تؤشر المعطيات الميدانية على أن الساحة السياسية مقبلة على تغييرات هيكلية جراء الحراك السياسي والاجتماعي الذي يعرفه البلد منذ أحداث »السكر والزيت« وإعلان الرئيس عن مباشرة إصلاحات سياسية عميقة وشاملة في ظل متغير هام تشهده المنطقة العربية والإفريقية. مباشرة عقب خطاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للأمة يوم 15 أفريل المنصرم والذي أعلن فيه إقرار إصلاحات سياسية عميقة وشاملة، ثم الإعلان عن التأسيس لهذه الإصلاحات من خلال هيئة المشاورات السياسية التي شكلها بعد اجتماع مجلس الوزراء الملتئم في الثاني من ماي الماضي، سارعت العديد من الشخصيات الوطنية والحزبية إلى الإعلان عن نيتها في تشكيل أحزاب سياسية جديدة يقول أصحابها أنها جاءت لمسايرة الحراك الاجتماعي الداعي إلى التغيير السياسي، وفي هذا السياق سارعت مجموعة من الإطارات المنشقة عن حركة مجتمع السلم، بقيادة الوزير الأسبق عبد المجيد مناصرة إلى الإعلان عن ميلاد جبهة التغيير الوطني، لتكون أول حزب يعلن عنه، ثم تلاها حزب »الجيل الجديد« للقيادي السابق في حزب التجديد الجزائري جيلالي سفيان الذب أعلن أن حزبه قيد التأسيس سيكون حزبا معارضا ويتبنى خطابا يستهدف الشباب. ولم يتوان الأمين العام الأسبق للتنسيقية الوطنية لأبناء الشهداء لخضر بن سعيد من جهته، في توزيع بيان إعلامي يؤكد رغبته ومجموعة من الإطارات تأسيس حزب أطلق عليه اسم »حركة الوطنيين للأحرار«، كما أعلن الأمين العام السابق للتجمع الوطني الديمقراطي، الطاهر بن بعيبش عن تأسيس حزب سياسي جديد سيكون يضاف للحياة السياسية ويأخد على عاتقه الدفاع عن الشباب واهتماماتهم وإشراكهم في القرار السياسي وحسب البيان الصادر عن بن بعيبش فإن الحزب قيد التأسيس اختار صفة المعارضة، ووضع رهن عينيه الانتخابات التشريعية المقبلة كمحطة ميدانية للتغيير. وبهذا تكون الساحة السياسية تدعمت على الأقل »بأربع نوايا سياسية« جديدة في انتظار الميلاد التنظيمي والهيكلي لهذه الأحزاب.. فهل أصبحت الأحزاب التقليدية غير قادرة على استيعاب الحركية الجديدة مما يعني أن الحاجة إلى هياكل تنظيمية جديدة تلقي بظلالها على المشهد؟ ثم هل لأصحاب المبادرات الجديدة مشاريع فكرية وسياسية واجتماعية وثقافية أم أنها ستكون مجرد نسخ طبق الأصل لما هو موجود؟. يعتقد المتتبعون أن الخارطة السياسية مرشحة لاستقبال المزيد من الأحزاب، على ضوء الإصلاحات المرتقبة، حيث دفع قرار الرئيس بوتفليقة تكريس انفتاح سياسي وإعلامي العديد من الوجوه السياسية التي كانت لها أدوار في السنوات الماضية لاغتنام فرصة العودة إلى المشهد السياسي عبر تأسيس أحزاب وجمعيات، خاصة وأن المبادرين أغلبهم إما إطارات سامون سابقون في الدولة أو سياسيون عانوا من التهميش أو الإبعاد في أحزابهم. وبغض النظر عن الإجراءات التي سيتضمنها قانون الأحزاب المرتقب نهاية سبتمبر المقبل، تبقى برامج الأحزاب قيد التأسيس على المحك، فالحياة السياسية اليوم، برأي المهتمين، ليست بحاجة إلى تنظيمات جديدة بقدر ما هي بحاجة ماسة إلى خطاب جديد يبنى على أساس المتغيرات التي يشهدها المجتمع، خطابا يأخد مغزاه من فهم الواقع الاجتماعي الجديد، والتكيف ومسايرة التحولات التي أفرزت بدورها واقعا محليا وإقليميا ودوليا لا تفلح معه الأدوات السياسية القديمة. ومن هنا فلا غرابة إذا قلنا أن نجاح أي مشروع سياسي مستقبلا مرهون بمدى تجاوبه مع هذه المعطيات، وعكس ذلك لن يؤدي سوى لتكرار المشهد الذي تولد عن دستور 1989، حيث بلغ عدد الأحزاب أكثر من 60 حزبا سياسيا، لكن غالبيتها ظلت مجرد هياكل بلا روح، فلا هي تملك برامج ورؤى، ولا هي قادرة على تعبئة الشارع أو استقطاب جزء منه، والنتيجة التي خلص إليها الجميع هي وجود »حزب واحد بستين رأسا«. وقد كان لهذا الأمر أثره السيئ على الحياة السياسية، حيث اختزلت التعددية السياسية في التعددية الحزبية والتعددية الإعلامية في تعددية العناوين، في الوقت الذي بقيت فيه فئات واسعة من المجتمع دون تمثيل سياسي أو تأطير سياسي منظم ومهيكل.