أكثر من واحد من أعيان القصبة ومن الذين بلغوا من السّن عتيه، سمعته يقول: بأن المحروسة "الجزائر" تحميها دعوة وبركات الولي الصالح العلامة عبد الرحمان الثعالبي طيب الله ثراه المولود عام 1385 بناحية وادي يسر، والمتوفى عام 1479 بعد أن قضى 90 ربيعا كانت كلها طاعة ومرضاة لله عزّ وجل ووقفا على مصلح العباد تولى القضاء زمنا قصيرا ثم انقطع إلى الزهد والعبادة وقام بالخطابة على منبر الجامع الكبير، وعكف بعد ذلك على التدريس والتأليف بعد وفاته دفن بربوة بين باب الوادي والقصبة وضريحه الآن مزارا للعاصميين .. وينسبون إليه مقوله :أن الآخرين إذا ما مسهم الوحل إلى حدود الركبة، فالجزائر ما يصيبها سوف لن يتجاوز حدود القدمين، أما إذا وصل ا لوحل عندهم حدود الرقبة فالجزائر لن يتعد فيها منطقة الخصر.. هذه المقولة نقلتها وسائل إعلامنا في إطار حصة استجوابيه سجلها التليفزيون الجزائري وبثتها في منتصف التسعينات، أو سنوات الجمر كما أصبحت تسمى لاحقا.. وكيفما كانت حقيقة هذا الدعاء أو هذا المقولة من خلال الرواة فان دلالتها نقدرها أحسن تقدير ونعتز بها أحسن اعتزاز وهي مؤشر خير واطمئنان على الدوام... مادام حزب جبهة التحرير بخير من البداية أبشر القارئ الكريم بأن الحزب العتيق، حزب جبهة التحرير الوطني، بخير وآنه في تجدد وتفاعل وحراك ايجابي على ارض صلبة من الإيمان بوجوب خدمة الشعب السيد، ذلك هو منطق التطور أو الديلكتيك لمنظور المنهج الجدلي نفسه، أما ما يبدو أحيانا هنا وهناك من صخب كلما اقتربت استحقاقات أو مرت أخري، ما هو في حقيقة الأمر إلا اجتهاد أصحابه قد اخطئوا فهم غير مشكورين ذلك انه لا اجتهاد مع احترام النص وسلامة الثوابت والمرجعيات، وقيام الهيئات الرسمية للحزب بدورها كاملا والتي تعتبر الإطار الرسمي والشرعي لمناقشة الأفكار وتبادلها وتصحيح ما يقتضيه الظرف واتخاذ بشأنها القرار المناسب في إطار ديمقراطي طبقا لنصوص الحزب، وكل من خالف هذه الإجراءات وهذه الأحكام كيفما كان عنوانه ومركزه لا يعتبر في حقيقة الأمر فعله إلا أسلوبا من أساليب التعبير للفت الانتباه وانشغالات خاصة متسترا عليها قد تكون جادة ومشروعة، إلا أنه مع ذلك لم يوفق أصحابها في التبليغ في الوقت المناسب والمكان المناسب، وعليه فالرجوع إلى جادة الصواب لهم أسلم موقف قبل فوات الأوان، وأن مطر سحاب الصيف قد تضر بعض المنتوج ولا تنفعه ولا ينتظر منها الثمر الوفير للعباد. إن الحزب محتاج إلى جميع أبنائه وأن فرص المشاركة في تحصين الحزب وتعزيز تواجده وتفعيل نفوذه عبر الهياكل القاعدية، فإن جغرافية أماكنها لم تتغير وزمن انجازها ممتد نحو المستقبل... وفيما عدا هذا فالحزب بخير بنشاطاته وصلابة ثوابته ومرجعياته وقيمه وتجربته وطموحاته، بل وبمناضليه الحقيقيين الأشاوس، ومادام الواقع كذلك فالجزائر كلها بخير، والعكس صحيح وهو ما لا نرجوه... قد يكفي القارئ أن ينظر إلى السنوات الأولي من تسعينيات القرن الماضي عندما كان الوطن يعيش تلك الأزمة الحادة في جوانبها المتعددة، السياسي منها والاقتصادي والأمني، وحينها كان حزب جبهة التحرير الوطني محل تحامل وتصفية حسابات واضطهاد لمناضليه من طرف السلطة الفعلية آنذاك والبقية من الأحداث معروفة..... هذه العلاقة أو الجدلية القائمة منذ نصف قرن على محك التاريخ فقهها صحيح بالدليل والبرهان، كما يوضح ذلك الواقع المحسوس والملموس، وكذلك التلاحم الذي رجع منذ انتخابات الرئاسية عام 1999 والمسيرة الموفقة المتزنة والمتوازية التي تخللت ذلك التتويج إلى يوما هذا.. من البداية أقول ليست عاطفة الانتماء السياسي أو التعصب العقائدي وراء هذا التصور وهذا الحكم الذي أطمئن به المواطن قبل المناضل، من أنه متى توفرت الظروف واجتمعت الشروط ليعتلي كوادر وإطارات حزب جبهة التحرير الوطني هرم المؤسسات الرسمية في البلاد سواء كان ذلك على مستوى المجالس الشعبية المنتخبة من القمة إلى القاعدة، أو كان ذلك على مستوى المصالح والمؤسسات الإدارية والاقتصادية، فإن خبرة مناضلي الحزب وقدرتهم على كسب رهانات التسيير والمسؤولية أمر ثابت على مر الحقبات، وقد كان المحرك الرئيسي لهذه الدينامكية تلك الروح الوطنية العالية التي اكتسبها مناضلو الحزب، من خلال احتكاكهم بثورة الكفاح المسلح من جهة، وبالخصوص خلال مرحلة البناء والتشييد، حيث ازدهرت شخصية الإطارات المسئولة آنذاك وتجاوبت مع تلك الحقبة الذهبية من تاريخ الدولة الجزائرية، فبلت البلاء الحسن في جميع الميادين والتخصصات... وهكذا توارثت أغلب الإطارات إلى يومنا هذا فنيات التسيير وأساليب النجاة وكيفية التغلب على الصعوبات، وكسب رهانات التنافس وفرض الوجود على المستوى الدولي، والاستفادة من تلك الخبرات في أوقات قياسية. إن القاعدة الصلبة التي يقف عليها الإطار الجبهوي اليوم والأمس قبله تعتبر المحرك الرئيسي والقوة الدافعة التي تميز هذا المناضل وتأبى الاندثار والزوال في نفس الوقت، والتي مازالت من القناعات والأدبيات الخالدة، بل وتعتبر من الاهتمامات التي تحظى بالأولوية القصوى في ميدان التكوين على مستوى هيئات وأجهزة الحزب التي يؤطرها مناضلون قياديون من إطارات الحزب ونخبته. قد يتبادر إلى ذهن بعض القراء سبب هذا الاستطراد في توصيف بعض خصوصيات وإطارات حزب جبهة التحرير الوطني بالنسبة لجانب العنصر البشري، ذلك أني أعتقد جازما أن الرأسمال الحقيقي لأي دولة، أو لأي تنظيم سياسي إنما يتمثل في أفراده أو مناضليه ومدى استعدادهم ومدى تسلحهم بالجانب النظري والمذهبي ومدى قابليتهم للبذل والعطاء والتضحية إن لزم الأمر ... بهذا التبرير أسمح لنفسي بالقول بأن العنصر البشري متوفر بمقاييس وطموحات تليق بثورة نوفمبر الخالدة ووفاء لتضحيات الشهداء، مع ذلك فالطبيعة البشرية لا ترقى إلى مرتبة الملائكة، ولا تنزل إلى درجة الشياطين، فيبقى الإنسان بطبيعته أناني، يخطأ ويصيب، وإن درجة الكمال في مثل هذا المقام غير منتظرة ومع ذلك فطريقة التكوين السياسي المنتهج والصرامة في اختيار الرجال قد توفر حظوظ الصواب، ومن هذا المنطلق كان حزب جبهة التحرير الوطني على الدوام حريصا لأن يكون موفقا في انتقائه للإطارات التي يعهد إليها بأمانة تسيير الشأن العام. أما الجانب الثاني الذي تقاس به صحة وعافية حزب جبهة التحرير الوطني إنما يتمثل في ما يزخر به هذا الحزب من ثروة فكرية تجمعت وتراكمت على ما يزيد على نصف القرن، فهي تمثل مرجعياته وأدبياته التي عاصرت كل المراحل التي مر بها المجتمع والدولة، بل هي مرآة صافية لتاريخ الجزائر المعاصر، وأنه منذ تشكيل القيادة السياسية بعد انعقاد المجلس الوطني للثورة الجزائريةبطرابلس وتشكيلة المكتب السياسي انشق بعض القياديين من جبهة التحرير الوطني وقيادتها ومنهم من كان عضوا في المكتب السياسي فكونوا لأنفسهم لاحقا أحزابا بديلة بعضها لازال ينشط إلى اليوم، والبعض الأخر حل نفسه بعد مدة، كما اختار فريق أخر من مناضلي الجبهة آنذاك التفرغ إلى حياتهم الخاصة، وهكذا تكوّن برنامج حزب جبهة التحرير الوطني بعد الاستقلال متأثرا ببرنامج طرابلس وببيان أول نوفمبر الذي أصبحت كثير من الأحزاب تتخذ من بعض بنوده مرجعية لها، وهذا شيء جميل وايجابي يبعث على الاطمئنان والارتياح. إن حزب جبهة التحرير الوطني خلق ليبقى من أجل انجاز مشروع مجتمع وأمال وطموحات أجيال لم تتوقف يوما من الكفاح والرفض بمختلف وسائل التعبير والاستنكار منذ أن داست أرجل الاستعمار الفرنسي ارض الشعب الجزائري في ثلاثينات القرن التاسع عشر. إن عملية تلاحم المجتمع الجزائري على امتداد ما يزيد على النصف قرن إنما لما حس به المواطن ولمسه من تمثيل حقيقي لمشاغله وتطلعاته، وأن هذه الرغبة المشروعة التي تسكن في ضمير جميع المواطنين والمواطنات والمتمثلة في الحق في الحرية والعدالة الاجتماعية ومن أجل الحياة الكريمة في كنف الديمقراطية وسيادة الشعب والمساهمة على المستوى الدولي من أجل استجماع ظروف وشروط استتباب الأمن والسلم العالمين ومناهضة كل مظاهر الاستعمار وأسباب الفقر في إطار المنظمات الدولية والإقليمية هذه المحاور وغيرها، تمثل التزاما وميثاقا غليظا على عاتق مناضلي حزب جبهة التحرير الوطني تلك هي دواعي النضال في حزب جبهة التحرير الوطني وشرف تحمل المسؤولية من اجل تكملة تحقيق المشروع فيما يحقق مصالح الشعب الجزائري ويسعده، وعلى العموم يمثل هذا المشروع دليل الدولة الجزائرية في الحاضر والمستقبل، وأن تحيين هذا البرنامج بما يستجد من أوضاع على المستوى الدولي كان على الدوام محل اهتمام من القيادة السياسية بل وفرصة للتنقيح والإثراء بمناسبة المواعيد الحزبية والاستحقاقات الشعبية التي من خلالها يطلع أنصار ومحبي الحزب على هذه البرامج وهكذا دواليك... إن للحزب برنامج وأفكار وحلول وتطلعات ورسالة واضحة تعكس أصالة الشعب وآماله وليس تجميعا لحرفين من الحروف الهجائية أو أكثر من حرفين ،تميزا لما قد يقع من تشابه مع التشكيلات الحزبية الأخرى وعنوانا قانونيا يتيح لمؤسسيه المشاركة في الاستحقاقات المحلية والوطنية، والغاية القصوى من كل ذلك الوصول إلى دفة الحكم تحت هذا العنوان أو ذلك، وهذا ما تواترت عليه الحياة السياسية منذ أول انتخابات تعديدية. إن حزب جبهة التحرير الوطني يناضل من أجل بناء مجتمع متماسك من خلال تصور واضح متكامل الحلقات أثرى نصوصه وأحكامه أبناءه الملتزمون بعقيدته وتوجهاته منذ فجر الاستقلال إلى يومنا هذا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فهو بذلك نتاج واجتهاد أجيال من مناضليه على امتداد نصف قرن من الزمن تلك هي شرعية الانتماء وشرعية الوجود. حزب جبهة التحرير الوطني ملك لأبنائه وملك لمؤسسيه، وخادم أمين لأنصاره ومحبيه ومؤيديه من كل الشرائح والفئات الاجتماعية عبر أنحاء الجمهورية وأينما كان أي محب عبر أنحاء العالم. إن بعض الأصوات الناقعة من حين إلى آخر تطالعنا بأضغاث أحلام تصدرها أبواق من فقد الأمل في الحياة السياسية وكسب ود الشعب الجزائري أو إقناعه بتوجهاتهم وأفكارهم الغربية والمستوردة من تشكيلات وتجارب سياسية أجنبية، وكذا افتقارهم البيّن إلى برامج اقتصادية واجتماعية أو حلول بديلة، إلا ما يكرسونه ويؤكدونه من انتهاج أسلوب المغالطات، والتشويه للحقيقة والدس، ونشر عوامل الفتنة ،ونشر عوامل اليأس وروح الانهزام والتشكك في كل ما تحقق من انجازات...الخ إن هؤلاء الفاشلين يخدعون أنفسهم قبل مخادعة الغير من أنهم شركاء في الحزب العتيق ولهم نصيب كأنه ملك مشاع على حسب خزعبلات وترهاتهم،وحقدهم الدفين على ما تحقق فى الجزائر المستقلة وان سعادتهم لا تكتمل إلا برسم صورة ما يرونه من فتنة وتشرذم ينخر وحدة الصف الوطني على غرار ما وقع خلال السنوات العجاف أو العشرية الحمراء التي مرت عليها الجزائر،وكأن هذه السنوات تمثل بالنسبة لهم فرصة العمر للنشاط واعتلاء منصة التمثيل و الظهور أمام الرأي العام،وفى ذلك ضمان لتحقيق مآرب لهم في أجواء الرعب والغموض والفوضى والإرادات المكرهة، ومن غرائب الأمور »إن فوائدهم ومصالحهم لا تتحقق إلا مقرونة بمصائب الشعب وأحزانه«. إن هؤلاء القوم مازالت نظرتهم إلى ما تحقق منذ الاستقلال في ظل السياسة الرشيدة لحزب جبهة التحرير الوطني عبر ربوع الجزائر أنه لا يساوي شيئا مع ما خلفه الاستعمار الاستيطاني، ذلك هو حكم بعض العقول المسلوبة والمغلوبة على أمرها والمحرومة من نور الحقيقة التي لا تبصر، مع أن الجغرافيا قبل التاريخ شاهد وناطق بحقيقة الانجازات العظيمة التي تحققت في السهول والبوادي والتلال والصحاري، من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب. فهل من متذكر؟ من يجرؤ ويقول بأن القرى المخربة الموروثة عن المعمرين لم تتحول إلى مدن تضاهي المدن العالمية؟ ومن يجرؤ وينفي من أن عدد الجامعات هو الآن بعدد الولايات وأكثر، على عكس ما تركه الاستعمار الاستيطاني في بلادنا..،من يخف عدد المستشفيات، والسدود، والطرق، والقائمة جد طويلة ووراء كل هذه الانجازات والبني التحتية، رجال وضعوا البرامج، وعملوا على انجازه إنهم إطارات ومناضلي حزب جبهة التحرير الوطني زارعي العمران والأمل والأمن والاستقرار في ربوع الجزائر، وأن الالتزام مع الشعب ما زال متواصلا وأن مشروع المجتمع الذي يدعو إليه حزب جبهة التحرير الوطني مازال يحتاج إلى أشواط أخرى من الزمن والى وتيرة أسرع وإلى مجهودات كل أبناء الوطن وفي مقدمتهم أبناء الحزب العتيق وبنفس متجددة وبإرادة صلبة وعزيمة لا تلين وبعقيدة أقوى.......وللحديث بقية الدكتور فاضلي إدريس