لم يسبق أن أخذت الانتخابات التشريعية في الجزائر كل هذا الاهتمام من كل الأطياف حتى تلك التي لا تضع نفسها معنية بهذا الاستحقاق. فالمعركة الانتخابية بين الأحزاب انطلقت قبل الأوان وبات من الصعوبة التكهّن بمن سيكون له النصيب الأوفر من مقاعد البرلمان، وعليه فإن الخارطة السياسية المرتقبة تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات. المتتبع للتصريحات الرسمية التي تداول عليها الكثير من المسؤولين السامين في الدولة يتقدّمهم رئيس الجمهورية، وكذا الحراك الذي يسود الساحة السياسية الوطنية، لا يجد صعوبة في الوصول إلى استنتاج مفاده أن هناك شيئا ما تغيّر في الفترة الأخيرة إلى درجة أصبح فيها الجميع يراهن على انتخابات تعدّدية يكون فيها الصندوق الفيصل، ولذلك لا غرابة في أن يتقاطع وصف الاستحقاق المقبل ب »المنعرج الحاسم« في الممارسة الديمقراطية في البلاد. وبخلاف المواعيد الانتخابية السابقة التي عرفتها الجزائر منذ إقرار التعدّدية، تبرز في الأفق بوادر انخراط إيجابي واسع في العملية السياسية، ولكن هذا المؤشر لم يمنع السلطات وكل الأطياف المعنية بالاستحقاق الانتخابي في التجنّد من أجل إقناع الجزائريين بالتوجّه بقوة للتعبير عن إرادتهم بكل حرية، فالكل على اتفاق بأن السلطة تبدو جادة لضمان حدّ أدنى من نزاهة الانتخابات بحكم الالتزامات التي قدّمها الرئيس بوتفليقة من جهة، ومن منطلق التطوّرات التي شهدتها بعض دول الجوار. والواقع أن حمى الانتخابات اشتعلت على ضوء النتائج التي انتهت إليها الانتخابات التي جرت في تونس ومصر ثم المغرب، حيث تحوّل التيار الإسلامي إلى هاجس حقيقي، وبدا من خلال ذلك أن المعركة ستكون محتدمة بين مختلف التيارات في تشريعيات ماي، ولعلّ انسحاب حركة مجتمع السلم من التحالف الرئاسي أعطى مزيدا من المؤشرات على أن الأمر يتعلّق هذه المرّة بمساع جادة في اتجاه إقناع الجزائريين بأن وقت الوصاية على أصواته قد ولّى. وأكثر من ذلك فإن الصراع المبكّر على كسب التأييد تحوّل في ظرف قياسي إلى قضية وطنية، فقد شنت الأمينة العامة لحزب العمال هجوما منظما على الإسلاميين، وردّ عليها هؤلاء بالمثل. ما أثار الانتباه في تصريحات حنون أنها تحولت مباشرة إلى مهاجمة الإسلاميين الجزائريين، حيث استغلت لقاء جمع جاب الله بالسفيرين الأمريكي والفرنسي لتصرّ على صحة تحليلها ومصداقية توجسها من العلاقة القائمة بين الإسلاميين وأمريكا في أكثر من بلد إسلامي، وقد رد قياديون في جبهة العدالة والتنمية، وهو حزب جاب الله الذي ينتظر الاعتماد، على ذلك بالقول إنها تخوض حربا بالوكالة ضد حزبهم. الإشارة إلى الحرب بالوكالة تعيد فتح الجدل القديم حول مخاطر فوز الإسلاميين بالانتخابات في الجزائر، ويرى بعض السياسيين أن إجراء انتخابات في الظروف الحالية يعني منح الإسلاميين فرصة السيطرة على الحكم، وهو حكم يبدو عاما، وقد طرح سؤال في هذا المعنى على وزير الشؤون الدينية بوعبد الله غلام الله فرد قائلا: »الإسلاميون الجزائريون لن يسيطروا على السلطة لأنه لا يوجد ضمنهم أي حزب قادر على الحصول على الأغلبية في أي انتخابات«، والرد هنا يبدو عميقا ومحيطا بحقائق الواقع السياسي في البلاد. لكن الثابت أن الإصلاحات التي يجري تنفيذها الآن، والتي على أساس قوانينها ستجري الانتخابات القادمة، أغلقت الباب أمام أي عودة محتملة لجبهة الإنقاذ المنحلة إلى الممارسة السياسية، وهذا وحده يُسقط الجزء الأكبر من المخاوف التي يجري ترويجها الآن، فالذي يثير ارتياب الجزائريين هو التجربة التي مرّت بها البلاد في تسعينيات القرن الماضي، وهذه التجربة مرتبطة ب »جبهة الإنقاذ« المنحلة أساسا وليس بالإسلاميين ككل، بل إن الإسلاميين شاركوا في مراحل لاحقة في عملية إنهاء الأزمة التي آلت إليها تلك التجربة. هذه الحقيقة أسست لوضع جديد وهو أن الإسلاميين في الجزائريين لا يمثلون كتلة واحدة بل مجموعة أحزاب سياسية غير منسجمة في الغالب، ومن هنا يمكن أن نفهم توقعات غلام الله، فحركة مجتمع السلم تعرف جيدا أن مشاركتها في الحكم خلال العقدين الأخيرين لا يمكن أن تكون بدون تبعات سياسية، ومن الصعب تصور تحالف بين جاب الله وحمس، فضلا عن أن التحالف مع النهضة أو الإصلاح يبدو غير وارد على الإطلاق، وحتى في حال الذهاب إلى حكومة ائتلافية فإن تحالف الإسلاميين المعارضين مع علمانيين يبقى أقرب إلى الواقع من تحالفهم مع إسلاميين مقربين من السلطة.