وجه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أمس انتقادات لاذعة للطريقة التي انتهجتها في الخوصصة سنوات منذ نهاية الثمانينات، وقال إنها كانت خيارا خاطئا لا يتماشى مع طموحات الشعب الجزائري، وإنه حان الوقت للتراجع عنه، ورفض أن تكون انتقاداته هذه التي وصفها بالنقد الذاتي مقصود بها "مسؤول بعينه أو تجريم لشخص ما"، كما فتح بوتفليقة النار في خطابه على المستثمرين الوطنيين والأجانب أصحاب المشاريع الاستثمارية التي لا تعود بأية فائدة على البلاد. اختار رئيس الجمهورية في خطابه أمس أمام رؤساء المجالس المحلية المنتخبة في القاعة البيضاوية الخوض في السياسة الاقتصادية التي انتهجتها البلاد خلال سنوات التسعينات، موجها انتقادات لاذعة للخيارات التي انتهجتها الجزائر ومنها خيار الخوصصة التي قال إنها كانت مفروضة على البلاد بحكم الفترة العصيبة التي مرت بها نهاية الثمانينات والشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي، لكن اليوم الجزائر ليست مضطرة مثلما ذهب إليه بوتفليقة للاستمرار على نفس النهج الذي لا يتماشى وتطلعات الشعب الجزائري، قائلا "الخوصصة لم تعد البيع بالجملة كما في الماضي لكل شيء ثمن ومن لا يدفع الثمن الحقيقي للمؤسسة العمومية لا يحصل عليها" وواصل يقول "أفضل أن أحول المؤسسة المعروضة للخوصصة إلى مدرسة أو مسجد على أن أمنحها للقطاع الخاص الذي يتاجر بأرضها". وفي سياق ذي صلة بالموضوع اعتبر بوتفليقة كلماته وموقفه هذا هو نوع من أنواع "النقد الذاتي" وليس مجرد "لوم"، مشيرا إلى أن الشراكة والخوصصة أمران مختلفان لكن في الجزائر وفي السنوات الماضية تمت الخوصصة تحت غطاء الشراكة، محملا جزء من المسؤولية لمن وصفهم ب"أصحاب الفتوى" و"الأطباء" الذين قدموا من وجهة نظر الرئيس وصفات لحل المشاكل التي كانت تتخبط فيها البلاد والاقتصاد الوطني، لم تكن في محلها "اكتشفنا أننا كنا في طريق غير سوي ولا يتماشى مع طموحات الشعب. وغير بعيد عن موضوع الخوصصة عرج رئيس الجمهورية في خطابه الذي خرج فيه عن النص المكتوب أكثر من مرة، على موضوع الاستثمار الذي ما يزال المتحدث بعيدا عن التطلعات والطموحات، وخص بالذكر المستثمر الخاص الذي ما يزال عاجزا عن تحريك وإنعاش الاقتصاد الوطني، واستغرب بوتفليقة في خطابة قائلا" نحن في بلد غريب إذا لم تبادر الدولة ببناء قاعة سينما لا أحد من القطاع الخاص يجرأ على ذلك" مضيفا بالقول "يكفينا من سياسة الاستثمار في المشروبات ورحى السميد"، متسائلا عن الفائدة التي يمكن أن يعود بها هذا النوع من الاستثمارات على البلاد، وقال إن الحكومة لجأت إلى خلق مؤسسات على على غرار الديوان الوطني لترقية وتطوير الاستثمار لتشجيع المستثمرين وتحفيزهم عن طريق جملة من الإجراءات ومنها الإعفاء الضريبي لمدة 5 سنوات كاملة وقد تصل إلى 10 سنوات لصالح مؤسسات وصفها بالطفيلية، باعتبار أن هذا الامتياز أو الإجراء يستفيد منه جميع المستثمرين بغض النظر عن نوعية الاستثمار، متسائلا أين الصالح العام في هذا الإجراء؟". وبخصوص الاستثمار الأجنبي في الجزائر فقد كان له هو الآخر نصيبه في ما وصفه بوتفليقة ب"نقد الذات"، وذهب إلى القول "الاستثمار الأجنبي مرحب به لكن في القطاعات التي تخدم البلاد" أو ما اصطلح على تسميته بالاستثمار المثمر والمنتج بالنسبة للجزائر والمربح بالنسبة للمستثمر، وضرب مثلا بالمستثمر الذي يستثمر 700 مليون دولار وفي ظرف ثلاث سنوات يسترجع رأس المال ويحقق ربحا ب2 مليار دولار، قائلا "أنا لا أعتبر هذا استثمار وإنما أعتبرها عثرة تكسر فيها أنفنا"، وأضاف بوتفليقة بأنه كان يفترض التعامل مع المستثمر الأجنبي الذي سيخرج رابحا في كل الحالات على الأقل بشرط تقاسم الربح معه، ورفض بوتفليقة تبرير السياسات أو الأخطاء المرتكبة بحجة العولمة وفكر العولمة لأن هذه الأخيرة تطبق وفقا للواقع الوطني لكل بلد على الأقل في البلدان التي تتمتع باستقلالها وسيادتها، معقبا بالقول "والجزائر يفترض أنها لم تفقد لا استقلالها ولا سيادتها". وفي الموضوع نفسه أكد الرئيس بوتفليقة أنه لا يقصد من انتقاداته هذه أشخاصا معينين قائلا "أنا لا أشير إلى أحد ولا أجرم أحدا ولا مسؤولين بعينهم لكن ما حدث أننا اتخذنا طريقا اعتقدنا أنه يوصل إلى الجنة لكننا اكتشفنا لا حقا أنه ليس كذلك ولا بد من مراجعة الطريق". كما تطرق بوتفليقة إلى واقع التشغيل في الجزائر، وقال إن الأرقام الخاصة بالبطالة التي قدمتها المؤسسات الرسمية قابلة للجدل لأن نسبة معتبرة من البطالين يرفضون العمل في العديد من القطاعات رغم أنهم يفتقدون إلى التأهيل وهؤلاء وصفهم بوتفليقة بأنهم ليسوا بطالين يبحثون عن مصدر رزق يعيلون به أسره بل إنهم "أفات" و"عالة على المجتمع".