تحولت تركيا في نظر كثير من العرب إلى نقطة مضيئة في عالمنا الإسلامي الذي يتخبط في الظلام، هي نموذج يريد الإسلاميون تسويقه لتبييض صورتهم في نظر الحكام العرب أولا ومن بعدهم الغرب، وهي الموضة الجديدة التي تسوقها الفضائيات العربية التي تحترف الإبهار بالكلام الغليظ وأضواء الصورة التي تكاد تخطف الأبصار. حزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان تحولا إلى إيقونة، وبالنسبة للعامة أصبح دم شهداء أسطول الحرية هو أزكى ما قدم من أجل استعادة فلسطين، وفوق هذا كله تجاوزت كلمات أردوغان عن إسرائيل، وهي كلمات ككل الكلمات، ما قدمه السلف والخلف من تضحيات، وهاهي تركيا تستغل حالة التخبط العربي هذه فيقول رئيس وزرائها المنتشي بنصره الانتخابي إن فوز حزبه أهم حدث سيغير وجه الشرق الأوسط. الحقيقة أننا الآن وصلنا إلى الحضيض، فقد أصبحنا نسير خلف كل سراب نحسبه ماء، وتعامينا عن الحقائق التي لن تغيرها الكلمات سواء صدرت عن سياسي أنيق يرفع شعارات الإسلام مثل أردوغان أو عن جنرال متزمت في دفاعه عن اللائكية بالصيغة التي فهمها عندما قرأ تاريخ تركيا الكمالية، والحقائق البسيطة تقول أن ليس لدى تركيا ما تقدمه من دروس في الديمقراطية للعرب أو لغيرهم، وليس لأردوغان أن يملي على بشار الأسد ما يجب فعله، وليس له أيضا أن يعرض على القذافي مغادرة بلاده بحجة أنه فاقد للشرعية، فلتركيا عوراتها في ميدان الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأكراد تركيا الذين تواطأ العالم كله ضدهم يستطيعون رسم صورة لنظام أنقرة لا تختلف في شيء عن أكثر الأنظمة قمعية وعنصرية في العالم. تركيا عضو فعال في الحلف الأطلسي، وهي أوثق حلفاء إسرائيل في المنطقة، هذه هي الحقائق التي لا يمكن لكلمات أردوغان أن تلغيها، وحتى قضية أسطول الحرية طويت، لا تركيا عادت لمحاولات كسر الحصار، ولا إسرائيل اعتذرت عن جريمتها، ومع ذلك لا يزال سهم أردوغان يرتفع في أسواق السياسة والإعلام العربية حيث ظلام الجهل والاستبداد يجعل من انتخابات تركيا نورا ديمقراطيا يسحر الألباب.