تشهد الساحة السياسية حركية غير معهودة استعدادا للانتخابات التشريعية القادمة، وهي حركية وليدة الإصلاحات السياسية التي فتحت المجال لظهور أحزاب سياسية جديدة تتزعمها وجوه كانت من ضمن قيادات أحزاب قديمة، كما أن حمى الترشح للمجلس الشعبي الوطني القادم فاقت هذه المرة كل التوقعات والتصورات من حيث الكم، سواء في إطار الأحزاب أو القوائم الحرة، وهو الأمر الذي صعّب على قادة الأحزاب عملية الاختيار في القوائم النهائية دون الحديث عن الإشكالية المعقدة لمن يتزعمون هذه القوائم. فهل هذا التهافت هو نتيجة وعي سياسي وتدافع نحو التواجد في المواقع التي يتم من خلالها خدمة المواطن والمصلحة العليا للوطن والمساهمة في تنميته والارتقاء به نحو آفاق المستقبل في إطار التكيف مع التطورات المتسارعة التي يشهدها العصر؟ أم أن هذا التهافت هو نوع من الأنانية والرغبة في الوصول إلى المواقع التي تخدم مصالح ذاتية ومزيدا من الراحة المالية التي أصبحت اليوم مع الأسف - سُبَّة لكل مترشح للانتخابات التشريعية سواء أكان أهلا لذلك أم لا؟ رسالة رئيس الجمهورية في المناسبات الأخيرة كانت واضحة، حيث طالب المترشحين التفكير بذهنية جديدة وبفهم أكثر نضجا لمدلول النيابة ولمعاني التمثيل النيابي، وللدور الوطني والمحلي المناط بالنائب• من واجب المترشح لهذه المسؤولية السامية أن يفكر مليّا فيما ينتظر منه، وفي مدلول الامتياز الذي يتيحه له التمثيل النيابي، وهي أيضا موجهة لمسؤولي الأحزاب ليفكروا جيدا في اختيار القوائم وأن يضعوا في حسبانهم متطلبات المرحلة القادمة التي تعتبر مرحلة جديدة بعد 50 سنة من الاستقلال سوف تختلف دون شك عن كل مقاييس المرحلة السابقة لأسباب فرضتها سنة التطور وأيضا الإصلاحات السياسية التي جاءت في كل نصوصها مؤكدة على إعطاء الدور للشباب وفسح المجال أمام أجيال الاستقلال التي أصبحت اليوم على مقدرة لقيادة الوطن وفق تصور وتفكير ورؤى تتلاءم ومتطلبات العصر. يكفي أولئك المتربعون على مواقع المسؤولية بعد كل هذه السنوات الطوال، وليستحوا وينسحبوا بكرامة قبل أن تدفعهم الأجيال وبدون أدنى احترام، وليفهم أيضا أولئك المهرولون للقوائم الانتخابية بأن هذه المسؤولية ليست في متناول الجميع خاصة أولئك الذين لا كفاءة لهم ولا مستوى ثقافي سوى ما يكتبونه في الاستمارات بأنهم "جامعيون" دون تقديم الدليل وحتى إن كان فهو مجرد عملية تسجيل لا يعلم إلا الله كيف تمت. ويكفي أيضا أن تصبح »الشكارة« هي الوصمة التي تطبع الأحزاب والنواب معا.. إننا نبني جزائر قوية وآمنة.. ليس فقط من شر الإرهاب والمتربصين بنا، بل أيضا آمنة من الفساد والمفسدين من الانتهازيين ومحتكري المسؤولية من كل أولئك الذين يعتقدون بأنهم خالدون في ما يحتكرون من مسؤوليات، غير آبهين بأن الأيام كما المسؤوليات مداولة وأن الديمقراطية الحقة تفرض ذلك.. لقد جاءت القرارات التي تحدثت عنها الصحف الوطنية بعدم ترشح عدد من المسؤولين سواء في الوزارات أو الأحزاب بردا وسلاما على المناضلين والمواطنين ورأوا في ذلك البداية الحقيقية للإصلاحات السياسية، وأنها الإشارة التي ينتظرها المواطنون ليتخلوا عن لامبالاتهم للانتخابات والمشاركة - إن صدقت المعلومة - بقوة في اختيار من سيمثلونهم في البرلمان القادم.. برلمان الجزائر بعد 50 سنة من الاستقلال.