بقلب خاشع لقضاء الله وقدره ينعي الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني نبأ وفاة المناضل والمجاهد الغالي الأستاذ عبد الحميد مهري، الذي فقدت فيه الجزائر وحزب جبهة التحرير الوطني واحدا من المناضلين الأوفياء ورائدا من رواد الحركة الوطنية ومن الرعيل الأول الذين ساهموا في ثورة نوفمبر المجيدة وبناء الدولة الجزائرية المستقلة. لقد كرس سي عبد الحميد مهري حياته من أجل وطنه، منذ أن انخرط في الحركة الوطنية، فكان مناضلا صلبا صبورا على الشدائد والمحن، وضع فكره وتجربته النضالية وقدراته التنظيمية في خدمة قضية وطنه أثناء ثورة نوفمبر، حيث تقلد مسؤوليات قيادية في الثورة، فكان عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية ثم في مجلس التنسيق والتنفيذ فوزيرا في الحكومة المؤقتة، وبعد الاستقلال مباشرة كان واحدا من الذين آثروا خدمة بلادهم في قطاع التربية والتعليم وتقلب في عدة مناصب سامية في الحزب والدولة، ليتوج مساره النضالي بتوليه الأمانة العامة لحزب جبهة التحرير الوطني، وقد كان دوما يتابع بعين بصيرة أوضاع وطنه وشعبه، ويساهم بكل طاقاته وجهده في كل ما من شأنه أن يحصن الجزائر ويمكنها من احتلال المكانة اللائقة بها. لقد فقدنا في المرحوم عبد الحميد مهري المدرسة الوطنية النضالية والتاريخية والثقافية، فقدنا فيه المناضل الصلب، الصادق الصدوق، السياسي الفذ، المثقف الواعي، صوت الحق والحكمة، المخلص الوفي لوطنه الجزائر ولأمته العربية الإسلامية، إذ كان صوتا قويا يصدح بحق العرب والمسلمين في التحرر والتقدم والوحدة، وقد تجلى ذلك بوضوح في رئاسته للأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي. وقد خسرت فيه الجزائر ابنا بارا شب على الوطنية الصرفة والإخلاص في العمل والتفاني في أداء الواجب، فمناضلا مع إخوانه حاملا قضية بلاده بالنضال الملتزم والكلمة الصادقة والنبل والثقة والمسؤولية، مدافعا بما امتلك من نفس ونفيس عن حرية وطنه وشعبه، فانقطع لخدمة الأهداف السامية وصون مقومات الأمة وثوابتها ومصالحها الجماعية حتى رفرف علم الجزائر فوق أرض الشهداء والمجاهدين وتحقق حلم الأمة في النصر والاستقلال، بعد ثورة شعبية عارمة، فخورة برجالاتها وفية لشهدائها طامحة إلى تحقيق مشروعها الاجتماعي العادل والاقتصادي المتطور والثقافي والسياسي البناء على طريق بناء دولة الحق والقانون والمؤسسات الديمقراطية. لقد أبلى المرحوم بلاء حسنا خلال ثورة التحرير المباركة وأدى مهامه فيها على أكمل وجه وواصل نشاطه ضمن مؤسسات الدولة المستقلة الحديثة، وكان في كل المواقع متمترسا في الدفاع عن حقوق أبناء وطنه، متحليا بالشجاعة والوعي، نابذا للعنف، حريصا على جمع كلمة الجزائريين حول ما يجمعهم من مبادئ وأهداف، خاصة في ظل التحولات باتجاه الديمقراطية والتعددية والانفتاح على العالم بروح حداثية متأصلة. وسيبقى المجاهد الأستاذ عبد الحميد مهري قدوة ومثلا يحتذى به من قبل الأجيال التي ستظل تذكره باعتزاز وافتخار، تغمده تعالى بألطاف رحمته ودثره بإنعام غفرانه وجمعه بخير خلقه من الصالحين العاملين والأبرار المجاهدين السابقين في جنات النعيم والرضوان خالدين فيها وحسن أولئك رفيقا، بما عملوا في دنياهم من صالح الأعمال وقدموا من تضحيات في سبيل وطنهم ومواطنيهم بغير حساب. نسأل المولى أن يرفق بروحه الطاهرة وينزله مقاما محمودا في جنات الخلد وأن يلهم أسرته الكريمة وذويه الأفاضل وإخوانه من المجاهدين والمناضلين وكل المواطنين جميل الصبر وعظيم السلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون عبد العزيز بلخادم