تحيي الجزائر اليوم الذكرى ال 49 للاستقلال. كفاح مرير خاضه الشعب الجزائر لاسترجاع سيادته بعد أكثر من 132 سنة من الاستعمار الفرنسي أتى على الأخضر واليابس، لتبقى الذكرى خالدة لأجيال المستقبل، وبالرغم من كل التطورات الحاصلة لا تزال فرنسا الحالية متعنتة وترفض التفاوض حول ملفات الاعتراف، التعويض أو الاعتذار عن ماضيها الأسود وجرائمها المرتكبة في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية، الأمر الذي جعل من العلاقات الثنائية بين البلدين تتأرجح بين الحسن والأسوء في انتظار تسوية نهائية للملفات العالقة. كان من المفترض أن تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية تطورا كبيرا بفعل التقارب الاقتصادي الذي جمع بين بالدين في الآونة الأخيرة، لا سيما من خلال المجهودات الذي بذلت من طرف القيادة السياسية لكلا الدولتين، والزيارات المتبادلة لجون بيار رافران وبن مرادي، إلا أن تصريحات وزير الخارجية الفرنسية وكذا امتعاض بعض المسؤولين والسياسيين الذين زاروا الجزائر مؤخرا من قضايا الاعتراف والاعتذار والتزامهم بمبدأ الوعي وطرح فكرة العدالة الانتقالية صدم الرأي العام الذي تابع باهتمام هذا التقارب. يقال إن الزوج الجزائري الفرنسي مميّز من حيث علاقاته وطبيعة التعامل وتبادل المصالح في إطار سياسي مرتبط دائما بعلاقات تاريخية لا يكاد يتخلص من تبعاتها أحد، لكن المفارقة الفرنسية التي تنبع من دولة تدعي أنها مهدت لحقوق الإنسان من خلال الثورة الفرنسية التي لا يزال يتغنى بها العالم وكل الحقوقيين في المعمورة، كان ولا بد أن تثير سخط الطبقة السياسية بالجزائر والرأي العام على حد سواء، كيف لا وفرنسا تقر بتعذيب اليهود واضطهادهم وتدعو الأتراك إلى الاعتراف بجرائمهم المرتكبة في حق الأرمينيين، بينما تتنكر للحق الجزائري. ملفات عديد أثيرت في الماضي البعيد والقريب، قضية تورط الجيش في مقتل رهبان تبحيرين، اتهام الدبلوماسي حسني بالقتل وحبسه، وغيرها من الملفات التي تختفي في أدراج الكيدورسي وتبرز بين الحين والآخر ليس إلا لإدارة أزمات وممارسة الضغط وفق ما تقتضيه أجندة هذه الدولة، لكن وبغض النظر عن كل هذه القضايا ومهما كانت مستويات التعامل والمجالات التي قد تجمع أو تنفر هذا الزوج المزعوم، هناك واجب للذاكرة. إن واجب الذاكرة الذي تتنكر له الحكومة الفرنسية، نابع من سيطرة الفكر الاستعماري على سياسة فرنسا الراهنة التي تعيش في عهد العولمة، هي فرنسا التي كرّمت مجرمي الحرب ومجدت الاستعمار الذي قتّل وأرهب، وها هم اليوم قادة فرنسا على خطى سابقيهم يؤكدون أن الأبناء لا يحاسبون على ما فعله الآباء ويسخرون من أبناء الجزائر الذين يطالبون بالاعتذار بحجة أنهم لم يطلعوا على مضامين اتفاقيات ايفيان، لتتوالى تصريحاتهم المؤكدة بأن الاعتذار غير مبرمج في القوت الحالي ولا يمكن انتظاره بل يجب التفكير في مرحلة من الوعي والعدالة لطي صفحة الماضي والتفكير في المستقبل. ويبقى واجب الذاكرة الذي تطالب به أجيال اليوم وستطالب به أجيال الغد فرنسا قائما، لأن الماضي مدرسة وخزان لبناء المستقبل، فلا يمكن لأي شعب أن يتنكر لتاريخه.