها تصعيد الاحتجاج"، ولا نعرف لغاية الآن ما تمخض عنه اللقاء الذي جمعها بممثلي الوزارة التي سارعت لإنقاذ الموقف. ولا يقتصر التململ والغليان المُسجل وسط النقابات والعُمال على القطاعات المذكورة بل يتعلق بقطاعات أخرى قد تلجا إلى نفس المسار من حين لآخر، ما يدعو السلطات العمومية في البلاد إلى أخذ هذه الوضعية بعين الجد عبر تخفيف الضغط على الجبهة الاجتماعية سيما والجزائر تعيش ظروفا استثنائية في عديد المجالات.