تواصل أشغال الدورة العادية ال46 للمجلس التنفيذي للاتحاد الافريقي في أديس أبابا    صناعة صيدلانية : قويدري يبحث مع نظيره العماني سبل تعزيز التعاون الثنائي    السيدة مداحي تترأس اجتماعا تقييميا حول مخطط عمل الديوان الوطني الجزائري للسياحة    أشغال عمومية : رخروخ يستقبل وزير الري والصرف الصحي والبيئة النيجيري    الرئيس تبون يترأس الوفد الجزائري في قمة الاتحاد الإفريقي بإثيوبيا    فلسطين: استشهاد 13 طفلا في الضفة الغربية منذ بداية السنة    العرض الشرفي لمسرحية " عزف الضمير" بالمسرح الوطني محي الدين باشطارزي    وزير التربية يستقبل المنسق الوطني للمجلس الوطني المستقل لنظار الثانويات    وزير الصحة يستقبل وفدا عن النقابة الوطنية لأساتذة التعليم شبه الطبي    أمطار رعدية بعدة ولايات بالوسط    المتهمون طالبوا بتبرئتهم لكون الحادثة قضاء وقدر    والي ولاية الجزائر بتفقد عدة مشاريع تنموية بالعاصمة    سلطة ضبط السمعي البصري توجه إعذارا لقناتي الحياة والشروق    حكاية الحرف مع الذكرى والقصيدة مع الوجدان..!    جريمة اليربوع الأزرق الفرنسية ..؟!    من المعتقلين في سجون الاحتلال    وكالة الإنباء الجزائرية ترد عن الأكاذيب وافتراءات النظام المغربي    المخزن.. اكذب ثم اكذب حتى يصدّقك الناس    مجلس الأمة يشارك في جلسة استماع برلمانية بالأمم المتحدة    أنبوب الغاز العابر للصحراء تحقيق للتكامل الإقليمي    فكّ الاختناق المروري على العاصمة    مناقشة انشغالات مستخدمي قطاع الصحة قبل نهاية فيفري    الجمعية الانتخابية للاتحادية الجزائرية:وليد صادي المرشح الوحيد لخلافة نفسه    مساعدات جزائرية لغزة    اتحاد العاصمة يؤمن بقاء بن بوط ..    تحسبًا لاستدعاء الأفضل منهم خلال المعسكرات القادمة.. بيتكوفيتش يواصل استكشاف اللاعبين المحليين    هيئات مغربية تبحث سبل إسقاط التطبيع و مواجهة الاختراق الصهيوني للمملكة    أحمد ماضي : صناعة الكتاب في الجزائر تشهد حركية هامة    السينما لغة الوحدة والمهرجان رمز للحرية..تنافس 22 فيلما بالمهرجان الوطني الجامعي للفيلم القصير    وزير الثقافة يستمع لعروض الخبراء حول تقدم إعداد الملفات..ورشة عمل لمتابعة تحيين القائمة الإرشادية للتراث العالمي بالجزائر    خيارات حماس في مفاوضات المرحلة الثانية    دراجات/طواف الجزائر 2025: ياسين حمزة يسيطر ويحقق الفوز الرابع تواليا ويحتفظ بالقميص الأصفر    وزير الداخلية يلتقي بالكويت بالممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث    ميزانية ولاية تلمسان ترتفع إلى 690 مليار    9 أسواق تضامنية وتجنيد 239 عون رقابة    جامعة قسنطينة تكشف عن آخر ابتكاراتها    إطلاع الجمهور على إنجازات المؤسسة العسكرية    برنامج استعجالي للقضاء على أزمة الماء    ياسين حمزة أمام رهان الاحتفاظ بالقميص الأصفر    مستقبل الرويسات يعمق الفارق ورائد القبة يضيع فرصة "ذهبية"    صايفي يطرح مشكلة اللاعبين المسلمين في فرنسا    قيم الإنسانية اقترنت بالحق والفعل    استنطاق الآثار للحفاظ على الموروث ومنع التزييف    الدكتور لبجيري يرافع من أجل المنظومة القيمية    الصحراء الغربية: غياب آلية دولية لحماية الصحراويين يمنح الاحتلال الضوء الأخضر لارتكاب المزيد من الجرائم    مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء: خطوة حاسمة في تقدم المشروع خلال الاجتماع الوزاري الرابع بالعاصمة    موانئ: سعيود يحث المسؤولين على الاستغلال الأمثل للإمكانات المادية والبشرية والعمل بنظام 24/24ساعة    وهران..انطلاق الطبعة ال7 للصالون الدولي للاستثمار في الصناعة والبناء والطاقة والتصدير    وزير الصحة يستمع لانشغالاتهم..النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة تطالب بنظام تعويضي خاص    بوغالي يشيد بالدور الرّيادي للدولة    وزير الصحة يلتقي بأعضاء النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة للصحة العمومية    81 دراجا عند خط انطلاق المرحلة الثالثة من سطيف    دعوة لتأسيس نقابة حقيقية وجادة    هذه ضوابط التفضيل بين الأبناء في العطية    إمام المسجد النبوي يحذّر من جعل الأولياء والصَّالحين واسطة مع اللَّه    هذا موعد ترقّب هلال رمضان    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهجرة نحو الشعوب
نشر في صوت الأحرار يوم 05 - 08 - 2011

بعد ثلاث سنوات من اندحار المستعمر الفرنسي قاد العقيد هواري بومدين انقلابا عسكريا (عُرف بالتصحيح الثوري) ضدّ أحمد بن بيلاّ أول رئيس جزائري لدولة الاستقلال.. تم اعتقال الرئيس ومن ثم عزله بتهم الإسراف واستخدام أموال الدولة في غير وجهها الصحيح، ومن هناك وجد نفسه في إقامة جبرية طوال السنوات التي ظل فيها بومدين على رأس هرم السلطة في البلاد.
بعد وفاة الرئيس هواري بومدين دار بعض الجدل حول الشخصية المناسبة لشغل الفراغ الذي خلّفه الرجل القوي، وخاضت في الأمر جرائد ومجلات عربية أوردت إحداها موقفا أو قصة منسوبة للرئيس بومدين وهي محلّ الشاهد في هذا السياق.
ملخص القصة أن جهات غير جزائرية أشارت على العقيد هواري بومدين، رئيس مجلس قيادة الثورة، بفكرة محاكمة الرئيس المخلوع أحمد بن بيلاّ ومن ثم إعدامه لأن التهم الموجّهة إليه تكفي لهذا الأمر على حدّ زعمهم.. الطريف أو الغريب أن الرئيس بومدين رفض الفكرة من أساسها خوفا من تلك الصورة غير المرضية: (حتى لا يُقال إن الجزائر تحاكم رؤساءها).
إنها نظرةٌ حكيمة من رجل الجزائر القوي في ذلك الوقت، ورغبةٌ في احترام سمعة واسم الدولة مهما كانت التجاوزات، وهي وجهة نظر صحيحة، من بعض الزوايا على الأقل، لأن أي رئيس مخلوع أو مطرود (أو مقلوب) كان رمزا للدولة والشعب سنين عددا، وقد رأينا كيف تحترم الشعوب المتقدمة رؤساءها السابقين وتحيطهم بالأمن والرعاية والتبجيل.
ومن فكرة الرئيس بومدين مع خصمه أحمد بن بيلاّ ننتقل إلى أيامنا العربية الراهنة حيث تابع العالم على الهواء مباشرة أولى جلسات محاكمة الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك ليفوز الرجل بلقب (أول رئيس عربي معاصر يدخل قفص الاتهام أمام الملأ).
وقبل الحديث عن المقدمات التي أوصلت مبارك وابنيه ومساعديه إلى هذا المصير البائس؛ لا بد من التأكيد على أهمية اللحظة وجسامة الموقف لأن التاريخ كان حاضرا بقوة ليسجّل درجة الانعطاف التي حدثت في مسيرة العالم العربي المعاصر.. وشخصيا لم أشعر بالفرح الطفولي، وكلّنا أطفال في أوقات ما، وأنا أشاهد مبارك وجماعته داخل القفص، ولا أدري ما السبب.. ربما لأن عظمة المشهد، والتحول الذي يجسّده، كانت أكبر بكثير من الفرح.
وعودة إلى نظرة الرئيس بومدين، وضرورة الحفاظ على سمعة الدولة، لنتساءل عن الأسباب التي تدفع المؤسسة العسكرية المصرية إلى الموافقة على محاكمة أحد أبنائها الذين شاركوا في حرب أكتوبر عام ثلاثة وسبعين من القرن الماضي، وساهم بقدر ما في صنع الانتصار التاريخي الذي أذهب بعض المرارة من قلوب المصريين والعرب بعد نكسة عام سبعة وستين وفضائحها العسكرية المدوّية.
الرئيس المخلوع حسني مبارك في سن الثالثة والثمانين ومع ذلك أمر القضاءُ بإحضاره على سريره الطبّي ليكون ضمن المتهمين داخل قفص الاتهام.. فلا تاريخه العسكري وفّر له الحدّ الأدنى من الحصانة، ولا مرضه وسنّه شفعا له في الغياب.. فما الذي حدث؟.. إنهم ثمانمائة وخمسين شهيدا، وأكثر من ستة آلاف جريح معظمهم من الشباب الذين شكّلوا الوقود الأساسي لثورة الخامس والعشرين من يناير مطلع العام الجاري.. والمتهم في القتل والجرح والترويع هو مبارك وأركان حكمه..
هذا ما حدث في أيام معدودة، أما خلال ثلاثين سنة من الحكم المتواصل فحدّث ولا حرج.. لقد تحول نظام الحكم إلى عصابة تنهب المال العام وترهن البلاد للأجانب وتهدر كرامة المصري في الداخل والخارج وتبيع كل شيء بدءًا من المواقف وليس انتهاءً بالثروات ومنها الغاز المصري الذي يصل إلى دولة إسرائيل بأسعار زهيدة للغاية.. لقد طفح الكيل وفاضت الكأس بما فيها ولم يعد في وسع المجلس العسكري فعل شيء سوى التضحية بمبارك وتقديمه قربانا على مذبح الشعب ليستريح ولو إلى حين وتعود إلى ميدان التحرير حركته ويومياته العادية.
كم كنتَ يا مبارك في غنىً عن هذا المصير المشؤوم.. لقد حكمت مصر بما فيه الكفاية وأُعيد انتخابك عبر الاستفتاء في سنوات سبعة وثمانين وثلاثة وتسعين وتسعة وتسعين من القرن الماضي، وكان بوسعك المغادرة مع بزوغ فجر الألفية الثالثة لكن عشق الكرسي أعماك فدفعك إلى خوض غمار انتخابات جديدة عام ألفين وخمسة كان ظاهرها التعددية وباطنها التزوير والإكراه والتلاعب بأصوات الناس.
المحزن أن الحالة المصرية ليست شاذة في سياق الزمن العربي المعاصر فقد وصلت الأمور في دول عربية أخرى إلى درجة متقدمة جدا من التعفّن، ولم تترك بعض الحكومات العربية مجالا للإصلاح عندما فتحت البلاد أمام ثالوث الفساد والعمالة والاستبداد، وهاهو الأمر يتكرر في سوريا واليمن حيث يُقتل المتظاهرون بالرصاص الحيّ ويتفنّن الجالسون على الكراسي في توزيع تهم العمالة والارتباط بالأجنبي.
في بعض النماذج الأخرى وصلت مستويات نهب المال العام إلى درجة التقويض المنظّم للدولة والتبديد المنهجي لأموال الشعب.. إنها جرائم كبيرة يدرك أهل الاختصاص مسمياتها القانونية، لكنها بالتوصيف العام أعمالٌ وتحركات منظمة تسعى جاهدة في وضع العصيّ بين دواليب التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة، والهدف هو البقاء في الحكم وجمع أكبر قدر من الأموال.
الأمر خطير وقد يضعنا تاريخيا في عصر ربما تكون سمته البارزة: (محاكمة وإعدام الرؤساء وحواشيهم).. والخلاص من هذه اللعنة التاريخية المتوقعة في يد أصحاب القرار وحدهم.. بعض الحكمة والشجاعة فقط، ومن هناك تنطلق رحلة الهجرة نحو الشعوب، فرغم ما حدث ما زال لديها بعض الصبر والرحمة والعطف.. ستقول: اذهبوا فأنتم الطلقاء.. لكن افعلوها يا ما يعنيكم الأمر، وتوبوا قبل فوات الأوان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.