أعادتنا وزيرة الثقافة خليدة تومي عقدين إلى الوراء عندما قالت لنواب في البرلمان إنها ستناضل من أجل منع الإسلاميين من الوصول إلى الحكم في الجزائر، فهذا الموقف كنا قد سمعناه ذات مساء من سعيد سعدي رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عندما كانت الجزائر تعيش مخاضا محفوفا بالمخاطر، وفي ذلك الحين كانت خليدة تومي من أبرز وجوه الأرسيدي، ويعرف الجزائريون جميعا ما جرى بعد ذلك. لا نعرف إن كانت خليدة تومي تتحدث باسمها الشخصي أم باسم الحكومة التي تنتمي إليها، وفي الحالتين التصريح لا يبشر بخير، فهو دليل على أن الوزيرة تعيش في عزلة تامة عن التحولات التي تحدث في الجوار المباشر للجزائر، وهي تبدو عاجزة تماما عن استيعاب ما يجري في العالم حيث تغيرت مواقف الأمريكيين والفرنسيين وغيرهم من القوى الغربية التي تمثل مصدر إلهام للمناضلة السابقة، فالإسلاميون الذين تتحدث عنهم تومي أصبحوا شريكا للغرب، وكل الانتخابات الحقيقية التي أجريت في البلاد العربية أعطت الأفضلية لهذا التيار بصرف النظر عن خصوصيات كل بلد، وقد ولى زمن السطو على إرادة الشعوب ومصادرة خياراتها. انتقلت تومي من ساحات النضال إلى مناصب المسؤولية وتغيرت مواقفها كما تغيرت مواقعها، غير أن حديثها عن الإسلاميين يوحي بأن القضية تتعلق بثأر شخصي لا يتأثر بالزمن ولا بالأحداث، ويبدو أن الوزيرة نسيت مسؤولياتها فراحت تحمل الحكومة موقفا غريبا يجعل الإصلاحات كلها تبدو بلا معنى، فلا يمكن لديمقراطية حقيقية أن تجعل هدفها منع فئة ما من الوصول إلى الحكم بالطرق التي يقرها القانون. سيكون من حق الجزائريين على الحكومة أولا أن تشرح لهم ما إن كان موقفها مطابقا لما قالته تومي أمام نواب في البرلمان، وإذا لم يكن هذا هو موقف الحكومة فعلى الوزيرة أن تحزم أمتعتها، فتصريحات مثل هذه هي من بقايا الفترة العصيبة التي مرت بها البلاد حيث اعتقدت أقلية أنها تحتكر الحقيقة وقررت بتعصبها وجهلها أن تدفع البلاد نحو الخراب، والتوجه نحو المستقبل يفرض تجاوز هذا الخطاب.